عاد الحديث مجدداً بقوة في شأن حقول الشمال، والإصرار على التوجه السابق بتلزيم الشركات الأجنبية عملية تطويرها، فالأطراف السابقة المصرة على هذا النهج في أن تكون الشركات الأجنبية من دون العناصر الوطنية هي المسيطرة على تطوير الحقول هي جزء من مؤسسة الفساد في البلاد، ومازالت قوية نظراً إلى مؤزارة كثيرين من أصحاب المنافع لهذا التوجه لتحقيق المصالح المادية الخاصة المنتظرة لتطوير هذه الحقول.
هذا الموقف الجديد بات على وشك الحدوث، وهذا الأمر يدعو ويفرض على شعب الكويت برمته، من برلمانه ومؤسساته المدنية، أن يقف وقفة رجل واحد للدفاع عما تبقى من ثروة الأبناء والأحفاد، كي لا تعود البلاد بعد ذلك إلى لقمة العيش من الغير لكي تعيش، فالإهمال وعدم الاهتمام الحكومي والبرلماني سيؤديان إلى حدوث هذا الأمر، خصوصاً أن البلاد منذ أكثر من ستين عاماً وهي تصدر النفط، ولم تتحرك الحكومة خلال تلك الفترة وتعمل على تصنيعه، وهو ما كان كفيلاً بخلق عشرات الآلاف من الوظائف لشباب البلد، بدلاً من بيعه خاماً للدول المستهلكة التي تستفيد من صناعته بالإضافة إلى استعماله كوقود، وتوظف بموجبه الآلاف من أبنائها في عمليات التصنيع المختلفة، عوضاً عن تشغيلهم في أعمال لا فائدة مرجوة منها وتقلل من العمالة، إضافة إلى العمالة «البطالة» المقنعة. إن الصناعات النفطية في دول العالم المتقدم تكاد تكون المورد الأساسي لاقتصاديات الكثير منها، رغم افتقارها إلى النفط مثل اليابان وهولندا وبلجيكا وبقية دول الأراضي المنخفضة وغيرها من الدول الشبيهة لها. أما بعض المسؤولين في البلاد بأحاديثهم المتكررة فإنهم يصرون على ضرورة إيجاد مصادر أخرى من الدخل الوطني، وهم المعوقون الأساسيون لتنويعه، فالتنويع تملكه الدولة بأراضيها فلماذا تدعو الآخرين للتنويع من دون أن تباشر في العمل على تحقيقه، فعمليات ذر الرماد في العيون لم تعد تجد ولا يمكن أن تكون دائماً هي المرسى الذي ترسو عليه أخطاء الحكومة؟
اليابان بعد الحرب العالمية الثانية وإسقاط الولايات المتحدة القنابل الذرية عليها عام 1945خرجت من الحرب محطمة يائسة فقيرة لا حول لها ولا قوة، ولكن تولى قيادتها رجال عظام عملوا على تغيير كلي لمناهج التعليم واتجهت البلاد إلى العلم والبحث العلمي وتركت خرافات زمنها القديم ومناهج تعليمها البائس، حتى أصبحت اليوم من أقوى اقتصاديات العالم، وكذلك ألمانيا بعد أن حطمتها دول الحلفاء في الحرب وخرجت كاليابان من دون مال ووقود ومستلزمات الحياة الضرورية للمواطن، ولكنها غدت اليوم من أغنى دول العالم. أما سنغافورة الجزيرة الصخرية فقد أضحت من الدول المتقدمة في الصناعة والتجارة والسياحة، فقد أوجد منها رجل واحد هو رئيس وزرائها السابق لي كوان يو الذي تولى الحكم فيها لمدة ستة وثلاثين عاماً، حتى أصبحت اليوم على ما هي عليه من تطور واقتصاد متين، وهذا الزعيم رغم تقدمه في السن لم تستغن عنه الحكومة، فعينته مستشاراً لها حتى كتابة هذه السطور، وهذه الدول المهزومة استطاعت أن تصل في اقتصادياتها وصناعاتها إلى أعلى مراتب التقدم الاقتصادي في العالم، لأن العقول التي تدير عملية البناء لا تخضع إلى الابتزاز السياسي والقبلي والطائفي والعائلي والديني، بل إن اهتمام مسؤولي تلك الدول ينصب على كيفية بناء الدولة والإنسان ولا تشكل حكوماتها حسب الأهواء السائدة فيها بعيداً عن البناء الحقيقي للدولة والإنسان.
ولذا نرى الحكومات المتعاقبة دائماً ما ينقصها الاهتمام بتصنيع البلاد وتنويع مصادر الدخل في شكل صادق وليس إعلامياً، وعلى أعضاء مجلس الأمة أن يتجهوا إلى البناء لا إلى الهدم، فبدلاً من تشكيل اللجان المثيرة للقلاقل والتي لا فائدة منها كـ«لجنة الظواهر السلبية»، فالبناء يحتاج إلى رجال حقيقيين، ومستقبل الدولة يريد عصبة منهم لا يهابون الصراخ والعويل والصوت العالي كما لا يخيفهم الصمت المريب، ولا يخضعون إلى الابتزاز ويعرفون الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، ولا يعيرون انتباهاً لأصحاب مؤسسة الفساد.
الله سبحانه هو الحامي لهذه البلاد من الضياع وهو المجيب لكل دعاء صادق.
يعقوب العوضي
كاتب كويتي
[email protected]