خطباء عاشوراء يستحضرون دروس الثورة الحسينية: التمسك بالوحدة الوطنية ومقاومة الفكر المنحرف

1 يناير 1970 08:02 م
• اليعقوبي: الإفساد الفكري آفة العصر... ورسالات الأنبياء صانت العقل من الخرافات
واصلت الحسينيات لليلة الرابعة إحياء ذكرى عاشوراء، واستشهاد سبط رسول الله الإمام الحسين بن علي في موقعة كربلاء، واستحضر الخطباء الدروس والعبر من الثورة الحسينية، مشددين على ضرورة نبذ العنف والتمسك بالوحدة الوطنية، باعتبارها الحصن الحصين لإفشال مخططات العدو، منوهين إلى ان الإمام الحسين إمام لكل المسلمين، وليس حكراً على فئة دون الأخرى.

وفي حسينية أبا ذر الغفاري، تحدث الخطيب الحسيني حاكم اليعقوبي الليلة قبل الماضية، عن خطورة إفساد الأرض بعد إصلاحها، مبينا ان الإفساد في هذا الموضوع يتعلق بالإفساد المادي والعقائدي، مبينا ان الأرض عمرت بشرائع المولى عز وجل ورسالات الأنبياء، بدءاً بسيدنا آدم وختاماً بنبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وحذر اليعقوبي من خطورة الإفساد الفكري الذي يعتبر آفة هذا العصر، واستغلاله من قبل البعض لترويج المفاهيم الخاطئة، لافتاً إلى ان «جميع رسالات الأنبياء والرسل حرصت على صون العقل البشري من الخرافات، وحضه على توحيد الله واتباع سنن الأنبياء».

وضرب اليعقوبي مثالا بقصة السامري الذي تلاعب بعقول قوم سيدنا موسى، وقال «ان القرآن أشار في منزل تحكيمه إلى هذه الواقعة ليبين خطورة هذا التلاعب وأثره في نفوس بعض البشر»، داعيا الجميع إلى «عزل الأشخاص الذين يتلاعبون بعقول البشرية في الوقت الراهن، لأن عقول البشر ليست ألعوبة في أيدي هؤلاء المتلاعبين».

وأضاف موجها كلامه للحضور «عليكم ان تقاوموا هؤلاء المتلاعبين سواء بجهود ذاتية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو الدواوين أو بمساعدة الجهات الرسمية في الدولة»، منوها ان «مسؤولية مقاومة الفكر المنحرف مسؤولية مشتركة».

وتابع «يفترض علينا العمل على الترويج للفضيلة وأخلاق رسول الله، واستغلال وقتنا في البحث عن نقاط الإلتقاء والقواسم المشتركة بين المسلمين حتى نشجع بعضنا البعض على الوحدة والتآلف».

وقال ان «الإمام الحسين عليه السلام، كان نموذجاً رائعاً لمدرسة جده، وثباته في موقعة كربلاء وعدم تلاعبه بعقول تابعيه قبيل الموقعة خير دليل على ذلك»، مضيفا ان «الإمام كان بمقدوره ان يعد أتباعه بأحلام وردية ومناصب عليا في دولته، وان يقول لو وليت عليكم سأفعل كذا وكذا، وسأقوم بتنصيب كذا وكذا، ولكن تربية ونشأة الإمام تتنافى مع هذه الأمور، فهو كان صادقاً مع أتباعه ولم يعدهم بشيء».

وأردف ان الإمام جسد بموقفه هذا نبل هدف مدرسة النبوة، ورفض ان يتلاعب بعقول أتباعه، محذراً من «خطورة بعض العلماء، الذين يتلاعبون بعقول الناس، ويدفعونهم دفعا للقيام بعمليات تفجير وانتحار».

توحيد الصفوف



| بقلم السيد أبو القاسم الديباجي * |

إن الامام الحسين (ع) عبر عن الاسلام العملي وجسد الآية المباركة «انما المؤمنون أخوة»، خصوصا في اليوم العاشر من محرم في كربلاء عندما كان يحتضن جسد اخيه العباس (ع) ويبكي عليه وكان يحتضن جسد وضاح التركي وجون الحبشي ويبكي عليهم.

فالحسين (ع) رمز للوحدة الاسلامية والقلب الواسع الذي يجمع المسلمين عامة على المحبة والتسامح والاخوة، والروح التي يبعث الطمأنينة والاستقرار في جسد الامة الاسلامية، وتسد فيها منافذ العداوة والبغضاء والفرقة التي يتصيدها الاعداء.

لذا، من الواجب علينا أن نأخذ العبرة من نهضته وأن نأخذ عنه درس الإنسانية الأكبر، وهو الاتحاد والإخاء والوحدة والألفة والمحبة وأن نوجه خصومتنا ضد من يفرق بيننا بأي صفة ولأي غاية، فلأجل هذا ثار الحسين وفضل الموت على حياة الخنوع والاستسلام، وهذه هي حكمة التضحية وأجرها عند الله قوله سبحانه «ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون».

وقد كانت قلوب الذين شاركوا الحسين (ع) في نهضته المباركة قلوبا مؤمنة خالية من الحقد والبغض والكراهية، وإن هذا ما تحتاجه الساحة الاسلامية اليوم وبلدنا الكويت الحبيب على وجه الخصوص وذلك للقيام بالتصدي للأعداء والعمل على ارتقاء البلد ونهضته وازدهاره، إن توفير الالفة والمحبة بين المواطنين وتطبيق مبدأ الحوار يؤدي الى الامن والامان والاستقرار وهي من النعم الالهية العظيمة التي يجب على كل مواطن أن يحافظ عليها، فإن ديننا يحثنا على تأليف القلوب وتوحيد الصفوف وليس التفرقة والعداوة وهذا ما علمنا إياه الامام الحسين (ع).

فالنزاع والشقاق والاختلاف والتفرقة تؤدي بنا الى الفشل في أعمالنا وتوقفها وتورث ضعف المجتمع وتذهب عزته وقوته إذ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في محكم كتابه: «وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (الأنفال:46).

فالله سبحانه وتعالى بعث الأنبياء والرسل وأنزل معهم الكتاب ليرفع به الاختلاف ويرد الناس الى الوحدة، وقال في كتابه الكريم: «كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه» (البقرة:213) فالانسان في أقدم عهوده كان أمة واحدة لا اختلاف بينهم حتى ظهرت الاختلافات وبانت المشاجرات فبعث الله الأنبياء لاقامة الدين والدعوة الى الوحدة ونبذ التفرقة ورفع الاختلاف حيث قال تعالى: «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه»(الشورى:13).

قال الطباطبائي (ره) في تفسيره الميزان: فأول نداء قرع سمع النوع الانساني ودعا به هذا النوع إلى الاعتناء بأمر الاجتماع بجعله موضوعا مستقلا خارجا عن زاوية الاهمال وحكم التبعية هو الذي نادى به صادع الاسلام عليه أفضل الصلاة والسلام، فدعا الناس بما نزل عليه من آيات ربه إلى سعادة الحياة وطيب العيش مجتمعين قال تعالى: «وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم» (الانعام: 153) وقال: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» إلى أن قال: «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (يشير إلى حفظ المجتمع عن التفرق والانشعاب) وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات» (آل عمران:105) وقال: «إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء» (الانعام:159) إلى غير ذلك من الآيات المطلقة الداعية إلى أصل الاجتماع والاتحاد.

وقد علمنا الحسين (ع) وأصحابه المبادئ والعقائد السامية، كما علمنا أن تضحيته كانت سبباً قوياً في جمع قلوب الناس على رأي واحد في توحيد جهودهم وقواهم وصفوفهم للدفاع عن الحق أينما كان وفي كل زمان.

لذا فلنقتدي بالحسين(ع) ولنسير على خطاه ونهجه ولنحافظ على الوحدة والاتحاد والتكاتف والتعاون في ما بيننا حتى ننال السعادة في الحياة والرفاهية وطيب العيش.

* الأمين العام للهيئة العالمية للفقه الإسلامي