الأرقام تؤكد «مناعتها» وثبات الاستقرار النقدي

أزعور لـ «الراي»: لا خطر على الليرة اللبنانية ... والثقة بالاقتصاد اللبناني مازالت قائمة

1 يناير 1970 12:22 ص
• المؤسسات الدولية منحت لبنان مهلة حتى نهاية العام لإقرار بعض التشريعات

• الوضع الاقتصادي في لبنان ليس جيداً ... ولكن الاستقرار النقدي ليس في خطر
الليرة اللبنانية في خطر، لبنان على حافة «تسونامي» مالي - اقتصادي، «سمعة لبنان» أمام المؤسسات الدولية على المحكّ، البلاد على مشارف «انتحار» مالي.

هذا غيض من فيض «الصراخ» الذي يسود بيروت منذ نحو أسبوع، ويختلط فيه «حابل» المالي بـ «نابل» السياسي، في بلدٍ غالباً ما تتحوّل فيه الاستحقاقات حلبة منازلاتٍ تخاض أحياناً بـ «السلاح الأبيض».

ولأن «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» فتح باب التشريع في البرلمان «العاطل عن العمل» منذ نحو عام، والذي يكتفي

بـ «عدّ» الـ لا جلسات التي يعقدها لانتخاب رئيس للجمهورية، والتي ترسو اليوم على الرقم 31، سجّلت لعبة «عضّ الأصابع» السياسية استخدام أطراف داخليين «أسلحة الاحتياط» في سياق الضغط لعقد الجلسة التشريعية لمجلس النواب غداً وبعده، تحت عنوان أن «الضرورات المالية» تبيح «المحظورات» السياسية.

وبعدما لاح في الأفق خطر القفز فوق «صمام أمان» الميثاقية (المسيحية - الاسلامية) لتصبح «المخاطر المالية» بمثابة «كاسحة الألغام» أمام انعقاد جلسة «تشريع الضرورة» على قاعدة «بمَن حضر» وبمعزل عن اعتراض القوى المسيحية الوازنة على ضفتيْ فريقيْ الرابع عشر والثامن من آذار على عدم تضمين جدول أعمالها بند قانون الانتخاب، تم التوصل عشية جلسة مجلس النواب التي تعقد اليوم إلى تسوية أرضت الجميع لإتاحة الرصة أمام للبرلمان لإقرار بعض التشريعات الضرورية.وتشمل «سلّة المشاريع» التي استدعت ما يشبه «حال طوارئ» سياسية - مصرفية - اقتصادية للضغط نحو إقرارها في جلستيْ غداً وبعده: مشروع القانون الوارد في المرسوم رقم 7982 المتعلق بالتسريح عن نقل الأموال عبر الحدود، مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 8002 المتعلق بتبادل المعلومات الضريبية، ومشروع القانون الوارد في المرسوم رقم 8200 والخاص بتعديل القانون رقم 318 تاريخ 20 /‏‏4 /‏‏2001 لمكافحة تبييض الأموال إضافة إلى المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لقمع تمويل الإرهاب.

وفي حين تقاطعتْ المعلومات عند أن لبنان تبلّغ من المؤسسات الدولية التي تعنى بمراقبة الدول التي تلتزم شروط مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب أن مهلة إقرار القوانين المطلوبة في هذا السياق تنتهي في 31 ديسمبر المقبل، وإلا تم إدراجه في لائحة الدول غير المتعاونة ما يعني أنه سيكون خارج الشرعية المالية الدولية، برز كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي أعلن أنه للمرّة الأولى منذ 22 عاماً، هناك تهديد جدّي لليرة اللبنانية في حال تأخّر لبنان عن إقرار القوانين قبل نهاية العام، وهو الموقف الذي سبقته وتلته مجموعة تصريحات لأكثر من طرف حذّرت من التداعيات «الكارثية» للتلكؤ عن السير بهذه التشريعات على واقع بلدٍ يرزح تحت وطأة دين عام يناهز 69 مليار دولار، ويشهد تباطؤاً اقتصادياً في ظل الأزمات السياسية المتوالدة التي يعيشها.

هل الليرة اللبنانية فعلاً في خطر؟ وهل تقف العملة الوطنية واستقرار سعر الصرف أمام احتمالات سوداوية في حال لم يتمّ السير بالتشريعات المطلوبة دولياً، بما يعني وفق خبراء أنه سيجري خفض التصنيف الائتماني للبنان ووقف عمليات التصدير والاستيراد، و «ستجفّ السيولة عن لبنان وتنقطع تحويلات المغتربين وسيعجز اللبنانيون عن تمويل نفقات أولادهم في الخارج» كما قال رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه؟ أم أن سياسات «مصرف لبنان» والهندسات التي ينفّذها منذ أعوام، إضافة الى الاحتياطي النقدي الكبير لديه بالعملات (نحو 39 مليار دولار) واحتياط الذهب (287 طناً بقيمة أكثر من 10 مليارات دولار)، مضافاً إليه الودائع الكبيرة الموجودة في القطاع المصرفي تشكل ثقة مطلقة بالليرة وتدعم استقرارها لأمد طويل؟

وزير المال اللبناني السابق جهاد أزعور وضع مجمل ما يقال عن وضع الليرة وربْطه بالمشاريع المطروحة أمام البرلمان في سياق «استخدام البعض هذه المسألة في إطار رفْع مستوى الضغط (لعقد الجلسة التشريعية) أكثر من اي شيء آخر»، لافتاً «إلى أن الوضع الاقتصادي في لبنان ليس جيداً ولكن الاستقرار النقدي ليس في خطر». وأشار إلى أن عدم إقرار التشريعات المطلوبة دولياً سينطوي على مؤشرات سلبية، وقال:«لكن الانطلاق من هذا الأمر للقول إن الليرة في خطر خطأ وفيه مبالغة».

وعن المؤشرات التي تدلّ على أن الليرة ليست في خطر، يجيب أزعور الذي تولى حقيبة المال في لبنان بين 2005 و2008:«الوضع النقدي في لبنان لم يتغيّر، وإذا نظرنا إلى الأرقام في الأشهر الستة الأخيرة، نجد مثلاً ان حجم الكتلة النقدية ما زال مقبولاً وهناك توقعات من صندوق النقد الدولي بأن هذه الكتلة ستسجل نمواً بـ 8 في المئة، وهو رقم مقبول».

وأضاف أن نسبة الدوْلرة مازالت مستقرة على 65 في المئة ولم ترتفع، من دون إغفال تَحسُّن عجز ميزان المدفوعات بسبب انخفاض سعر النفط، إذ إن لبنان يستورد بما قيمته 6 مليارات دولار مواد مرتبطة بالقطاع النفطي، ومع انخفاض سعر برميل النفط إلى أكثر من النصف تراجعت هذه الفاتورة نحو 3 مليارات دولار ما أفضى إلى تحسن في ميزان المدفوعات.

وتابع أزعور أنه تبعاً لذلك لا يوجد مؤشر مالي - نقدي يدفع للقول «إننا في وضْع تَراجُعي، كما أن عنصر الثقة ما زال قائماً بدليل أن الدولة اللبنانية أصدرت أخيراً (قبل نحو عشرة ايام) سندات يوربوند بفوائد مقبولة جداً بالمقارنة مع دول أخرى لم تنجح في تسويق إصدار السندات واضطرت إلى التأجيل مثل مصر والعراق. وبالتالي إذا نظرنا إلى المؤشرات النقدية - المالية البحت، فليس ثمة مؤشرات سلبية، باستثناء عجز الموازنة المرتفع نسبياً، علماً أن التباطؤ في النموّ الاقتصادي ليس جديداً. ويتابع أزعور «يجب عدم إغفال الاحتياط الكبير لمصرف لبنان بالعملات واحتياط الذهب، ولذا قلتُ ان ثمة مبالغة في الكلام عن خطر على الليرة، صحيح أن الأرقام تظهر أن لبنان ليس في أفضل حالاته اقتصادياً، إلا أن وضْعه المالي - النقدي مستقرّ والمعطيات على هذا الصعيد لا تؤشر إلى المنحى الدراماتيكي الذي يتحدث عنه البعض، إذ إن نقاط الإنذار غير موجودة، ونسبة الدوْلرة لم ترتفع والفوائد لم ترتفع والخط البياني للاحتياط لدى مصرف لبنان أرقامه معروفة وما زالت تقريباً على حالها وهي بالتأكيد مريحة ومطمْئنة».

وعن التحذيرات من بعض السياسيين اللبنانيين من «تسونامي» مالي؟ يقول:«أتمنى ان يتوخى البعض الدقة أكثر في التعاطي مع هذه المسائل، وعلى المرء ألا يبالغ في التفاؤل وألا يفرط في التشاؤم، وانا لستُ ممّن هم مستعدّون لاستخدام كل الأسلحة للإقناع بضرروة القيام بالعمل الصحيح، ذلك ان التشريع هو مسألة ضرورية في ذاتها».

ومن اي زاوية يمكن لعدم إقرار التشريعات المطلوبة دولياً في البرلمان، أن يؤدي إلى مخاطر على الواقع المالي - النقدي والاقتصادي؟ يجيب:«عدم إقرار التشريعات المطلوبة هو مؤشر سلبي، وفي المطلق ليس ضرورياً أن نتعاطى مع المسائل على قاعدة أن نتحرّك حين يصبح الخطر»، مبيناً أنه «هناك تأثير سلبي بحال لم تُقر هذه المشاريع حتى ولو لم يرتّب ذلك خطراً، وثمة إجماع على هذه القوانين، ولذا لا أفهم لماذا في هكذا موضوع حساس وحيوي ويعزز الثقة بلبنان علينا تضخيم الأمور، يكفي القول إن هذه المشاريع هي لمصلحة البلد، وتوجد ايضاً قوانين أخرى حيوية مرتبطة بتمويل مشاريع للبنى التحيتة من صناديق عربية، وقروض ميسرة».

وأضاف أزعور «من غير الضروري تخويف أنفسنا لهذه الدرجة لاتخاذ القرار الصحيح (حول ضرورة إقرار هذه القوانين)، فهذا الأمر يتخطى حدود المنطق العقلاني، والمعيار في هذا الأمر يبقى مصلحة البلاد وهي ليست على حساب مصلحة أحد من القوى السياسية»، لافتاً إلى أن «البعض استخدم كلاماً يتخطى حدود معرفتهم ومن دون ان يتنبّهوا إلى انعكاساته».

وأكد رداً على سؤال «أن الوضع السياسي في لبنان والفراغ في المؤسسات يؤثر على الاقتصاد، لكن هذا الأمر لا يلغي ما كنتُ أقوله»، موضحاً «أن البعض يحاول الإيحاء بأن عدم انتخاب رئيس للجمهورية أو إبقاء المؤسسات فارغة لا تأثير له، وهذا غير صحيح، لكن في المقابل لا مبرّر لاستخدام الخوف المطلق والتخويف للقول إنه يجب ان نتحرك، فهذا يجب أن يحصل لأن فيه مصلحة للبلد».

وكان نائب حاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري، قد أكد استقرار الوضع المالي والنقدي، مشدداً على أن الليرة اللبنانية قوية ومحصّنة، وتالياً ليس هناك من مخاطر على سعر صرف الليرة التي باتت منذ أعوام العملة الأساسية للبنانيين متقدّمة على الدولار.

وقال في حديث صحافي «إن سياسات (مصرف لبنان) والهندسات التي ينفّذها منذ أعوام، إضافة إلى الاحتياطي النقدي الكبير لدى المصرف بالعملات، مضافاً إليه الودائع الكبيرة الموجودة في القطاع المصرفي تشكل ثقة مطلقة بالليرة وتدعم استقرارها لأمد طويل»، محذراً في الوقت عينه «من مخاطر وتداعيات عدم إقرار لبنان لمشاريع القوانين الموجودة أمام المجلس النيابي، التي تتعلق بتفعيل عمليات مكافحة تبييض الأموال والإرهاب، لأن التأخير المستمر في إقرارها سيؤذي علاقة المصارف اللبنانية بالمصارف المراسلة، كما سيؤدي إلى خفض تصنيف لبنان السيادي، وهذان الأمران خطيران على القطاع المصرفي اللبناني وعلى الوضع المالي بشكل عام».

وفي السياق نفسه، نُقل عن مصادر مصرفية رفيعة أن الاحتياط الإجمالي من العملات والذهب لدى مصرف لبنان والذي يناهز 49 مليار دولار يعادل أكثر من 70 في المئة من الدين العام المجمل، ويتجاوز 81.6 في المئة من الدين العام الصافي، كما يغطي أكثر من 129 شهراً من خدمة الدين الحكومي، وهي المعطيات التي لطالما اعتُبرت سنداً لتصريحات مختلف المسؤولين والخبراء النقديين والماليين، وفي طليعتهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي لاينفكّ يؤكد استقرار الليرة وأهمية الدفاع عنها.