«14 آذار» تعاني بلبلة و «8 آذار» تستقوي بالعضلات الروسية
عجْزٌ لبناني متمادٍ عن الخروج من... الحفرة
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
10:55 م
لم يبدّد مشهد مجلس النواب اللبناني منعقداً امس للمرة الاولى منذ مدة طويلة الخلفية الصعبة والشديدة التعقيد للأزمة السياسية والدستورية الآخذة بالتصاعد في لبنان، على نحوٍ باتت تُطرح معه تساؤلات جدية، عما اذا كان ممكناً تمرير ما تبقّى من السنة الحالية في الحكومة قبل انهيارها.
ذلك ان الجلسة النيابية العامة لم تكن أكثر من استعادة واقعٍ شكلي يتّصل بافتتاح العقد الثاني العادي لمجلس النواب وفق الدستور والنظام الداخلي للبرلمان، ولم يتعدّ الأمر إعادة انتخاب هيكلية المجلس من هيئة مكتبه واللجان النيابية. وتبعاً لذلك، حضرت كل الكتل النيابية الجلسة ولم يقاطعها احد على قاعدة إبقاء القديم على قدمه اي استمرار الستاتيكو النيابي موزَّعاً على رئاسات اللجان بين مختلف الكتل، من دون تعديلات في التوازنات لئلا تُفتح إشكاليات خلافية جديدة تساهم في زيادة التعقيدات السياسية.
أما في الشقّ الجوهري المتصل بموضوع استعادة البرلمان وظيفته التشريعية، فإن الامر لا يبدو قابلاً لأيّ تبديل لان المسار الذي عطّل العمل التشريعي للبرلمان يزداد صعوبة لارتباطه بالأزمة السياسية الكبيرة التي حالت دون انتخاب رئيس للجمهورية منذ 17 شهراً، كما عطّلت عمل مجلس الوزراء وتنذر بازدياد التعقيد تباعاً.
وفي ظل هذا المشهد، أعربت أوساط نيابية مستقلة عن فريقيْ 8 آذار و14 آذار لـ «الراي» عن اعتقادها ان الأزمة سائرة نحو ما يمكن وصفه بـ «الاستنقاع الواسع» الذي يزجّ بالواقع السياسي الداخلي في هوة لا خروج منها الى الأمام ولا رجوع معها الى الوراء. اذ انه على اختلاف واقع المشكلات التي يعانيها كل من أفرقاء الصراع الداخلي، فان المفارقة اللافتة التي واكبت تطورات الأيام الأخيرة تكشف ان لا قدرة لأيّ من فريقيْ 8 آذار و 14 آذار تحديداً على إحداث اي أمر واقع من شأنه الخروج من الحفرة، الأمر الذي يؤثر بقوّة على الحكومة أكثر من اي أمر آخر.
وأشارت المصادر الى ان فريق 14 آذار يبدو متخبطاً تحت وطأة تفكك أطرافه وعدم وجود استراتيجية واضحة لديهم لمواجهة مسار التعطيل الذي يتبعه الفريق الآخر. ولم تكن البلبلة الواسعة التي اتسمت بها خطوة وزير الداخلية نهاد المشنوق بالتلويح باستقالة وزراء «تيار المستقبل» من الحكومة، والانسحاب من الحوار مع «حزب الله»، سوى نموذج على هذا التخبّط الذي سرعان ما انكشف في التناقضات التي أثارها والتي طَرحت واقع التيار وما آل اليه في ظل غياب مديد للرئيس سعد الحريري عن البلاد.
حتى ان المصادر اعتبرت ان الخطوة هذه قدّمت خدمة مجانية لخصوم «المستقبل»، ولا سيما منهم «حزب الله»، لانها مكّنته من الرد بقوة على خطوة تبين انها لم تكن منسّقة بالمقدار الكافي بين افرقاء البيت الواحد. ولفتت في هذا السياق، الى ان ترددات الخطوة انعكست سلباً على رئيس الحكومة تمام سلام الذي كان يحتفظ بورقة التلويح بالاستقالة في وجه المعطّلين للحكومة، فاذا به امام واقع معنوي سيئ من خلال انتزاع الحليف الأوثق له لهذه الورقة منه.
مع ذلك تقول المصادر ان واقع فريق 8 آذار ليس افضل ابداً من واقع خصومه ولو استفاد تكتيكياً من لحظة اهتزاز عابرة. فرئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بلغ ذروة سقوفه في تعطيل الحكومة بعدما مُني بضربة موجعة، جراء سقوط تسوية الترقيات العسكرية وخروج صهره العميد شامل روكز من الجيش، ولم يعد يملك اي ورقة اضافية مهما حاول التعويض بمواقف إعلامية لا تُصرف في السياسة. وحليفه «حزب الله» أفصح بوضوح انه لا يريد إسقاط الحكومة، واضعاً بذلك خطاً أحمر متجدداً للتعطيل يقف عند حدود منْع انهيار الحكومة.
وتبعاً لذلك، فان فريق 8 آذار يبدو أسير الانتظار الطويل للتطورات الميدانية الجارية في سورية والتي ينخرط فيها «حزب الله» اكثر من اي وقت سابق، مراهناً على التدخل الروسي لإحداث ميزان قوى جديد في المنطقة. وفي ظل كل هذه المعطيات يبدو من نافل القول ان الواقع في لبنان سيقف طويلاً عند خط الانتظار مع كل ما يعنيه ذلك من أكلاف وتبعات وازدياد في الاستنزاف الاقتصادي والاجتماعي.
ولكن رغم ذلك تجزم المصادر ان الحكومة لن تنهار وستبقى محاصَرة بالستاتيكو الحالي كما ان العودة الى مسالك الحوار لن تنقطع مهما تأثرت بموجات الاحتدام بين الحين والآخر.