رأي قلمي

العدل الشامل...!

1 يناير 1970 01:47 ص
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة استقرائية عظيمة قال فيها... «إن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدلٍ قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، وإن لم تقم بعدلٍ لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة»، كما قال الإمام الماوردي رحمه الله في سياق ذكره للقواعد التي تصلح بها حال الدنيا... «قاعدة العدل الشامل الذي يدعو إلى الألفة ويبعث على الطاعة، وتعمر به البلاد، وتنمو به الأموال، ويكثر معه النسل ويأمن به السلطان... وليس شيئاً أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الجَوْر، لأنه لا يقف على حد، ولا ينتهي إلى غاية، ولكل جزء منه قسط من الفساد حتى يستكمل».

إن العدل في المنظور الإسلامي هو خُلق جامع شامل، يتكامل مع مجموعة القيم والمبادئ الإسلامية الأخرى، ويؤسس لمجتمع تسوده قيم الإنصاف والرحمة والإخاء وصيانة الحقوق الخاصة والعامة، وكلنا يعلم أن جميع أحكام الدين مبنية على إقامة العدل ورد الظلم، وأن العدل الاجتماعي هو الميزان الذي يبني جميع العلاقات الاجتماعية وهو قاعدة التعامل التي تحكم جميع التصرفات الإنسانية.

فالعدل مقوّم أساس من مقومات الدول المسلمة وهو سبيل الأمن والاستقرار السياسي والاطمئنان بين الناس، كما أن الظلم والبغي من أعظم العوامل التي تمزق الوحدة الاجتماعية والسياسية في المجتمعات وتثير فيها القلق والخوف وتزرع الشقاق والجفوة، وتقطع أواصر التآخي والتماسك الاجتماعي بين الأفراد، إن الظلم الاجتماعي والسياسي من أشد الأدواء تحطيماً لشخصية المجتمع، وسحق كرامته، وتعطيل إمكاناته، فالمجتمع المُهان يصبح غير قادر على العطاء أو الإبداع ومن ثم تتوقف عجلة نموه وتطوره وتتراجع مسيرة تنميته ويتباطأ تقدمه.

ختاماً نقول... التفريط بحقوق الضعفاء والتهاون في قطع أبواب التظالم والبغي من أخطر العوامل التي تمزق المجتمع، وقد آن الأوان ليقظة الحكومات وإدراكها لمنظومة القيم العقدية والأخلاقية الشاملة التي تؤسس لمجتمع تسوده العدالة والإنصاف والمساواة، ويتحرر فيه الإنسان من الظلم ويشعر فيه بكرامته وإنسانيته، وإن كانت السلطة لا تستطيع أن تقيم صروح العدل وتواجه طغيان الفساد والظلم فلن تقوى على النهوض من مستنقع التخلف والتبعية، وستستمر بظلمها واضطهادها لأفراد مجتمعها.

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib