مقاتلوها يريدون تعهداً خطّياً من الأمم المتحدة بتغطية انسحابهم

الزبداني... «مدينة أشباح» تترنّح في ظلال الهدنة الهشّة

1 يناير 1970 10:45 م
• أم يحيى: أعرف أن خروجي من الزبداني هو الأخير وقد لا أعود أبداً

• الحياة في المدينة مستحيلة ما لم يرفع النظام حصاره عنها

• أبو حذيفة: واجهنا حصاراً لأكثر من 4 سنوات وإنجاز كبير أن نصمد ولا نسلّم مدينتنا للمحتل الإيراني والنظام و«حزب الله»

• القيادة السورية تعمّدت التنصّل من اتفاق الإفراج عن المعتقلات والمراوغة مع مندوب الأمم المتحدة
يلملم أهالي الزبداني (ريف دمشق) أنفاسهم وسط دمار هائل بعد وقف إطلاق النار الذي أُقرّ نتيجة اتفاق هدنةٍ بين أطراف الصراع الجيش السوري و«حزب الله»، من جهة والمجموعات المسلحة المعارِضة من جهة أخرى شمل أيضاً بلدتيْ الفوعة وكفريا الشيعيتيْن المواليتين للنظام والمحاصرَتين في محافظة إدلب.

لم يوفّر الدمار مبنى كبيراً كان أو صغيراً، حتى بدا 95 في المئة من مدينة الزبداني مدمراً بالقذائف والصواريخ، عدا عن الحرق المتعمّد من النظام وطائراته لسهليْ الزبداني ومضايا (الواقعين جنوب وجنوب غرب الزبداني). علماً ان بلدة مضايا التي تؤوي نحو عشرين ألف شخص بين مقيمين ونازحين، والتي تفرض قوات النظام والمسلحون الموالون لها حصاراً محكماً عليها شملها اتفاق الهدنة الذي أقرّ الشهر الماضي والذي نصّ في مرحلته الأولى على وقف لإطلاق النار يليه إدخال المساعدات الإغاثية ومن ثم السماح بخروج المدنيين والجرحى من الفوعة وكفريا، والمقدّر عددهم بعشرة آلاف شخص، إلى مناطق تحت سيطرة النظام، مقابل توفير ممر آمن لمقاتلي الفصائل من الزبداني ومحيطها باتجاه إدلب حصراً، على أن يبدأ بعدها تطبيق هدنة تمتدّ لستة أشهر.

ومن خلف خطوط الهدنة التي أسفرت قبل أيام عن بدء دخول المساعدات إلى البلدات الأربع المعنية، فإن الخارجين من الزبداني، يشبّهون المنطقة التي تُعتبر آخر مدينة حدودية مع لبنان لا تزال في يد الفصائل المقاتِلة المعارضة وتطلّ على الطريق الدولي بين دمشق وبيروت بأنها «مدينة أشباح»، كما تقول «أم يحيى» الهاربة حديثاً إلى لبنان، موضحة «أن الحياة مستحيلة في المدينة ما لم يرفع النظام حصاره عنها».

وأضافت «أم يحيى» والغصة تخنقها: «أعرف أن خروجي هذا هو الأخير، وقد لا أعود إلى بلدتي أبداً، لأننا نتوقع أن يأتوا إلى الزبداني بعائلات شيعية من الفوعا وكفريا، ليسكنوا بدلاً منا فيها».

وتتابع وهي تمسح الدمعة من عينها: «بنبقى بلدتنا وبننصب خيم فوق ركام منزلنا، بس إذا أطفال ماتوا من الجوع والمرض كيف ممكن نستمر؟ أربع سنوات من الحصار تصوّر شو ممكن تعمل فينا».

الواقع المأسوي وغير الإنساني فرض على مقاتلي المعارضة أن يقبلوا بالمفاوضات. وبحسب أبو حذيفة الزبداني، وهو أحد القادة المقاتلين في الزبداني الذي خرج من المدينة أخيرا إلى لبنان ليغادر منه إلى تركيا، فإنهم وقعوا بين خيارين أحلاهما مُرّ: «الاتفاق أو الموت»، معتبراً «أن صمودنا لأكثر من ثلاثة أشهر بوجه النظام و(حزب الله) وكل ما يملكونه من قوة وأسلحة وطائرات، هو انتصار».

وقال أبو حذيفة لـ «الراي»: «واجهنا حصاراً لأكثر من أربع سنوات، ومعارك كانت طاحنة بين الفترة والأخرى، والإنجاز كبير أن نصمد ولا نسلّم مدينتنا للمحتل الإيراني والنظام وحزب الله».

وأضاف: «لولا المدنيون لما وافقنا على الاتفاق. فالأهالي هُجروا إلى مضايا وبقين اللتين حوصرتا ومُنع دخول أي إمداد غذائي أو صحي إليهما، ومَن لم تقتله القذائف مات من الجوع وقلة الغذاء والأدوية، عدا عن وجود عدد كبير من الجرحى والمرضى موجودين في أقبية تنعدم فيها العناية الطبية والصحية».

وبحسب «أبو حذيفة» فإن «الذخيرة تكاد تنفد، عدا عن نفاد المؤن الغذائية، ونحن نأكل مواد غذائية منتهية الصلاحية، وحتى السكر مفقود منذ شهور، وعلبة الدخان إذا وُجدت ثمنها لا يقل عن 5 الاف ليرة، فيما المتطوع يتقاضى كل ثلاثة أشهر 8 آلاف ليرة».

ويضيف متأففاً: «ما سطره جميع المقاتلين في جميع الفصائل إنجاز كبير مقارنةً بجنود النظام وميليشيا (حزب الله) الذين يتقاضى الواحد منهم ما لا يقل عن 800 دولار أميركي».

واذ يؤكد في السياق نفسه «اننا قاتلنا بـ(اللحم الحي)، لا ينكر أنه حصلت إخفاقات كثيرة وتعثرات، مستبعداً الحديث عن التخوين»، ومضيفاً: «هناك ثغر كثيرة وأنانيات مارسها البعض، ولكن كل ذلك يجب أن يحفزنا للتوقف عند محطة المراجعة الدقيقة لما حصل، لتجنُّب تكرار الاخطاء في أي محطة أخرى».

ورغم دخول قوافل المساعدات إلى مضايا والزبداني بموجب اتفاق الهدنة الذي رعته الأمم المتحدة، فقد وصلت إلى الزبداني 100 حصة، إضافة إلى بعض المواد الطبية والإسعافية، كما وصلت 3500 حصة لمضايا على أن يستكمل إدخال 1700 حصة إليها في الأيام المقبلة وبعض المواد الطبية مع تسجيل نقص في حليب الأطفال والطحين، وتأجيل إدخال الوجبات الغذائية إلى سرغايا للأيام المقبلة.

وفي موازاة ذلك، يشكّك مراقبون في إمكان أن يستمرّ سريان اتفاق الهدنة طويلاً، لما يحمله هذا القرار في طياته من تجاذبات حوله سواء داخل فصائل المعارضة في الزبداني أو في صفوف القيادات العسكرية التابعة للنظام.

ويوضح أبو حذيفة «أن فصائل المعارضة رفضت تكرار خطأ اتفاق القصير»، موضحاً أن «المجموعات المقاتِلة منقسمة في الزبداني، وهذا ما سبّب فشل الاتفاق الأول رغم قبول قائد كتائب الأحرار أبو عدنان زيتون، (عديد عناصره 400 مقاتل)، وذلك بعدما رفضت الاتفاق كتائب الحق بقيادة مهران علوش (400 مقاتل) ومعه جبهة النصرة (250 مقاتلاً)، ليعود علوش ويوافق على الاتفاق الثاني على مضض وبشروط نتيجة تزايد عدد الجرحى بين المدنيين والنقص الحاد في المواد الغذائية، والأدوية التي أدت إلى وفاة 17 طفلاً يومها».

ويقول أبو حذيفة «إن الموافقة جاءت بعد تأكيد أنه فور سريان مفعول وقف إطلاق النار سيتم فوراً نقل الجرحى والمصابين من مدنيين وعسكريين والذين يبلغ عددهم 350 جريحاً (بينهم 150 مقاتلاً و200 مدني غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ) للمعالجة دون تسليمهم للسلطات السورية».

إلا أنه بحسب أبو حذيفة فقد جاءت موافقة علوش والمجلس العسكري على اتفاق الهدنة على مضض وبتحفظٍ نتيجة اقتناع علوش أن الانسحاب من الزبداني «يعني إقرارنا بمبدأ التقسيم وإعادة التوزيع الطائفي، باعتبار أن الاتفاق ينص على استقدام سكان بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين، مقابل خروج المقاتلين وذويهم من الزبداني إلى إدلب، عبر الطريق الرئيسية وهذا ما لم يوافق عليه النظام حتى اللحظة، وهو ما هدد الاتفاق الذي يمر بمرحلتين، الأولى معنية بوقف إطلاق النار الذي يبدأ فوراً بعد توقيع الاتفاق في (الجنوب) الزبداني ومضايا وبقين وسرغايا والقطع العسكرية المحيطة بها، وفي (الشمال)، الفوعة، كفريا، بنش، تفتناز، طعوم، معرة مصرين، مدينة إدلب، رام حمدان، زردنا، شلخ، على أن تعمل الحكومة الإيرانية مع الحكومة اللبنانية على تسوية أوضاع 50 عائلة من الزبداني نزحت إلى لبنان ودخلت إليه بطريقة غير شرعية فيتم نقلهم إلى تركيا بالتزامن مع نقل الجرحى من كفريا والفوعة ومن الزبداني للمعالجة. أما بخصوص إطلاق سراح معتقلات من السجون السورية، فقد رفض النظام باعتباره غير معني بالاتفاق».

ووفق دوائر متابِعة للاتفاق فإن البند الأهم بالنسبة لفريق «حزب الله» وإيران هو خروج المسلحين من بلدة الزبداني بالسلاح الفردي الخفيف مع الجعب وحقيبة كتف واحدة (لا تحتوي سلاحاً أو ذخائر)، على أن يتم تدمير السلاح الثقيل في منطقة الزبداني.

ويقول «ابو حذيفة» إن المقاتلين «لا ثقة لديهم بالنظام ما لم يحصلوا على تعهد من الأمم المتحدة بتغطية انسحابهم عبر الطريق الرئيسية وليس عبر الجبال، ولن يخرج أحد ما لم تأتِ الموافقة الخطية وبتعهد من الأمم المتحدة».

ورجّح «أن تكون القيادة السورية تعمّدت التنصل من اتفاق الإفراج عن المعتقلات والمراوغة مع مندوب الامم المتحدة وعدم إعطائه ضمانات بسلامة موكب المقاتلين أثناء خروجهم وعائلاتهم من الزبداني، وهو ما تسبب بتهديد المندوب بالانسحاب من المفاوضات، وذلك كي لا تقع على النظام مسؤولية ضمان سلامة المقاتلين وعائلاتهم».

وأضاف أبو حذيفة: «هناك مقاتلون لا يريدون الانسحاب، ما جعلهم ينضمون إلى جبهة مضايا، بقيادة قائد المجلس العسكري فيها أبو عبد الرحمن، الذي يشكل عديد فرقته 200 مقاتل، ومن المرجح أن يصبح العدد نحو 500 كون غالبية مقاتلي الزبداني يريدون البقاء ويرفضون تسليم بلداتهم إلى الإيراني و«حزب الله».

وشكّل رفض أبو عبد الرحمن الخروج من مضايا عقدة للإيراني والنظام الذين يعتبرون أن «الموافقة على هكذا اتفاق تعني الموافقة على التقسيم وضم منطقة الزبداني إلى الهلال الشيعي الذي تريده إيران بدءاً من الساحل السوري مروراً بحمص والقصير وريف دمشق حتى العاصمة، ولذا مازالت قرى سرغايا ومضايا وبقين تعاني الحصار بشتى أنواعه، وحتى الجرحى لم يتم نقلهم للمعالجة، وجرى نقل جريحين إلى لبنان بعدما سلمنا (حزب الله) جثثاً، وهذا من خارج الاتفاق».