النفايات... اختبار جديد للقوى السياسية والحكومة
لبنان محكوم بالمراوحة في «عنق الزجاجة» بانتظار «الفرَج» الاقليمي
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
09:05 م
رغم تركيز المشهد السياسي والإعلامي في لبنان في الأيام الأخيرة على مواقف زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون بفعل تَزامُن مناسبة الذكرى الـ 25 لإسقاط حكومته العسكرية وخروج صهره العميد شامل روكز اليوم من الجيش من دون ترقيته او تمديد تسريحه، فان جهات سياسية واسعة الإطلاع تعتقد ان الستاتيكو السياسي الداخلي لا يبدو مقبلاً على ما يتجاوز واقع التعطيل المؤسساتي الذي يحكم لبنان الى أفق غير محدد.
وتشير هذه الجهات عبر «الراي» الى ان عدم الاستجابة للضغوط السياسية التي مورست من أجل ما سُمّي تسوية الترقيات العسكرية التي كانت تكفل بقاء العميد روكز في الجيش بما يرضي العماد عون، شكّل تطوراً سياسياً لافتاً برزت من خلاله معالم إعادة فرض التوازن السياسي وعدم التسليم لعون وحلفائه بالضغوط من أجل الجنوح أكثر فأكثر بالواقع الداخلي نحو اختلالٍ سياسي.
ولكن الجهات نفسها تلفت الى وجود مستوييْن متفاوتيْن في مقلب قوى 8 آذار يعبّران عن تداعيات سقوط تسوية الترقيات التي سُجلت كخسارة إضافية بارزة مُني بها العماد عون. المستوى التصعيدي الاول يتمثّل في ذهاب عون نحو تعميم الشلل الحكومي بالكامل وتعطيل مجلس الوزراء بحيث تتحول الحكومة الى مرحلة تصريف الأعمال واقعياً. والمستوى الأخفّ يجمع غالبية حلفائه ومن بينهم «حزب الله» نفسه الذي لا يبدو رغم دعمه القوي غير المشكوك فيه لعون، راغباً في دفع الحكومة نحو الانهيار التام.
وتشير الجهات المطلعة الى ان الأسبوعين المقبلين سيكونان على الأرجح المسافة الزمنية المحتملة لاختبارٍ حسّاس يتحدد في ظلّه مصير الوضع الحكومي لجهة تنفيس بعض الاحتقانات او زيادتها. ذلك ان المساعي الجارية لإيجاد ثغرة يمكن ان يبدأ عبرها تنفيذ خطة معالجة أزمة النفايات بلغت على ما يبدو مرحلة متقدّمة امس تحديداً في ظل معطيات ايجابية عن موقف «حزب الله» من تحديد مطمر للنفايات في البقاع الشمالي وهو ما كان ينتظره وزير الزراعة أكرم شهيب ورئيس الحكومة تمام سلام لوضع الترتيبات الأخيرة لانطلاق خطة النفايات.
وفي حال تبيّن في الساعات المقبلة ان الخطة تسير في اتجاه ايجابي، فان ذلك سيدفع الرئيس سلام الى دعوة مجلس الوزراء الى جلسة الأسبوع المقبل تُخصص لأزمة النفايات. وتلفت الجهات نفسها هنا الى ان سلام لمس تعاون «حزب الله» معه في اليوميْن الاخيريْن، وهو ما يفسّر ارتياحاً من الحزب لموقف سلام الذي رفض تحدّيه بدعوة مجلس الوزراء الى جلسة قبل موافقة الحزب على مطمر جديد في البقاع الشمالي كما للحصول على موافقته على حضور الجلسة ولو من دون وزراء العماد عون.
وكان سلام خضع لضغوط واسعة من قوى 14 آذار لحمْله على الدعوة الى الجلسة بغية حشْر عون و«حزب الله»، ولكنه لم يستجب هذه الضغوط. ومع ان الجهات السياسية المطلعة لا تبني آمالا واهية على إمكان ذهاب الحزب بعيداً في مرونته وتحصر ذلك بكارثة النفايات فقط، فإنها تشير الى ان زيادة الحصار على رئيس الحكومة بدأ يهدد بعواقب سلبية للغاية. واذا كان ذهاب سلام الى الاستقالة مستبعداً، فان ذلك لا يخفي خطورة ما يدأب رئيس الحكومة على التحذير منه لجهة ان البلاد مقبلة على انهيار واسع وكبير ما لم يجرِ تَدارُك الامور قبل فوات الأوان. ولا يمكن حزب الله ولا حلفائه إدارة الظهر الى هذه التحذيرات لأنهم يدركون تماماً مدى جديتها وصدقيتها، الأمر الذي يملي وضع خطوط حمر للضغوط وعدم تَجاوُزها في انتظار تبلْور الافق الاقليمي الشديد التعقيد ولا سيما في سورية واليمن.
وفيما نُقل عن رئيس البرلمان نبيه بري في الطائرة الى أقلّته في زيارة رسمية لرومانيا ان «وضع الحكومة لا تُحسد عليه وهو محروق»، مستبعداً أن يُقدّم سلام استقالته، ومكرّراً «ان (طاولة) الحوار معطوفاً على الحوار بين"حزب الله"وتيار"المستقبل"يجب أن يستمرّ وهو من وجهة نظري بارقة الأمل للبلاد والضمان للاستقرار»، فان الأنظار تتجه أيضاً الى «ساحة كباش» جديد مع اقتراب البرلمان من دخول مرحلة العقد العادي (اول ثلاثاء يلي 15 اكتوبر)، ودعوة رئيسه الى جلسة الثلاثاء المقبل لانتخاب هيئة مكتب المجلس، ولتجديد لجانه الدائمة وانتخاب اميني سر وثلاثة مفوضين، وانتخاب أعضاء اللجان النيابية، وهي الدعوة التي تسبق بيوم موعد الـ« لا جلسة» الجديدة لانتخاب رئيس الجمهورية.
ومع بدء العقد العادي للبرلمان، ستعود الى الواجهة قضية التشريع تحت قبّته وسط رفض غالبية القوى المسيحية تسيير عجلة مجلس النواب في ظلّ الشغور الرئاسي والموافقة على «تشريع الضرورة» فقط بقضايا محددة، وسط انطباع بأن العماد عون الذي يشعر بأن إسقاط تسوية روكز لم يكن بعض الحلفاء حتى منزعجاً منه، سيبقى على تَشدُّده حيال ممارسة مجلس النواب دوره.
وفي موازاة ذلك، وعلى وقع عودة المخاوف الأمنية والتقارير عن تعزيز «حزب الله» إجراءاته في مناطق لبنانية معيّنة أبرزها الضاحية الجنوبية خشية تعرضها لاستهدافات ارهابية، كشفت صحيفة «السفير» انه في سياق انخراط الحزب الأوسع من نوعه في الحرب السورية بادر في الايام القليلة الماضية الى نقل آلاف من المقاتلين «عاليي التدريب والتجهيز والخبرة القتالية»، من لبنان نحو «الشمال الادلبي»، في سياق معركة يعول عليها الجيش السوري وحلفاؤه لاسترداد ادلب وجسر الشغور وحلب وإقفال الحدود السورية مع تركيا.