من جاهين إلى المصري... «القبر» يضم الفنان وأعماله

رسامو كاريكاتير «رحلوا»... هل تضيع «إبداعاتهم»؟

1 يناير 1970 02:45 م
علاقة من نوع خاص جدّا، تربط فنان الكاريكاتير والرسوم المتحركة بمتابعيه، يدفع خلالها الفنان عمره في خطوط وألوان وتعليقات ساخرة لأحوال وطنه ومجتمعه، ويقبض في المقابل قارئه الثمن في صورة ضحكة يومية ترتسم على شفتيه وسط عشرات الأخبار الكئيبة والمقبضة التي تحملها إليه صحيفته كل صباح.

علاقة قصيرة الأجل، تنتهي باختفاء الرسام ليحل محله آخر على نفس الصفحات، فالمطلوب هو الابتسامة أيّا كان صانعها، زيد أم عبيد.

وهنا يرحل فنانو وصانعو الابتسامة، وتبقى أعمالهم في مهب الريح... تراث كامل يتحول إلى أكوام مهملة بلا قيمة يعلوها الغبار وتتخلها العتة.

وهنا يكمن السؤال: «هل تضيع إبداعات الفنانين، وتُهمل أرشيفات أعمالهم.. أم يمكن الحفاظ عليها؟».

وفيات رسامي الكريكاتير والرسوم المتحركة في الفترة الأخيرة، متتالية، وهي ما أبرزت المشكلة.

وهنا نقول، إن مصطفى حسين وعادل البطراوي وهاني المصري وأحمد طوغان وغيرهم، غيبهم الموت، وبقي فنهم بانتظار من يبحث عنه.

النقاد، قالوا إن العلاقة بين الفنان وجمهوره بدأت تتسع مع دخول مواقع التواصل الاجتماعي إلى المعادلة، فأصبحت العلاقات أقوى بعض الشيء والمتابعة أعلى.

ويشهد على ذلك صفحة الفنان المصري الراحل هاني المصري، أحد نجوم استوديوهات «والت ديزني»، ومصمم العديد من الشخصيات الكارتونية الشهيرة في مصر وخارجها، حيث بلغ عدد متابعيه أكثر من 60 ألف متابع قام من خلالها الفنان ببث أفكاره وأحداث حياته بما فيها المرض والوفاة.

بقيت كلماته، خصوصا الأخيرة، يتداولها المتابعون، وصاياه وتجاربه.

نقاد الفنون التشكيلية، وروادها، اتفقوا على أن ميزة «مواقع التواصل»، لم تتوافر لكثير من الفنانين القدامى أمثال «صلاح جاهين وصلاح الليثي وأحمد إبراهيم حجازي» وغيرهم.

وأشاروا، إلى أنهم جاؤوا وتألقوا ورحلوا لتبقى أعمالهم وأصولها في علم الغيب، مصير مرعب يخشاه أكثر رسامي الكاريكاتير والكارتون الذين لايزالون على قيد الحياة.

المسألة بالكامل في يد الدولة، هي القادرة على حفظ هذا التراث وأرشفته وتقديمه بصورة لائقة إلى الأجيال القادمة بالشكل المناسب، لكنها لا تريد ذلك ببساطة.

ويرى أن الأمر سهل، لكنه غير مرغوب.. فرسام الكاريكاتير ـ بحسبه ـ ضد السلطة على طول الخط، يذكرها بأخطائها ويسخر من رموزها الخارجين عن المألوف، فكيف لها أن تحتفي بمنتقديها!: «الكلام دا ممكن يحصل في الدول المتقدمة التي تحتفي بمنتقديها لثقتها في نفسها، أما هنا فكل شيء مترد، قلة هم المشاهير الذين حاولت الدولة الحفاظ على تراثهم، فكيف لها أن تحفظ تراثنا نحن؟!».

مضيفا، إن أعمال سنوات طويلة تدخل القبر مع صاحبها، فلا يعثر عليها الباحثون في ما بعد بسهولة ولا يجرى أي احتفاء بها مهما بلغت قامة صاحبها.

وقال هاني شمس: «مفيش في مصر أي مشروع للمحافظة على الأرشيف الخاص برسامي الكاريكاتير أو الكوميكس، صحيح في اجتهادات شخصية وفردية لكنها تحتفظ بشء لا يُذكر مقابل الكم الذي يضيع كل يوم من أعمال الكبار».

ويشير «شمس»، إلى تجربة الجمعية المصرية للكاريكاتير، التي أسسها الراحل زهدي العدوي.

لافتا، إلى أنه حينما توفي مؤسس الجمعية زهدي العدوي في التسعينيات، كان يحب أن يحتفظ بالأشياء القديمة، من بينها رسومات الفنانين، فكان لديه أرشيف ضخم لرسومات أصلية رسمها صلاح جاهين والليثي وحجازي وبيكار.. وزارة الثقافة اشترت المكتبة، وأهدتها للجمعية المصرية للكاريكاتير، وحتى هذه اللحظة الأرشيف «مرمي» في مطبخ الجمعية، لا وزارة الثقافة فكرت أنها تنشئ متحفا مستغلة هذا الارشيف، ولا أعضاء الجمعية لديهم قدرة مالية تمكنهم من إنقاذ تراث بهذا الحجم.

شمس، الذي شارك في جرد المكتبة، يشعر بأسى شديد للحال الذي وصلت له الأصول النادرة، وقال: «صلاح جاهين مثلا كان له أكثر من ألف كاريكاتير، مرمية، الجمعية نقدر نعتبرها ماتت مع جاهين».

صحيح أن هناك متحفا للكايركاتير في الفيوم، لكنه متحف خاص بالفنان محمد عبلة، مساحته صغيرة لا تتسع لتراث رسامي الكاريكاتير بالكامل.

وهنا يتحدث، رسام الكاريكاتير وعضو الجمعية المصرية للكاريكاتير سمير عبدالغني.

مشيرا، إلى أن تراث مئات الفنانين القدامىي والجدد في خطر: «عندنا مشكلة خطيرة جدا كرسامين كاركاتير ومهتمين برسوم الأطفال المفروض يكون في متحف كبير لنا، زي ما في متاحف للخط العربي وللقماش، ولكثير من أنواعه الفنون هذا الفن وروداه يستحقون متحفا أيضا».

إنتاج كبير لرسامي الكاريكاتير لكن عائده ليس كذلك، فبحسب عبدالغني: «رسامو الكاريكاتير يقدمون إنتاجا غزيرا، نظرا لعمل أكثرهم بصحف يومية، يضطرون خلالها لتقديم رسمة على الأقل يوميّا، لو حسبنا عددهم سنجد أن الفنان الواحد يقدم نحو 365 رسمة في العام، أي أكثر من 3600 رسمة في عشر سنوات، تُهدر جميعا وتموت بموت الفنان وبمجرد نشرها، فليست كل أسر الفنان تحافظ على رسوم الفنان، كما أن الفنان نفسه قد لا يحتفظ برسمته لأن ثمنها عادة بخس، وأغلى لوحة كاريكاتير يمكن أن تُباع لجريدة عربية ألف جنيه، ونتحدث هنا عن حالات نادرة يكون الطلب فيها لرسمة واحدة طوال العام».

لا يشعر «عبدالغني» بكثير من التفاؤل، فهو كشمس يرى الإهمال مسببا: «رسامو الكاريكاتير يقدمون على التوازي أعمال رسوم للأطفال أيضا، وبعضهم يقدم المزيد من الرسوم التعبيرية في صحفهم حسب الطلب، لا تسمح ظروفهم المادية بحفظ تراث بعضهم لبعض أو بجمع أموال لتنفيذ المهمة، كما أن الدولة تتعمد الإهمال، فكيف لها أن تنصف رسامي الكاريكاتير وهي تنكل بهم مع كل نظام يتغير».