الموت يغيّب الروائي المصري عن 70 عاماً حافلة بالمعارك الثقافية
رحيل جمال الغيطاني... حارس «القاهرة المملوكية» وصاحب «الزيني بركات»
| القاهرة - من إسلام أنور وتامر الدريدي |
1 يناير 1970
12:55 ص
• الراحل تمنّى أن يولد من جديد في ظروف مُغايرة ... مزوّداً بمعارف اكتسبها من وجوده «الموشك على النفاد»
لملم الروائي المصري جمال الغيطاني، وأحد كتاب «الراي» عبر سنوات طوال، أوراقه ودفاتره ورحل، في ساعة مبكرة من صباح أمس، في مستشفى الجلاء العسكري، شرق القاهرة، عن عمر يناهز الـ 70 عاما، وقد عانى من غيبوبة مرضية دخلها إثر ذبحة صدرية أصابته قبل أسابيع.
طول فترة المرض جعل من محبي الغيطاني يتوقعون شفاءه، وينتظرون أن يخرج عليهم حارس «القاهرة المملوكية» التي أفرد لها حيّزاً كبيراً من أدبه، وأحد أكبر كتاب الرواية العربية ليحكي لهم حكايات تلك المباني والشوارع، لكنه ذهب ليسكن في مقابر أسرته إلى جوار هؤلاء «الأمراء والسلاطين»، حيث شيع، بعد عصر أمس، من مسجد السيدة نفيسة في منطقة مصر القديمة.
الغيطاني الذي كان يدرك أننا في حالة سفر دائم، وأن السفر نوعان، الأول سفر في المكان والآخر سفر في الذات، وأنه قد وصل لمرحلة السفر في الذات، أعلن عن أمنيته المستحلية، وقال قبل رحيله، وقبل أن يدخل غيبوبة المرض والفراق: «أمنيتي المستحيلة أن أمنح فرصة أخرى للعيش، أن أولد من جديد ولكن في ظروف مُغايرة، أجيء مزودا بتلك المعارف التي اكتسبتها من وجودي الأول والموشك على النفاد...».
وكان الغيطاني صاحب «الزيني بركات»، يرى أن انصلاح الحال في الثقافة لن يأتي إلا بانصلاح حال القائمين عليها لذا ظل في معركة طويلة مع وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني، واعتقد أن الحال قد تغير بعد 25 يناير لكنه اصطدم بالواقع، وعن ذلك قال: «مشكلة الثقافة في العقلية القائمة عليها والتي تديرها، وللأسف كان بينهم مثقفون مستنيرون وقع عليهم الاختيار لإدارة المؤسسة الثقافية بعد ثورة 25 يناير، أبرزهم جابر عصفور الذي التف حوله المثقفون، وكنت أولهم، لكني سرعان ما انسحبت عندما بدأت أرى ضرره».
ولد الغيطاني في التاسع من مايو 1945 في قرية «جهينة» إحدى قرى محافظة سوهاج، ثم انتقل مع أسرته للعيش في القاهرة القديمة وبالتحديد في الجمالية ليعيش بها ما يقرب من ثلاثين عاما، أثرت في تكوينه الفكري حيث التراث والمكتبات التي أتاحت له الاطلاع وقراءة الكتب، وهو في سن صغيرة، وكان أول كتاب قرأه محفورا في ذهنه كتاب «البؤساء».
وبعدما أتم تعليمه الابتدائي ثم الإعدادي، التحق بمدرسة الفنون والصنائع بالعباسية، بالقرب من وسط القاهرة، في العام 1959 ليقضي بها ثلاث سنوات، ثم ليعمل بعد تخرجه فيها في المؤسسة العامة للتعاون والإنتاج رساما للسجاد الشرقي حتى عام 1965، بعدها في العام نفسه تشاء له الأقدار أن يتعرف على محمود أمين العالم المفكر الماركسي المعروف، والذي كان يعمل وقتها رئيسا لمؤسسة أخبار اليوم ورشحه للعمل معه في الصحافة، إلا أنه تعرض للاعتقال بتهمة الانتماء لتنظيم ماركسي وقضى بالمعتقل ستة أشهر ليفرج عنه في مارس عام 1967، لم يعرف اليأس إليه طريقا فبعد خروجه من المعتقل عمل مديرا للجمعية التعاونية لصناع وفناني خان الخليلي.
ثم انتقل بعدها ليعمل بالصحافة كمحرر عسكري بجبهة القتال بين مصر وإسرائيل، فكان شاهدا على حرب الاستنزاف عام 1969 وحرب أكتوبر 1973.
وبعد أحد عشر عاما في عام 1985 تمت ترقيته ليصبح رئيسا لقسم الأدب بأخبار اليوم، ثم رئيسا لتحرير كتاب اليوم السلسلة الشهرية الشعبية، وأخيرا رئيسا لتحرير «أخبار الأدب» منذ إصدارها عام 1993، ثم كان التقاعد.
وكما تعود الغيطاني فهو ظل يحارب ضد الفساد، فنشر قبل مرضه مقالا عن عنصرية القاهرة في تصنيف المثقفين، ليدافع فيه عن الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة الدكتور محمد أبوالفضل بدران، وغيره من مثقفي الأقاليم الذين يعانون نظرة دونية من مثقفي القاهرة.