مساعي حلّ الأزمة السورية تُسابِق ترتيب أوراقه لتحديد مطالبه

لبنان حاضِر في نيويورك بملفيْ الفراغ الرئاسي واللاجئين

1 يناير 1970 07:12 م
ترصد بيروت باهتمام بالغ ورشة المشاورات الاقليمية - الدولية المفتوحة على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي بدا وكأنها تحوّلت «خلية طوارىء» في إطار المساعي الرامية الى رسم «خريطة طريق» للحلّ السياسي للأزمة السورية و«متفرّعاتها» في أكثر من ساحة.

واذا كان لبنان معنياً بما تشهده نيويورك من لقاءات على أعلى المستويات بين كبار القادة الدوليين من زاويةٍ مباشرة هي ملفيْ النازحين السوريين والإرهاب في شكل رئيسي، فان جانباً آخر من الاهتمام بالحِراك «العالمي» غير المسبوق المتعلّق بالأزمة السورية يرتبط بالاقتناع الراسخ بأن أيّ انفراج في الواقع السياسي اللبناني المأزوم انطلاقاً من الإفراج عن الانتخابات الرئاسية المعطّلة منذ اكثر من 16 شهراً لن يكون ممكناً بمعزل عن مآل التطورات الميدانية والسياسية في سورية وذلك انطلاقاً من الانطباع بأنه بات من الصعب بلوغ تسوية في المنطقة خارج معادلة «الأوعية المتصلة» التي تستتبع عملية «إعادة ترسيم» متوازية للنفوذ.

وفيما تشخص الأنظار اليوم على القمة الاميركية - الروسية باعتبار انها يمكن ان تحدّد الإطار العام لكيفية مقاربة مسار الأزمة السورية وآفاق حلّها انطلاقاً من المعطى الاستراتيجي المتمثل في الانخراط الروسي العسكري المباشر في سورية، فإنّ لبنان الحاضر في نيويورك عبر رئيس الحكومة تمام سلام لا يغيب ملفّه عن المحادثات وإن من زاوية اعتباره متفرّعاً من «الأزمة الأم» (السورية)، وذلك رغم محاولاتٍ فرنسية عبّر عنها وزير الخارجية لوران فابيوس لجعل الواقع اللبناني المأزوم في ذاته مادة نقاش اذ قال «اننا سنناقش بعض أمور لبنان مع الايرانيين والسعوديين بوجود أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون ليخرج من أزماته».

وتترقب بيروت الكلمة التي سيلقيها سلام اليوم امام الجمعية العمومية للأمم المتحدة والتي سيحدد فيها موقف لبنان وما يعانيه في ظل الشغور الرئاسي ووقف عجلة العمل في المؤسسات الدستورية، والأهمّ تداعيات ملف النازحين السوريين الذين يستقبل لبنان نحو 1.5 مليون منهم، وهو الملف الذي بات مشكلة دولية سرّعت في دفع الجهود والمساعي لإنهاء الحرب السورية.

وستكون كلمة سلام، الذي يواصل لقاءاته على هامش أعمال الجمعية العمومية، بمثابة «السقف» لمداولات اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي ينعقد الأربعاء، كما لمشاركات رئيس الحكومة في غالبية الاجتماعات التي تتناول عناوين عدة مثل الارهاب والتنمية وغيرها. علماً انه كان اكد في قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (يوم السبت) «ان لبنان يواجه تحديات عديدة»، لافتا إلى أن «الشق الإنساني الناتج عن أزمة اللاجئين السوريين» هو «احد أهم التحديات التي تواجه التنمية». ورأى «ان رد الفعل الدولي على ازمة بهذا الحجم، لم يكن بالمستوى المطلوب»، محدداً حاجات لبنان في هذا المجال بـ «المساعدة الانمائية وتقاسم عبء تمويل استضافة النازحين»، وليس التركيز فقط على تمويل العمل الإنساني.

وتعتقد أوساط واسعة الإطلاع في بيروت ان أزمات لبنان باتت أسيرة معادلتين متناقضتين، واحدة تربط انتخاب رئيس جديد للجمهورية بموازين القوى التي ستفرزها الأزمة السورية، بمعنى ان ثمة مصلحة لدى أطراف اقليميين ولا سيما ايران في إبقاء الورقة اللبنانية بيدها الى حين استحقاق موعد التسوية الكبرى لملفات المنطقة الساخنة وخصوصاً في سورية. اما المعادلة الثانية، فتشير الى حاجة لبنان الى وجود رئيس للجمهورية بما يضع البلاد على الطاولة كمفاوِض في ما خص العناوين التي تعنيه عوض ان يكون مادة تَفاوض.

وتشير مصادر سياسية في هذا السياق الى خطورة حال الخواء السياسي التي يعيشها لبنان في ظل تعطيل كل مؤسساته الدستورية في لحظة يفترض فيها ان يكون وضع خطة عمل لمواكبة التطورات المتسارعة في الملف السوري بحيث لا تأتي تسوية لا تراعي هواجسه، متوقّفة في هذا السياق عند ما نُقل عن الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان بعد لقائه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من ضرورة «أن تؤخذ في الاعتبار في أي تسوية سياسية في سوريا أربعة أمور: أولها ترسيم الحدود اللبنانية السورية غير المرسمة، وثانيها نشر مراقبين دوليين عليها، وثالثها تعويض لبنان عن الخسائر التي تكبدها منذ أربعة أعوام بسبب استقباله مليون ونصف لاجئ سوري. أما المطلب الرابع والأهم، فهو ضرورة وجود نص صريح وواضح يدعو إلى عودة جميع اللاجئين والنازحين بسبب الحرب في سورية أكانوا من السوريين أو من الفلسطينيين الذين انتقلوا إلى لبنان من سورية».

ومن هذه الزاوية يمكن فهو مساعي الرئيس تمام سلام وأفرقاء داخليين آخرين الى تفكيك عناصر الأزمة اللبنانية بما يسمح على الأقل بوجود سلطة قادرة على مخاطبة المجتمع الدولي والايحاء بالثقة لتلقف اي مساعدات في ملف النازحين.

وكان لافتاً على هذا الصعيد، انه في غمرة انهماك رئيس الحكومة بمتابعة الملفات التي يحملها الى نيويورك، أطلّ على الواقع اللبناني الداخلي والذي تختصره هذه الايام المساعي لايجاد حلّ لمشكلة إبقاء صهر العماد ميشال عون العميد شامل روكز في المؤسسة العسكري بعد إحالته على التقاعد منتصف اكتوبر المقبل، وهي العقدة التي باتت تشكل القفل والمفتاح للإفراج عن عمل الحكومة والبرلمان، اضافة الى أزمة النفايات المستفحلة.

وقد حذّر سلام، الذي يستعدّ لدعوة مجلس الوزراء الى اجتماعٍ بعد عودته من نيويورك يسابق الاتصالات لحل قضية روكز، من مغبّة استمرار التعطيل على مستوى السلطة التنفيذية لما لذلك من ضرر مباشر وأكبر من شلل رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، حيث أن جدول أعمال مجلس الوزراء بات مزدحماً بالملفات والقضايا العالقة التي تحتاج الى بتّها، آملا»ان ينعكس الحوار القائم إيجاباً على عمل مجلس الوزارء».

ودعا اللبنانيين الى»التجاوب مع خطة الوزير أكرم شهيب بشأن النفايات لتسهيل تطبيقها وبالتالي رفع فتيل متفجّر تمثّل بغضب الشارع».

وردا على سؤال، نوّه بالجهود الجبارة التي بُذلت على مستوى الاستقرار الأمني لكنه حذّر»من ان الاستقرار الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي لا يزال في خطر ويتطلب الكثير من العناية لمواجهته وإلا انزلقت البلاد باتجاه الانهيار نتيجة استفحال الصراع السياسي الداخلي.

وعلى صعيد أزمة اللجوء السوري، أمل في»زيادة الوعي لدى قيادات الدول الكبرى وتلك الصديقة لدعم لبنان في ظلّ ما يتحمّله من أعباء ومخاطر نتيجة الأعداد الزائدة من اللاجئين السوريين، وكذلك على مستوى الأزمة السياسية المستفحلة في المنطقة وانعكاساتها السلبية على لبنان».