مقربون منه وصفوا أجواءها بـ «الزبالة»

انسحاب عون من جلسة الحوار اللبناني يثير غباراً حوله

1 يناير 1970 09:02 م
أثار انسحاب زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون من اولى جلسات «ثلاثية الحوار» التي دعا اليها رئيس البرلمان نبيه بري أمس واليوم وغداً، غباراً كثيفاً حول آخر المحاولات الجارية لبلوغ صيغة توافقية لموضوع الترقيات العسكرية، الذي يكفل إرضاء «الجنرال» من خلال ترقية صهره العميد شامل روكز الى رتبة لواء وإرجاء إحالته على التقاعد منتصف الشهر الجاري، بما يسمح بتفعيل عمل الحكومة وإحياء التشريع في البرلمان ولو من باب «الضرورة».

وجاء حضور عون شخصياً الى الحوار يرافقه النائب إبرهيم كنعان، حيث عقد بداية خلوة مع الرئيس بري بحضور رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد، ليعكس بداية وجود مناخ ايجابي يحوط بملف ترقية روكز مع عميديْن آخريْن الى رتبة لواء مع تحديد مهمات لهم، وهو ما كان أشيع انه حصل تقدُّم على صعيد تسويقه انطلاقاً من تفاهم بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» جرى خلال الجولة 19 من الحوار الثنائي بينهما التي حصلت مساء أول من أمس، في مقر رئيس البرلمان في عين التينة.

إلا ان هذا المناخ سرعان ما أصيب بانتكاسة، اعتُبرت مؤشراً الى الصعوبات التي ما زالت تعترض تسوية قضية روكز، وتالياً إخراج الحكومة من حال الشلل. فبعد نحو ساعة ونصف الساعة من بدء جولة الحوار الرابعة، سُجّلت مغادرة عون وكنعان مقر البرلمان قبل ان يعلن بري استراحة استمرت نصف ساعة واستؤنفت بعدها الجلسة بغياب زعيم «التيار الحر».

ومن المعلومات التي توافرت عن ملابسات انسحاب عون، انه لمس خلال الحوار عدم انسحاب الأجواء الايجابية التي خيّمت على لقائه مع بري على جلسة الحوار فقرر المغادرة، فيما نُقل عن مصادره وصْفها أجواء الجلسة بـ «الزبالة».

واشارت التقارير الى ان «عون كان أبلغ رئيس البرلمان انه يرفض اي صيغة لترقية روكز، تشتمل على مقايضات تتصل بآلية عمل الحكومة»، لافتة الى ان «عون استاء من أنّ جلسة الحوار تطرقت في شقّها الأول إلى موضوع النفايات بعدما طرحه بري واستفاض فيه رئيس الحكومة تمام سلام الذي شدّد على ضرورة تطبيق خطة النفايات قبل حلول الشتاء، قبل ان يسأل الجميع اذا كانوا فعلاً يريدون استمرار الحكومة او انهم لا يمانعون ان تتحوّل الى تصريف الاعمال».

ووفق التقارير نفسها، فإنه بعدما أدلى مختلف أفرقاء الطاولة بدلوهم حول ملف النفايات والحكومة، من دون اثارة ملف الترقيات، استاء عون الذي اعلن انه لم يأتِ للاستماع الى مواقف بغير الموضوع الاساسي لحل الأزمة، اي على قاعدة إعادة العمل بالقانون واحترام الدستور «وأصبحتُ أعرف مواقفكم وسأغادر وعندما تجدون الحل سأعود».

وأفادت معلومات أخرى بأن «عون متمسّك بأن يتم إخراج التسوية لملف روكز بالإجماع في مجلس الوزراء وليس بالتصويت بالأكثرية الذي يشتمّ منه محاولة من (14 آذار) لانتزاع آلية لعمل الحكومة، تكسر بأشواط موقفه المتمسّك بالإجماع او بالتصويت الذي لا يسري اذا اعترض مكوّنان رئيسان».

ورغم رفْع الجلسة النهارية من الحوار قرابة الثالثة بعد الظهر مع تحديد السادسة موعداً للجلسة المسائية التي التأمت وسط أجواء ضبابية حيال إمكان حضور ممثل لعون، لاستكمال البحث في البند الاول الرئيس، اي الانتخابات الرئاسية التي شكّلت محور جولة المساء، فإن الغموض لفّ مصير جلسات اليوم وغداً، لا سيما اذا أصر «التيار الحر» على خيار المقاطعة، علماً ان الأنظار شخصت على ما كان سيعلنه عون بعد اجتماع تكتّله النيابي عصراً.

وفي حين لفتت، بُعيْد رفْع جلسة الظهر، إشاعة معلومات عن ان «عون انسحب لأسباب صحية»، فان أوساطاً متابعة تعاطت مع مغادرته الحوار على أنه يراوح بين اعتباره نعياً للتسوية المتعلقة بالعميد روكز وبين كونه في إطار رفْع مستوى الضغط للسير بهذه التسوية، من خلال اللعب على حافة الوقت القصير الذي بات يفصل عن إحالة روكز على التقاعد، علماً ان اي تعثّر في هذه القضية سيعني المزيد من شلّ الحكومة واستمرار البرلمان في وضعية العاطل عن العمل وحتى إجهاض طاولة الحوار.

وفيما عُلم ان الرئيس بري عقد بعد مغادرة عون البرلمان خلوة مع سلام، تمنى عليه فيها التريث في الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء سيقاطعها حكماً «التيار الحر» و«حزب الله»، بدا لافتاً ان احداً لم يعد يتحدث عن نتائج مأمولة من الحوار في ملف الفراغ الرئاسي، مع ان هذا البند هو الاول المطروح على جدول أعمال المتحاورين، وليس من المفروض الانتقال الى البنود الاخرى المطروحة قبل انتهاء البحث فيه وبتّه سلباً او ايجاباً.

وأوضحت أوساط جهات عدة مشاركة في الحوار ان «الساعات التي سبقت استئناف طاولة أمس، حفلت باتصالات ومساع حثيثة جداً سعياً الى امرين: الاول التوصّل الى صيغة توافقية بأوسع قدر ممكن لموضوع الترقيات، والثاني ربط المخرج الذي يطرح للترقيات بموضوع تفعيل الحكومة واعادة تحريكها، وخصوصاً ان سلام يلوّح باتخاذ موقف في حال استمر التعطيل لمجلس الوزراء». وعُدّ هذا الموقف بمثابة تلويح متجدد من سلام بإمكان ذهابه الى الاستقالة، علماً ان الرجل عاد من نيويورك الاسبوع الماضي، بانطباعات متشائمة عزّزت حالة الإحباط التي يعيشها جرّاء محاصرة حكومته داخلياً وخارجياً.

ومع ذلك، شكّكت الاوساط السياسية في إمكان حصول اي تطور حاسم راهناً، على الصعيد الحكومي، كما على المستوى الرئاسي، وقالت ان «الوضع العالق في لبنان مرشح لان يطول كثيراً من دون اي مفاجآت كبيرة، اقلّه في الظرف الحالي، وحتى لو انقطع الحوار لوقت محدد او استمر تعطيل جلسات مجلس الوزراء فإن كلمة السر الكبيرة لا تزال سارية، وهي منع الانهيار السياسي انهياراً شاملاً، بما يعني ان الترقيع سيبقى سيد الموقف حتى إشعار آخر».

وقللت الاوساط من أثر المواجهة العنيفة التي حصلت في اجتماع لجنة الأشغال النيابية، أول من أمس، بين نواب التكتّل العوني وتيار «المستقبل على المساعي الجارية من اجل تسوية الترقيات وتفعيل الحكومة. وذكرت ان ذاك الصدام النيابي لم يكن صنيعة قرار سياسي مسبق، بل وليد المداولات في ملف الكهرباء».