إثر نوبة قلبية دهمته بينما كان يقود سيارته في المنصورية تاركاً خلفه 50 عاماً من الإبداع الدرامي والمسرحي

عبد الأمير التركي... ودَّع قلمه ورحل

1 يناير 1970 09:49 م
•حياة الفهد: مبدع أصيل نسج أعماله في تأنٍّ شديد

• سعد الفرج: كان جزءاً مني ومؤسساً للحركة المسرحية

• محمد جابر: سيظل حاضراً بإبداعه في قلوب محبيه

• جاسم النبهان: آخر الكتّاب المخضرمين... وجسّد هموم الناس

• طارق العلي: أثرى الفن... وأعطى بحب وإخلاص

• دعيج الخليفة: كان صديقاً لوالدي... واستفدتُ منه كثيراً
عبدالأمير التركي ألقى بقلمه... ورحل!

فقد اجتاحت الساحةَ الفنيةَ موجة من الحزن إثر وفاة الكاتب المبدع عبد الأمير التركي، الذي وافته المنية قبيل ظُهر أمس، بينما كان يقود سيارته في منطقة المنصورية، ليخلِّف وراءه حالة من الصدمة اكتنفت رفاق دربه من الفنانين، كما ألقت بغلالتها على الكثيرين من محبي أعماله الدرامية والمسرحية المتميزة التي قضى في إبداعها نحو خمسين عاماً من عمره الذي ناهز السبعين.

وتسابق الفنانون الكبار من رفاق درب عبد الأمير التركي، للإعراب عن صدمتهم وحزنهم لرحيل مؤلف «درب الزلق»، أشهر مسلسل خليجي، إلى جانب قائمة طويلة من الأعمال الشهيرة (التي يعرفها الجمهور ويحفظها)، إلى جانب كثير من الأعمال التي لم تجد طريقها للعرض لأسباب رقابية أو غيرها!

وكان المبدع الراحل أُخضع لعملية جراحية في القولون قبل بضعة أشهر في العاصمة البريطانية لندن، وكللت بالنجاح، وبينما كان يتعافى في فترة نقاهته، باغته الموت خلف مقود سيارته، تاركاً خلفه صدمة وحزناً اكتنفا الساحة الفنية، والجماهير التي أحبت في الراحل الكبير كاتباً شديد المراس، لا يخشى المواجهة، مشغولاً بقضايا وطنه، على مدى 50 عاماً من صنوف الإبداع الدرامي.



تُوفي المبدع الراحل عبدالأمير عبدالصمد تركي حسن التركي، عن 70 عاماً قضى منها 50 عاماً ممتطياً صهوة الإبداع كتابةً وتأليفاً وإخراجاً، والتركي الذي وُلد في العام 1945، حاصل على الماجستير في العلوم السياسية من بريطانيا، وكان يجمع بين كونه مستشاراً إعلامياً وصديقاً شخصياً لوكيل وزارة الإعلام السابق الشيخ فيصل المالك الصباح.

بدأ التركي حياته الفنية في الإذاعة سنة 1965 عندما كتب البرنامج الإذاعي «نافذة على التاريخ»، قبل أن يكتب نص فيلم «العاصفة» من بطولة عبدالحسين عبدالرضا والراحل خالد النفيسي.

ظل التركي على الدوام كاتباً شديد البأس وصعب المراس، ما جعل من أعماله الإبداعية مصدر إزعاج لأجهزة الرقابة وغيرها، وعلى الرغم من أن كتاباته ملأت وجدان غالبية الكويتيين، فإن مسيرته لم تكن تخلو من كثيرين حاربوه، وحاولوا النيل من كتاباته، لكنهم لم يزيدوها إلا رسوخاً في وجدان الكويت، فقد مُنعت الكثير من أعماله، وآخرها عمله التلفزيوني «الاعتراف»، كما مُنعت له من قبل مسرحية تحمل عنوان «قبل لا يكبر طيره» كان من المفترض أن يقوم ببطولتها الراحل خالد النفيسي... وهو كاتب مسلسل «درب الزلق» أشهر مسلسل خليجي على الإطلاق.

شارك الراحل التركي الفنان الكبير سعد الفرج في تأسيس المسرح الكوميدي الكويتي، وقدما أعمالاً تميزت بقوة الطرح وجرأة الإبداع، ولم تشغله الدراما بأنواعها عن الهم السياسي للكويت الوطن، فرشح نفسه غير مرة لمجلس الأمة، لكنه لم يحالفه الحظ، فظل مهموماً بقضايا وطنه من خارج المجلس، متخذاً من الصحافة منبراً لارائه وطروحاته التي دأب على إطلاقها في مقالات يومية في صحف عدة منها السياسة والشاهد، كما يُذكر أن التركي - رحمه الله - قام بزيارة لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (حفظه الله)، وأهدى سموه كتاباً من تأليفه.

مسيرة حافلة

ترك المبدع الفقيد خلفه مسيرة إبداعية حافلة بالأعمال التي ستبقى خالدة ليس في سجل الصناعة الدرامية الكويتية فقط، بل الخليجية والعربية أيضاً، ومن أهم أعماله: «نافذة على التاريخ» برنامج إذاعي (1965)، الفيلم الروائي «العاصفة» (1965) بطولة العملاق عبد الحسين عبدالرضا والراحل خالد النفيسي، ومسرحيات «عائلة بو صعرورة» (1969)، و«حط الطير طار الطير» (1971) بطولة سعد الفرج وعبدالحسين عبدالرضا، و«هاللو دوللي» (1974) بطولة عبدالحسين عبدالرضا و شويكار وغانم الصالح والراحل علي المفيدي، ثم المسلسل الشهير «درب الزلق» (1977) بطولة عبدالحسين عبدالرضا وخالد النفيسي و سعد الفرج، تلتها مسرحيات «ممثل الشعب» (1979) بطولة خالد النفيسي و سعد الفرج وغانم الصالح ومريم الصالح، و«حرم سعادة الوزير» بعدها بعام واحد، بطولة الفرج والنفيسي والقديرة حياة الفهد وغانم الصالح، و«دقت الساعة» عقب مرور 3 أعوام، بطولة الراحل النفيسي والفرج (الذي شاركه في التأليف)، والراحل عبدالعزيز النمش و محمد المنصور وميعاد عواد، ثم «حامي الديار» (1986)، بطولة النفيسي والفرج (وقد شاركه في التأليف) وجاسم النبهان والراحل علي المفيدي، و«هذا سيفوه» بعد عامين، بطولة عبدالرضا والنفيسي والفرج (الذي شاركه تأليفاً وإخراجاً) وإبراهيم الصلال والراحل محمد السريع، إلى جانب داود حسين، وأخيراً كتب «مضارب بني نفط» (1990) بمشاركة سعد الفرج الذي قام ببطولتها مع هيفاء عادل وغانم الصالح وجاسم النبهان.

وإذا كان الراحل عبدالأمير التركي ترك هذه الأعمال الشهيرة التي بقيت في عقول الجماهير، فإن سجل أعماله تضمن قائمة أخرى «موازيةً» تحتوي على إنجازاته الإبداعية التي لم تجد حظها للعرض على الناس، ومن بينها: مسرحية «سيفوه في المحكمة» (لم تُعرض على الرقابة) وهي قبل الغزو وجاءت بعد مسرحية «هذا سيفوه»، وأيضاً مسرحية «قبل لا يكبر طيره» سنة 93 التي وافقت عليها الرقابة ولكن لم توافق على عرضها، ومسلسل «الاعتراف» (2002) الذي وافقت عليه الرقابة لكنها عادت فمنعته من العرض، بعدما تم تصويره، وهو من 3 أجزاء، كما ترك نصاً مكتملاً بعنوان «حسينوه وفؤاد باشا»، وقد وافقت عليه الرقابة، وربما يتخذ طريقه للعرض في المستقبل القريب.

رفقاء الدرب أبَّنوا الفارس الراحل

ألقت وفاة المبدع الراحل بظلالها الحزينة على الوسط الفني، خصوصاً رفاق دربه الذين أعربوا لـ «الراي» عن صدمتهم لفقدان التركي، معتبرين رحيله خسارة للفن في الخليج قاطبةً، فقد استهلت الفنانة الكبيرة حياة الفهد حديثها معبرة عن تأثرها الشديد، وأضافت بنبرة يلفها الحزن: «الله يرحمه... هذا درب الكل ماشيه، والله يثبته عند السؤال، وهو كاتب أصيل يتميز بالفكر النظيف والثقافة الواسعة، كتب عدداً من الأعمال الجميلة، أكثرها سياسية».

وتابعت: «بالنسبة إليّ، عملت معه عملاً واحداً فقط، من خلال مسرحية (حرم سعادة الوزير) ككاتب مع سعد الفرج، وهو مخرج المسرحية، وهذا العمل أحدث ضجة، وحتى اليوم لا يزال الناس يتابعونه كأنه يُعرَض للمرة الأولى»، مشيرةً إلى «أن المرحوم كان ينسج أعماله في تأنٍّ شديد ودقيق جداً، وكان مزاجياً في عمله»، وداعيةً الله «أن يرحمه، ويجعل مثواه الجنة».

بدوره قال الفنان القدير سعد الفرج: «كان التركي جزءاً مني وكنتُ جزءَه الآخر»، كاشفاً عن حزنه العميق وأسفه الشديد «لرحيل الكاتب المسرحي الكبير عبد الأمير التركي»، ومبيناً «أن الساحة الفنية الكويتية تتشح بالسواد والأسى لفقدانها رائداً من أبرز روادها، وواحداً من مؤسسي الحركة المسرحية في الكويت».

الفرج واصل - في تصريحه إلى «الراي»: «إن التركي كانت تربطني به روابط أخوية، وتجمعنا شراكة فنية، على مدى عقود مضت»، مضيفاً: «كان المبدع الفقيد نعم الأخ ونعم الصديق، ونعم الكاتب الصادق، والإنسان الوفي والمتواضع»، ومتابعاً: «إن رحيله عن الدنيا خسارة كبيرة لنا كفنانين ولأهله ولمحبيه، ولكننا نسأل الله أن يغفر له ويتغمده بواسع رحمته وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان».

في السياق ذاته أعرب الفنان محمد جابر عن حزنه لوفاة التركي، مبيناً «أنه غاب عن الحياة، لكنه سيظل حاضراً في قلوب محبيه»، ومكملاً: «الخبر صدمني وأذهلني»، ومتابعاً: «نبأ المصاب الأليم هبط على مسامعي كالصاعقة، خصوصا أن الراحل كان يتماثل للشفاء شيئاً فشيئاً، عقب خضوعه لعملية القولون المفتوح في العاصمة البريطانية لندن قبل أشهر، والتي تكللت بالنجاح».

وقال جابر: «قدر الله وما شاء فعل، فهم السابقون، ونحن اللاحقون»، متابعاً: «إذا كان الموت غيّب عبد الأمير التركي عن الحياة، فسوف يبقى حاضراً في قلوب محبيه، وخالداً في ذاكرة الفن الكويتي، وكيف لا، وهو الذي ترك إرثاً فنياً لا يقدَّر بثمن، وغرس البهجة والمحبة في نفوس الجماهير».

من زاويته بدأ الفنان جاسم النبهان حديثه قائلاً: «رحمك الله يا آخر الكتّاب المخضرمين»، كاشفاً عن الصداقة المتينة التي جمعته برفيق دربه الراحل، ومبيناً: «كان التركي بمنزلة الأخ والعضيد بالنسبة إليّ، وكان آخر لقاء بيننا في العاصمة البريطانية لندن، حيث زرته في المستشفى واطمأننت على حالته التي كانت تتحسن وقتذاك».

النبهان واصل: «كان خير من جسد هموم الناس، وكتب العديد من الأعمال المسرحية، السياسية منها والاجتماعية، ولاسيما مسرحيتا (حامي الديار) و(مضارب بني نفط)، وغيرهما من الأعمال التي لامست مشاعر المواطن»، مختتماً حديثه بالقول: «رحمك الله أيها الصديق المبدع».

في الأثناء ذاتها تحدث الفنان طارق العلي باسمه ونيابةً عن نقابة الفنانين والإعلاميين في الكويت بقوله: «إنا لله وإنا إليه راجعون... رحل كاتب فذ في مجال عمله، راعي قلم جميل، ويخط أفكاره بحرفية بالغة، والدليل أن أعماله خالدة وظلت سنوات طوالاً، ومن أبرزها مسلسل (درب الزلق)»، مواصلاً: «الله يرحمه... وباسم نقابة الفنانين والإعلاميين نعزي أهله ومحبيه... والله يجعل داره خيراً من هذي الدار، ويسكنه فسيح جناته»، ومتابعاً: «إن منبع حزننا أن الراحل أحد الذين أثروا الساحة الفنية، وأعطوا ما لديهم بحب وإخلاص، لنقتدي بهم».

في هذا الإطار قال الشاعر الشيخ دعيج الخليفة الصباح: «رحمة الله على الراحل المبدع عبد الأمير التركي الذي توفاه الله في شهر محرم الكريم»، كاشفاً: «كان الراحل صديقاً لوالدي، ما أتاح لي أن أتعلم منه الكثير، خاصة في بداياتي من خلال مقدمة مسلسل (سليمان الطيب) في العام 1993، فكنت دائما أستشيره»، ومضيفاً: «يُعتبر الراحل المبدع من زوار والدي في قصر دسمان، وآخر مرة شاهدته قبل شهرين في البحرين، فقد كان مقيماً هناك بصورة شبه دائمة، ولن ننسى فضله على الحركة الفنية في الكويت والخليج، ومسلسله الشهير (درب الزلق) الذي ترك بصمة واضحة في الدراما الكويتية، والخليجية والعربية كذلك».

وختم الخليفة حديثه بالدعاء: «رحمك الله يا عبد الأمير التركي... ستبقى روحاً مبدعةً لن ننساها مدى الدهر».


«كن منافقاً... لتنال الرضا»



مثل أعماله، كان التركي مفعماً بالغضب والألم والحسرة من الأوضاع الخاطئة في الديرة، إذ كان يرى أن الفنان حتى يكون مرموقاً ويلقى التقدير في الكويت، فإنه يتعيّن عليه أن يكون منافقاً من الطراز الأول، وأن يكون «باش كاتب» يفعل ما يريدون، وليس ما يريده هو، وربما يكون بذلك مرضياً عليه وقد يصل عندهم إلى ما هو أكبر من مكان مرموق، بدليل أن هناك كثيرين حازوا مناصب لا يستحقونها.

وعبّر التركي في حواره الأخير مع «الراي» عن الأسف أن النظرة إلى الفنان تتصف بالدونية، بالقول: «انظر إلى معظم دول العالم، تجد أن الفنانين مكرمون بأوسمة ويتلقون الكثير من التقدير، أما هنا فلا يجد الفنان حتى (ميدالية تنك)، هل تدهش إذا أخبرتُك بأننا مكرَّمون في الدول الأخرى أكثر من الكويت!».

وواصل: «لا يوجد ضمان، لا صحي ولا اجتماعي، بالرغم مما يقال من أن حضارات الدول تقاس بعنايتها بالفن والفنانين، فعندنا لا يوجد شيء، والبرهان ليس بعيداً، فانظر إلى حالتي الصحية التي تتطلب علاجي في الخارج، يجعلونني أواجه المذلة حتى أنتظر موافقة، بينما غيري لم يفعل شيئاً للبلد وتاريخه أسود، تخصص له طائرة مع أهله حتى يعالج في الخارج».

«هذا سيفوه» ... و«نهيتك يا مروان»



كان التركي يعد مسلسل «هذا سيفوه» الذي تم توقيفه مسرحياً وأعاد كتابته كمسلسل، مشيراً إلى أن التصوير والعرض سيكون في الخارج، «لأننا في الكويت الحرية والديموقراطية مجرد اسم، ولكن لدينا رقابة بشعة، ولا أحتاج بعد هذا العمر طفلاً من وزارة الإعلام يراجع ما أكتبه. أنا لدي رقابة ذاتية، أعرف الذي يصلح والذي لا يصلح، وأنا دوماً أقف على الحياد لمصلحة بلدي».

وأشار وقتها لـ«الراي» إلى «أن التيمة الرئيسية للمسلسل هي أن الحرب على الفساد أكذوبة، ومضيعة للوقت ومضيعة للمتبقي من المال العام، نحن نضحك على بعض حين نأتي بوزير سرق الدولة وتجعله بعد ذلك مستشاراً، وما زال يسرق باسم اللجان الخيرية، وهناك من سرق الكهرباء وأعدكم ستجدونه غداً رئيس المشاريع الكبرى في البلد».

كما كان يجهز لعمل مسرحي يحمل عنوان «نهيتك يا مروان»، وقال: «أتتني عروض خليجية على تقديم هذا العمل، وقالوا لي (مستعدون أن نحمل جمهور الكويت بطائرات حتى يحضروا إلى المسرح لدينا)، ورفضت وقلت لهم العرض الثاني لكم بينما الأول في الكويت، لأني ما أنتقد بلدي خارج الكويت، وأنتقد بحسن نية منتظراً الإصلاح».

أول مسرح كوميدي قطاع خاص



كان عبد الأمير التركي صاحب أول مسرح قطاع خاص كوميدي، وكان أول عرض في هذا المسرح «هالو دولي»، أول مسرحية تم تسجيلها بالألوان، وقدم من خلاله «حرم سعادة الوزير»، «ممثل الشعب»، «دقت الساعة»، «حامي الديار»، «مضارب بني نفط» و«هذا سيفوه» التي تم توقيفها ولم تُصوّر، بينما «مضارب بني نفط» سُرقت في الغزو.