قصة تائب
| جاسم الراشد العبود |
1 يناير 1970
07:55 ص
حكى لي أحد التائبين ما كان عليه أثناء تعاطيه للمخدرات و ما هو عليه الآن بعد التوبة ، و يروي التائب قصته ومشاعره في لحظة صدق مع الذات يقول : أثناء الإدمان كانت أحوالي لا أستطيع وصفها كاملة لأنها مؤلمة جدا لي ولأسرتي الذين لم يشعروا بطعم الأبوة الذي يجب أن يتحلى به كل أب في هذه الحياة ، كنت بالنسبة لهم أبا مزاجيا إن جاز التعبير فقد كنت غائبا عنهم جسداً وعقلاً، و حتى إذا كنت موجودا بجسدي فليس لهم إلا الضرب في حالة عدم حصولي على المادة المخدرة، و إذا كنت مخدرا فإنني غائب العقل و أشياء كثيرة لا استطيع حصرها ، أما علاقتي مع زوجتي أثناء الإدمان فكانت أسوأ من السوء نفسه فكل زوجة تحلم بزوج يعوضها كل شيء فقدته قبل الزواج، و لكن حطمت كل شيء في هذه الزوجة ، فكانت لا ترى مني إلا الهجر و اللامبالاة وعدم الاهتمام بأي شيء يخصها و يخص الأسرة ، فالزوجة تحتاج إلى الإشباع العاطفي و المعنوي و المادي و الجنسي أيضا،وكل هذه الأشياء لم تجدها متوافرة عوضا عن ذلك الفضيحة أمام الأهل والأقارب التي سببتها لها ، وكان وضعي الوظيفي سيئا للغاية ، فكنت في البداية أذهب إلى الدوام وأنا متعاط ولا أبالي بالقوانين التي تخص العمل ، وكنت كثير الغياب و المشاجرات مع المسؤولين وحرماني من الحوافز التي لولا الإدمان لكانت الحال أحسن من الحال التي أنا عليها الآن ، ابتعد عني زملائي حرصا على سمعتهم ، أما وضعي النفسي فكان يزداد سوءاً يوما بعد يوم بسبب التعاطي و الاكتئاب الشديد الذي يلفني من كل ناحية فقدت الثقة بنفسي و بالناس و أصبحت أرى الحياة من نافذة مظلمة كئيبة ، هجرت قلبي السعادة و تحولت نفسيتي حلبة لمصارعة الأحزان و الكوابيس ، و أصبحت إنسانا محطما تماما عبدا للمخدرات .
أما الآن، ولله الحمد، بعد التوبة تغير كل شيء في حياتي و حياة أسرتي و أصبح للحياة طعم آخر، و أصبحت أمارس الأبوة وأشعر بها وأنا طبيعي ، حقيقة إذا صلح رب الأسرة تصلح الأسرة كلها بإذن الله تعالى فخروج أولادي معي إلى المسجد و إلى السوق وكل مكان أعطاهم الحنان الذي فقدوه في السنوات الماضية ، أما علاقتي بزوجتي بعد الإقلاع عن المخدرات ،فقد عادت البسمة و الكلمة الطيبة التي فقدتها كثيراً ، وكانت سعادة زوجتي لا توصف ، ونشكر الله دائما على رجوعي تائبا ، لقد تغيرت حياتي وعادت لي الثقة بنفسي من جديد و رزقني الله تعالى بعمل وذللت الصعاب التي كانت في الماضي، وتحسنت نفسيتي ،ولله الحمد ،فلقد ذهب الحزن و الغم ، وأصبحت إنسانا طبيعيا أمارس حياتي بكل هدوء وسكينة ، يكفيني انه إذا حصلت لي مشكلة أواجهها من دون اللجوء إلى التعاطي و الهروب من الواقع ،وأشكر الله عزّ وجلّ في كل وقت وكل مَنْ وقف معي ، وأسأل الله دائما أن يثبتني على طاعته و يهدي إخواني الذين ما زالوا في هذا الطريق المدمر .
* ناشط في مجال التوعية بأضرار المخدرات