انتقد رهن الميزانية العامة بأسعار النفط المتأرجحة مطالباًَ الحكومة بالتصدي للإصلاح الاقتصادي

الشايع لـ «الراي»: سد العجز من الاحتياطي لن يكفي لأكثر من 12 سنة وعدم إيجاد بدائل للدخل سيحوّل الكويت إلى دولة مقترضة

1 يناير 1970 10:16 ص
• يجب وضع إصلاحات مالية واضحة وقرارات حاسمة في أسرع وقت

• في السابق جُمّد تنفيذ دراسات معالجة الاختلالات الاقتصادية لوجود وفرة مالية أما اليوم فلا بد من تنفيذها

• لدى «المالية» خيارات عدة لسد العجز منها إصدار سندات أو الاقتراض أو السحب من الاحتياطي وبالتأكيد عليها اختيار الأقل كلفة

• الحكومة لم تقم بدورها في الإصلاح الاقتصادي الناجح

• لم نستفد من تجربة العجز في السنوات الماضية

• علينا الخوف على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا

• في عام 1999 «سيّل» وزير المالية جزءاً من استثماراتنا الخارجية لتغطية الرواتب
حمل رئيس اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة النائب فيصل الشايع الحكومة مسؤولية البحث عن بدائل لتنمية الإيرادات العامة عوضا عن الاعتماد الكلي على النفط ورهن الموازنة بأسعاره المتأرجحة والتي يقدر أنها لن ترتفع إلى سنوات مقبلة، متوقعا أنه لا يكفي الاحتياطي العام للدولة في حال استخدم لسد العجز المتوقع لأكثر من 12 سنة في حين أن لجوء الكويت إلى الاقتراض دون إيجاد بدائل سيحولها إلى دولة مدينة بعد سنوات، الأمر الذي يدفع الحكومة إلى ضرورة اقتناص الفرصة لتطبيق مرئيات تنمي الإيرادات غير النفطية، منتقدا عدم الاستفادة من تجربة انخفاض أسعار النفط في ما مضى وعجز الموازنة الذي تحقق حينها في فترة تسعينات القرن الماضي، ومستغربا نهج زيادة الأعباء المالية على الموازنة وتحميلها بمصاريف وكوادر قفزت بها من 4 إلى 23 مليار دينار في سنوات قليلة.

وفيما قال الشايع إنه لمس جدية حكومية في معالجة اختلالات الموازنة عاد ليؤكد أنها لم تقم بدورها في الإصلاح الاقتصادي الناجح حتى الآن وتحتاج إلى قرارات حاسمة في ذلك، منوها إلى أن لا ضرائب ستفرض على المواطنين وإنما ضرائب على أرباح الشركات الفردية والمساهمة.

وقال الشايع إن بعض الزيادات غير المدروسة التي منحت لموظفي الدولة أدت إلى ارتفاع الموازنة مستدركا بأنه لا توجد دولة في العالم يلتهم بند الرواتب فيها 50 في المئة من إيراداتها كما هو حاصل في الكويت، مردفا ان هذا سيتسبب في مشكلة كبرى يجب أن نعالجها الآن، داعيا أعضاء السلطتين إلى أن يكونوا صرحاء مع المواطنين وينقلوا إليهم واقعنا المالي، كما أن علينا على حد تعبيره ألا نفكر بكوادر وزيادات مستحيلة في الوقت الراهن.

وبين أن من بين المعالجات التي يمكن للحكومة البدء بها حاليا ترشيد الدعوم وتوجيهها إلى مستحقيها شارحا أن من الممكن تخفيضها من 6 مليارات إلى 3 فقط، وفي ما يلي نص الحوار:


• هل تقف الكويت بالفعل اليوم على أعتاب أزمة اقتصادية متمثلة بعجز الموازنة أم إن هذا التوصيف يحمل شيئا من المبالغة والتضخيم؟

- الكويت تعتمد على الإيراد النفطي وهذا أمر واقع وعندما ترتفع أسعار النفط ترتفع الإيرادات والعكس صحيح فعند انخفاض أسعاره تنخفض الايرادات وبالتالي فإن من يحدد عجز الموازنة هو الإيراد النفطي وعلاقته بالموازنة العامة للدولة فعندما كانت أسعار النفط بحدود 100 دولار وما فوق وكانت الموازنة العامة للدولة مقدرة بـ23 مليار دينار تمت في حينها إضافة استقطاع خمسة مليارات دينار لاحتياطي الأجيال من فائض الموازنة ورفع الاستقطاع من 10 في المئة من الإيرادات إلى 25 في المئة بناء على قرار مجلس الوزراء وبلغت آنذاك الموازنة 28 مليار دينار وكان يجب أن يباع برميل النفط بـ 103 دولارات حتى تتعادل المصاريف مع الإيرادات واليوم مع انخفاض أسعار النفط تم تخفيض الموازنة من 23 مليار دينار إلى 19 وتم ارجاع استقطاع الأجيال المقبلة إلى 10 في المئة.

• وماذا تعني هذه التغيرات على الموازنة بحسب رأيكم ؟

- يعني أن الموازنة لدينا غير مستقرة ومن يحدد عجزها أسعار النفط وأننا سنشهد عجزا اذ استمر انخفاضه ومن المتوقع أن يستمر ذلك لسنوات، وسبق أن مررنا بتجربة لانخفاض أسعار النفط وفي عام 99 حاول وزير المالية الشيخ علي السالم «تسيل» استثماراتنا الخارجية لتغطية الرواتب وكان صرفها يشهد تأخيرا في تاريخ إيرادها للبنوك وبالتالي ورغم أننا شهدنا تجربة لانخفاض أسعار النفط إلى حاجز الـ 8 دولارات للبرميل وسجلت الموازنة عجزا، لكننا للأسف لم نستفد من تلك التجربة بل زدنا أعباء الموازنة بمصاريف وكوادر إلى أن قفزت من 4 إلى 23 مليار دينار في سنوات ومن ضمنها زيادات لا يمكن معالجتها كزيادات الرواتب التي تلتهم 50 في المئة من الموازنة.

• هذا أمر طبيعي بحكم زيادة عدد طالبي الوظائف الحكومية وارتفاع التعداد السكاني ؟

- صحيح أن زيادة أعداد الموظفين وبعض الزيادات غير المدروسة أدت لارتفاع الموازنة لكن لا توجد دولة بالعالم يلتهم بند الرواتب فيها 50 في المئة من إيراداتها كما هو حاصل في الكويت وهذا سيتسبب في مشكلة كبرى يجب أن نعالجها الآن، ويحسب للحكومة الحالية بأن لديها جدية نوعاً ما في مواجهة إشكالية الموازنة وعلاجها عبر اتخاذها بعض الإجراءات.

• وما المطلوب الآن من الحكومة والمجلس لمواجهة عجز الموازنة ؟

- علينا أن نكون صرحاء مع المواطنين حكومة ونوابا وننقل إليهم واقعنا المالي بكل صراحة، وعلينا ألا نفكر بكوادر وزيادات مستحيلة في الوقت الراهن، وعلينا كذلك الخوف على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا، فنحن نتمنى أن يكون المواطن في أفضل حال ورفاه ولكن هناك أمورا خارجة عن إرادة الدولة، وبالتالي يجب من الآن وبأسرع وقت تبني إصلاحات مالية واضحة وقرارات حاسمة ومنها أن على الحكومة أولاً العمل بجدية لتخفيص مصاريفها وإيقاف الهدر في بعض مؤسسات الدولة، وثانيا يجب ترشيد الدعوم وتوجيهها إلى مستحقيها وفي استطاعة الحكومة الآن تخفيضها من 6 مليارات إلى 3 فقط، وثالثا يجب أن يوقف إسراف استهلاك المياه والكهرباء إذ سجلت الكويت أعلى نسبة لاستهلاك المياه في العالم رغم قلتها كما أن استخدام الكهرباء لدينا غير طبيعي وتقسيم المستهلكين إلى شرائح سيرشد الاستهلاك، وعلينا أن ننمي ثقافة الادخار لدى المواطن منذ مراحله التعليمية الأولى، وقد سبق لي وأن طرحت توصية بإضافة ثقافة الادخار وترشيد الانفاق ضمن المناهج الدراسية وسأبحث إمكانية تقديمها بقانون فنحن تعودنا الحصول على كل شيء من الدولة دون مقابل و«ببلاش» وهذه الثقافة يجب ان تتغير.

• هل نحن مقبلون على أزمة، وهل إذا لم تحسن الحكومة التدبير فإن الدولة من الممكن أن تتعرض إلى الإفلاس ؟

- نحن نتوقع عجزا في الميزانية لسنوات حتى تتحسن أسعار البترول وهناك دراسات تؤكد استمرارية هذا الوضع لسنوات ومتى ما اعتمدنا على سد العجز المتوقع استمراره من الاحتياطي العام أو الاقتراض دون إيجاد بدائل فإن الكويت ستصبح دولة مقترضة بعد سنوات، فالاحتياطي العام يبلغ ما يزيد على 160 مليار دينار والعجز المتوقع سيترواح بين 6 أو 8 مليارات سنويا، وإذا استمر هذا العجز فإن الاحتياطي العام سيكفي لـ 12 سنة وهذا في حالة لم يتم تسيله بخسارة عن قيمته الحالية المقدرة بما يزيد على 160 مليارا لذلك، ولذلك فلابد للحكومة أن تلتفت إلى موارد أخرى غير النفط، ونحن اليوم بحاجة إلى قرار وأنا هنا لا أعول فقط على الجانب الحكومي وإنما على النواب أيضا وبالتالي لابد من تعاون السلطتين لضمان مستقبل أفضل.

• وكيف يكون هذا التعاون برأيك ؟

- لدينا قوانين قائمة كالخصخصة وعلى الحكومة تفعيلها وتحديد عدد من القطاعات لذلك كالبريد والكهرباء والاتصالات وغيرها لترفع عن كاهلها المصاريف وتكون لها ايرادات مع وضع ضوابط وأدوات رقابية على أسعار الخدمات المقدمة في هذه القطاعات وبما يحمي المواطن، وهنا ستجني الدولة ايرادات بدل دفع مصروفات كما يجب تفعيل قانون الـ (بي أو تي) على أكمل وجه حيث شرعت الحكومة بهذه الخطوة شراكة بين القطاع العام والخاص وهي نقطة انطلاق معالجة تنويع ايرادات الدولة مع ضرورة وضع ضوابط رقابية لحماية المواطن.

• كيف لمست الجدية الحكومية في معالجة اختلال الموازنة وهل ساقت لكم مبررات عدم تفعيل القوانين القائمة والرامية إلى تنويع موارد الدخل كالخصخصة والـ بي أو تي ؟

- لمست الجدية الحكومية حينما بدأت بالتفكير في إلغاء الدعومات ووضع شرائح للكهرباء وتشكيل لجان لتنويع موارد الدخل والاستعانة بالجهات الأجنبية لوضع حلول، لكن ذلك لا قيمة له دون قرار، وبالنسبة لقانون التشغيل والبناء والتحويل الـ (بي أو تي) فإن هناك خطوات لتطبيقه من خلال هيئة الشراكة بين القطاعين الخاص والعام أما قانون الخصخصة فقانونه موجود منذ زمن ولم تكن هناك جدية لكن الآن أعتقد أن الحكومة ستقدم على خطوة تطبيقه بعد انخفاض أسعار النفط.

• مر على البلاد عدة لجان اقتصادية في عهد حكومات سابقة وكان هناك أيضا تقرير توني بلير الشهير والمرئيات التي انبثقت عنها وكلها وضعت في الادراج، أفلا تخشى أن تكون المرئيات الحكومية الحالية على غرار سابقاتها وترمي إلى تغطية المرحلة سياسيا؟

- صحيح أنه في السابق صدرت عدة دراسات وشكلت لجان ووُضعت حلول لمعالجة اختلالات الموازنة، لكن الوفرة المالية جمدت تنفيذها، واليوم لابد من تنفيذها فأسعار النفط منخفضة وهناك عجز في الموازنة.

• ما الذي تنتظرونه أو تتوقعون أن يخرج من الاجتماع المشترك للجنتي «المالية» و«الميزانيات» من جهة ووزارة المالية والبنك المركزي من جهة أخرى بشأن سد عجز الموازنة، وهل صحيح أن استخدام أداة السندات بمثابة خذ من كيس الحكومة وعايدها بمعنى أن السندات ستُشترى بفوائد عالية من الأموال الحكومية المودعة في البنوك المحلية والتي تتحصل على فوائد عليها بنصف في المئة ؟

- الاجتماع مخصص لبحث آلية المعالجة الحكومية لسد عجز الموازنة والأدوات المستخدمة، وقد أرجئ موعده نظرا لعدم تواجد أعضاء اللجنتين في البلاد لارتباطهم خارجيا من خلال الوفود وبالتالي سيتم تحديد موعد آخر له قبل بداية دور الانعقاد المقبل أو عند بدايته، وبالنسبة للسندات فإن وزارة المالية لديها عدة خيارات لسد العجز منها إصدار سندات أو الاقتراض أو السحب المباشر من الاحتياطي وبالتأكيد عليها اختيارالحلول الأقل كلفة على المال العام.

• وهل هناك نية لفرض الضرائب على المواطنين ؟

- لا ضرائب على المواطنين وإنما سيكون هناك ضرائب على أرباح الأعمال على الشركات الفردية والمساهمة، وستتم إضافة 5.5 في المئة إلى الاستقطاعات القائمة الآن ليصبح إجماليها 10 في المئة في حال تحقيق رقم معين من الأرباح يحدد لاحقاً.

• هل يمكن القول ان الحكومة الحالية حتى الآن ناجحة اقتصاديا، وما التشريعات التي قد تحتاجونها للدور المقبل لمواجهة العجز وهل تعتقد أن السلطتين ستنجحان في مواجهة اختلالات الموازنة ؟

- الحكومة لم تقم بدورها في الإصلاح الاقتصادي الناجح حتى الآن وتحتاج إلى قرارات حاسمة، ونحن لا نحتاج إلى تشريعات لمعالجة اختلالات الموازنة فجميعها موجود باستثناء البديل الاستراتيجي للرواتب الذي سيعالج جزءا كبيرا من الموازنة والمتعلق بباب الأجور والمرتبات وفي النهاية نأمل أننا كسلطتين يكون بقدرتنا مواجهة اختلالات الموازنة ومعالجتها.