تخوض تجربة «One Woman Show» بمسرحية «الست بديعة»
ندى أبو فرحات لـ «الراي»: أكون بطلة ... أو لا أكون
| بيروت - من هيام بنوت |
1 يناير 1970
03:34 م
• أختار جمهوري ... وإذا لم ينتقدني «ما بتسلّى»
• في لبنان مجتمع «بياخد العقل» ... أنتمي إليه وأهلي من هذا النوع
«أكون أو لا أكون».
جملة الكاتب العالمي الشهير وليم شكسبير الخالدة، والتي رسمت مصير بطل مسرحيته الأكثر خلوداً «عطيل»، تتخذها الفنانة اللبنانية ندى أبو فرحات نبراساً في مشوارها الفني، وبالأخص في التعامل مع الدراما التلفزيونية... إذ لا خيار أمامها، فهي «إما أن تكون بطلة ومن يحيطون بها يساعدونها... وإما لا تكون».
ندى أبو فرحات، وبعد النجاح الكبير الذي حصدته في مسرحيّة «مجنون يحكي»، تعود إلى المسرح، ولكن لتقف هذه المرة وحيدة على الخشبة، على طريقة «One Woman Show»، في عمل مسرحي جديد بعنون «الست بديعة»، يحمل توقيع جيرار أفيديسيان نصاً وإخراجاً.
ولدى الحديث عن «الست بديعة»، لا تخفي أبو فرحات انبهارها بالعمل، كما بمخرجه وكاتبه «الذي يجيد الكتابة عن النساء ويعرف كيف يعبّر عن أحاسيسهن وانفعالاتهن»، وهي خَبِرته مع زميلتها رولا حمادة من خلال مسرحية «الست لميا»، وتختبره اليوم في «الست بديعة» التي ستجسّد شخصيتها، ناقلة أجواء بيروت منذ الثلاثينات وحتى اليوم.
وتنتظر أبو فرحات المبتعدة عن الشاشة الصغيرة عملاً تلفزيونياً يرضي قناعاتها كممثلة، وتستغرب عندما تُسأل «ألا تخافين أن يمرّ الوقت من دون أن تنالي فرصتك؟»، وتردّ عبر «الراي»: «لماذا لا يوجه هذا السؤال إلى الممثل الذي يطلّ بشكل دائم على الشاشة؟ ألا يخاف أن يمر الزمن من دون أن يشارك في عمل مسرحي؟»... كما تتحدث عن قضايا أخرى عديدة في سياق الحوار التالي:
• تبدين أكثر من سعيدة في عملك المسرحي الجديد «الست بديعة». كيف تتحدثين عن تفاصيله؟
- المسرحية تحمل توقيع جيرار أفيديسيان نصاً وإخراجاً، وهي ستكون «One Woman Show»، بمعنى أنني سأقف لوحدي على الخشبة، وسأجسد شخصيات نساء من مختلف الأعمار، حيث سأقدّم شخصية المرأة العجوز حيناً وشخصية الجدة أحياناً، وشخصية الطفلة في أحيان أخرى. العمل يحكي عن كل الأزمنة التي مرّت بها بيروت، منذ الثلاثينات وحتى اليوم، وتتخللها حياة هذه الشخصية التي اسمها «الست بديعة».
• وهل هناك تفاصيل تتعلق بحياتك الشخصية في هذا العمل؟
- هناك مواضيع أفكر فيها مثل غالبية المجتمع اللبناني، وهناك أشياء أخرى لها علاقة واضحة بالواقع الاجتماعي والسياسي، وأشياء أخرى لها علاقة بالسياحة.
• هل يمكن أن نقول إنك ممثلة كل الأدوار والشخصيات، وربما تكونين الوحيدة التي لا ترفض أن تجسد دور الشخصية والعجوز والأم، إذا اقتنعتْ بالدور؟
- يدخل الشكل ضمن عمل الممثل، ولا يمكنني أن أقدّم شخصية إنسانة تكون متقدّمة في السنّ مثلاً وأنا أطل بشكلي الطبيعي. الممثل عبارة عن شكل وملابس وإحساس وتعابير وحركة جسد، وكلها عناصر متكاملة. أنا أحب أن أغيّر بشكلي كممثلة.
• وجهت إليك هذا السؤال، لأن بعض الممثلات يرفضن تجسيد أدوار الأمومة أو دور المرأة القبيحة. بماذا تتميّزين عن هؤلاء الممثلات؟
- لا توجد قواعد في التمثيل سوى أن يكون الممثل حقيقياً.
• ألا تعتقدين أن الممثل الحقيقي هو الذي يمثّل كل الأدوار والشخصيات؟
- أنا لا أقدم كل الأدوار. والممثل الحقيقي هو الذي يفهم الشخصية ويخرج من ذاته من أجلها. أنا أضحي بصوتي، بنفسي، بعرق جبيني، بوقتي وبشكلي من أجل خدمة الشخصية التي ألعبها في حال كنتُ مقتنعة بها.
• وما الأدوار التي ترفضينها؟
- أرفض الأدوار التي لا نكهة لها والأدوار «البايخة» التي لا يوجد فيها بُعد درامي، لأنني لستُ في حاجة إليها.
• كيف تفسرين تركيز الدراما على الأدوار التي تتطلب شكلاً جميلاً؟
- لا أعرف... اعفيني من هذا السؤال.
• لماذا لم يغرك التلفزيون، بالرغم من أنك أكثر ممثلة لبنانية من بنات جيلك تحظى بالمديح والثناء من الممثلين العرب الذين شاركوها أعمالهم؟
- أنا أنتظر كي يصلني العمل الذي أحبه. لا شيء يشدّني من المسلسلات التي تُعرض، وأنا لست في حاجة إلى الشهرة كي أطل على التلفزيون، كما أنني لست في حاجة إلى نوعية الناس الذين يقومون بـ «zapping» عندما يشاهدون التلفزيون. أنا في حاجة إلى جمهور يفهم فنياً، وليس جمهورا يبحث عن إضاعة الوقت فقط. ما أحتاج إليه هو هذه الفئة من الجمهور ولم أعد في حاجة إلى الشعبية الكبيرة، لأنها بصراحة لا تعني لي كثيراً، بقدر ما يعني لي الجمهور الذي يقدّر ويفهم ما معنى مسرح أو تمثيل أو فن. نحن في لبنان بحاجة إلى منتجين من هذا النوع، درسوا المهنة ويعرفون أنه توجد قواعد للتمثيل والكتابة عندما يقدّمون دراما تلفزيونية، وأن هناك مواضيع لها وقتها كي تُعالج درامياً. وفي رأيي عندما يكتمل هذا «الإيكيب» (الفريق) عندها يمكن أن أدخل التلفزيون.
• ألا تخشين أن يمرّ الوقت قبل أن يتوافر مثل هذا الفريق؟
- الوقت هو الذي يخاف مني، لأنني أستفيد منه في كل لحظة. عندما لا أتواجد على الشاشة، فإن مَن يسأل عني هو جمهور التلفزيون، أما الجمهور الآخر الذي يهمني، فهو لا يسألني «وينك». أنا لا أضيّع الوقت، بل الوقت هو الذي يربحني. لماذا لا توجهين سؤالك إلى ممثل يتواجد طوال الوقت على الشاشة، وتقولين له «ألا تخاف أن يمرّ الوقت من دون أن تشارك في عمل مسرحي؟». سؤالك لا يوجَّه إلى ممثل يشتغل على نفسه، وأنا أعتقد أنك وجهت سؤالك إلى الشخص الخطأ.
• وجهتُ إليك السؤال لأنه مع مرور الوقت وريثما يتوافر الفريق الذي أشرتِ إليه، يكون العمر قد مرّ والفرص تضاءلت؟
- أنا أنال فرصتي على المسرح وفي السينما، وفرصتي في التلفزيون لم أعد في حاجة إليها. لقد «قلّعتُ» تلفزيونياً، وحصدتُ شعبية وحصلتُ على فرصتي، والأعمال التي يهمّني أن أقدّمها، أقدّمها على المسرح وفي السينما.
• هذا يعني أن الأولوية عندك هي للسينما والمسرح؟
- بل الأولوية عندي هي لكل عمل متكامل. أنا يهمني التلفزيون كما السينما والمسرح. ولكن لأنني بطلة ولا يمكنني أن أتواجد مع بطلة أخرى، إما أن أكون بطلة ومن يحيطون بي أبطال يساعدونني، وإما لا أكون. لأنه لا يمكنهم أن يختاروني لعمل ومعي اسم آخر مهم. إما اسمي وإما الاسم الثاني المهمّ، لأن كلينا مهمّ. لذلك عندما يكون هناك مهمّان لا يمكن أن تشاهدي اسمي، إذ لا يمكن الاستعانة بنجمتين في عمل واحد، إلا إذا كان المنتج والمخرج ذكيّين.
• قلتِ إن كل ما يُعرض لا يشدّك، والكل بات يشكو من النصوص المقتبسة والمستنسخة والسطحية، فهل تعاني الدراما أزمة نص؟
- لا شك أن هناك أعمالاً جيدة. وبين القصص البسيطة التي نشاهدها في الأعمال الدرامية، والقصص الأكثر عمقاً التي نشاهدها في الأعمال السورية، يلاحظ الناس الفارق الشاسع بينهما. في رمضان عُرِض عمل سوري بعنوان «غداً نلتقي» للمخرج رامي حنا، «أكل الدنيا» تمثيلاً وكتابةً وحواراً وديكوراً وفي شكل الممثلين وملابسهم العادية، والكلام نفسه ينطبق على مسلسل غادة عبد الرازق «الكابوس»، في حين أن اللبناني لا يشاهد على الشاشة المعاناة التي يعيشها المواطن اللبناني، بالرغم من أنه يعيش معاناة أصيلة يومياً، تماماً كما يعيش حياة جميلة، ولكنني لا أجد تفسيراً لماذا لا نشاهد معاناة اللبناني على الشاشة. أنا أؤمن بلبنان وأعرف أنه يوجد فيه كتّاب ومخرجون ومنتجون يتجهون رويداً رويداً في هذا الاتجاه، أي في الطريق الصحيح. الأمل موجود، لأن الممثل اللبناني يشتغل من قلبه ويضع «دم قلبه» في الحفظ والعمل على الشخصية. وبالنسبة إلى الكتّاب فإن عددهم محدود، ونحن نشاهد أعمالاً للكتّاب أنفسهم، ولكن يوجد كتّاب غيرهم يحضّرون لأعمال جديدة، وأنا متأكدة أنهم سينالون فرصتهم. كلوديا مارشليان ومنى طايع تتعبان وتمضيان وقتهما في الكتابة وتنذران حياتهما من أجل الدراما، ولكن ليس خطأ أن تصوّباها نحو مكان آخر أكثر جرأة وعمقاً وذكاءً، بطريقة تجعل المشاهد يتفاعل ويرى نفسه في الأعمال التي يشاهدها. ليس خطأ أن يتم التعامل مع كتّاب آخرين وأن تتاح أمامهم الفرص، لأنهم سيساهمون في رفْع مستوى الدراما اللبنانية.
• هل تستفزك مشاهد الثراء الفاحش في الدراما اللبنانية؟
- حتى الفقراء لا يقنعوننا بأشكالهم. الفقير لا يملك المال كي يجري بوتوكس وينفخ شفتيه ويرفع حاجبيه بـ «التاتو»، بل يكون الشكل آخر اهتماماته. يمكن أن تكون الممثلة قمةً في الجمال عندما تكون إطلالتها طبيعية. لم يعد توجد عفوية في فقر لبنان، لأننا نشاهد الشعر مسّرحاً بالسيشوار، مع أنه يفترض أن يكون شعر الفقير «منوْبر». الفتاة المرتّبة «ما بتعمل سيشوار»، بل تصفف شعرها تصفيفاً.
• بالعودة إلى مسرحية «الستّ بديعة». ماذا يعني لك كممثلة التعامل مع جيرار أفيديسيان؟
- إنها المرة الأولى التي أقف فيها على المسرح لوحدي، وهذا الأمر يرعبني كما أنه يعني لي الكثير، وهو بمثابة تحدٍّ جديد لي في هذه السنة. سبق أن قدّمتُ عملاً غنائياً راقصاً «لايف»، واليوم أخوض تجربة «One Woman Show». شاهدتُ مرتين مسرحية رولا حمادة «الست لميا» لجيرار أفيديسيان، وأحببتُها كثيراً، كما أحببتُ طريقة كتابته. أذكر أن النساء خرجن باكيات من المسرح وقلن لجيرار كيف عرفت التفاصيل التي نعيشها يومياً؟. يومها ألقيتُ التحية عليه وعانقته وشكرته على المسرحية، إلى أن اتصل بي قبل نحو 4 أشهر، وأخبرني أنه يحضّر لعمل مسرحي جديد وأنه في حاجة إلى ممثلة تقف لوحدها على الخشبة. وعندما قرأتُ النص أُغرمت به. التعامل مع جيرار يعني لي كثيراً لأنه نصف المسرحية، والمرأة هي نصف جيرار، وأنا ألعب نصف شخصية جيرار، والنصف الآخر هي بيروت.
• لا شك أنه ستكون هناك جرأة في هذا العمل كما في كل أعمالك السابقة، فهل هي جرأة شكل أم مضمون، أم كلاهما معاً؟
- توجد جرأة في العمل ونقطة على السطر. الجرأة تتضمّن كل الأشياء التي يمكن أن تخطر في بالنا، شكلاً وصوتاً وماكياجاً وكلاماً وموضوعاً وديكوراً. «ما في شي طبيعي» في هذه المسرحية، ولا شيء يمرّ فيها مرور الكرام.
• وهل أنتِ جاهزة للانتقادات، خصوصاً أن هناك مَن ينتقد جرأة الشكل والملابس ويغفل عن جرأة المضمون؟
- أنا أختار جمهوري، وإذا هو لم ينتقدني «ما بتسلى». وأنا أريده أن ينتقدني، لأنني أحب أن أجري حواراً مع شخص آخر يفهم في مهنة غير مهنته، ولذلك أبذل كل جهدي وعرقي على الخشبة لأنني أحب عالمها. أنا أحب «الفانز» وأختارهم بنفسي، ولا يهمّني «مين ما كان، يكون فانز لي... أنا بنقّيهم عالطبلية».
• لعل أكثر ما يلفت فيك هو أنك تشبهين نفسك، في الفن كما في حياتك الخاصة؟
- هذا صحيح. في حياتي الخاصة لا يمكنني أن أُقدِم على شيء إلا إذا ذهبتُ فيه نحو النهاية، ويجب أن يكون من قلبي. لا يمكنني أن أضحك على غيري لوقت طويل. أنا أحاول أن أفعل ذلك، وهذا ضروري، ولكنني لا أستطيع الدخول في الألاعيب. ربما لو كنتُ بـ «كاراكتير» آخر أو شخص آخر، لكنتُ «دعستُ وكذبتُ واحتلتُ على غيري» وربما كنتُ إنسانة سخيفة وأدواري سخيفة. في حياتي، أحبّ أن أذهب بالأمور حتى النهاية، وربما يكون هذا خطأً أو صحيحاً، ولكن هذا ليس مهماً.
• صراحتك دفعتك إلى الاعتراف بأنك تعيشين تجربة المساكنة، بينما غيرك من الممثلات لا يمكن أن يكنّ بجرأتك، فهنّ يمكن أن يبدين آراءهن حول هذه التجربة، سلباً أو إيجاباً...؟
- أنا لا يمكن أن أقوم بشيء ضدّ قناعاتي، وكلما كان هذا الشيء نابعاً من قناعة وعلى أسس بنّاءة، لا أخجل منه على الإطلاق.
• نعرف أن رأي المجتمع لا يهمك، ولكن ما تقومين به ألا يؤثر على علاقتك بأهلك؟
- بل إن رأي المجتمع يهمني، ولذلك أنا محاطة بمجتمع «بياخد العقل». يوجد في لبنان مجتمع «بياخد العقل» وأنا أنتمي إليه، وأهلي من هذا النوع. أنا محاطة بـ «أحلى مجتمع بلبنان»، وأنا أفاخر به. هذا هو لبنان، الذي يحب الانفتاح والازدهار والسياحة، والاختلاط. أنا أرفض العيش في مجتمعات منغلقة، ولا يمكنني أن أتحمل ولا هم يمكن أن يتحمّلوني.
• شاركتِ في التظاهرات التي تجري في وسط بيروت. فهل أنت متفائلة؟
- طبعاً.
• لكن يقال إنها تتلاشى وتضعف؟
- هم يقولون ذلك، ولكن عندما ننزل جميعاً إلى الوسط، يأخذون منا القوة.
• هل تتوقعين تغييراً؟
- طبعاً.
• في المرحلة الراهنة؟
- نعم.
• وما الذي يدفعك إلى التفاؤل؟
- لأنها المرة الأولى التي يصرخ فيها الشعب اللبناني بهذه الطريقة في الشارع، كما أنها المرة الأولى التي يعرف الشعب اللبناني ماذا يريد. وبالرغم من كل الضياع الذي نُتهم به، فإننا نعرف جيداً ماذا نريد، وسيلمسون أن كل شيء سيكون منظماً. ثمة أشياء كثيرة ستتغير. نحن ننزل إلى الشارع ليس من أجل لبنان فقط، بل أيضاً من أجل الناس الذين يرفضون النزول إلى الشارع ولا يؤمنون بنا.
• هل أنت عضو فاعل في إحدى الجمعيات؟
- أنا عضو في حراك اسمه «دفاع»، وهو يقدم الدعم الفني والإعلامي للحراك الذي يحصل. نحن ندعم فنياً، من خلال أفكار وشعارات وفيديوات. «دفاع» يضم عدداً كبيراً من الفنانين والإعلاميين ويتعاون مع تحركات أخرى، ويوجد معنا أشخاص متخصصون في مجاليْ البيئة والكهرباء، ولدينا مشاريع سنضمها إلى مشاريع الجمعيات البيئية الموجودة في لبنان.
• متى ستباشرون عرض مسرحية «الست بديعة»؟
- في 20 أكتوبر في «مترو المدينة».