«قلقون من زيارات جلاوزة النظام إلى دول الخليج ونأمل ألا تقع مصر في مطب التعاون الأمني معه»

جورج صبرا لـــ «الراي»: الأسد أصبح «طريدة» في قفص إيران و«حزب الله»

1 يناير 1970 09:05 م
• رحيل الأسد ضرورة لأي حل سياسي يقف على قدميه

• موسكو تكرر أمامنا أنها غير متمسّكة بالأسد ثم تدافع عملياً عن ضرورة وجوده في مستقبل سورية
أعلن رئيس المجلس الوطني السوري السابق جورج صبرا أن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد «ضرورة لا غنى عنها لولادة حلّ سياسي يقف على قدمين ويفتح الباب لإعادة بناء البلد»، معربا عن اعتقاده ان «السياسة الروسية تدافع عملياً عن ضرورة وجود دور للأسد في مستقبل سورية، رغم أنها تكرر أمامنا باستمرار أنها غير متمسكة به كشخص، لكنها في المآل الأخير تتلاقى مع الجهد الإيراني الذي يبني رؤيته وسياسته على ضرورة بقاء الأسد».

وأكد صبرا في حديثه لـ «الراي» قلق المعارضة السورية من لقاء اللواء علي المملوك بمسؤولين سعوديين مشيرا إلى «عدم ارتياحنا، بل نبدي قلقنا من الزيارات التي يقوم بها جلاوزة النظام إلى بعض دول الخليج مثلما حصل في جدة وعمان».

ورأى صبرا أن «الأسد أصبح طريدة في قفص إيران و(حزب الله)، ليس له من الأمر شيء، إلا تنفيذ التعليمات والقرارات التي تصدر عن نظام الملالي في طهران».

وحول إعلان مصر استعدادها للتعاون الأمني مع النظام السوري قال إن ذلك هو «أكثر ما يؤلم الشعب السوري الذي ما زال يُقتل يومياً بل كل ساعة منذ أكثر من أربع سنوات على يد النظام، ونأمل ألا تقع السياسة المصرية في هذا المطب».

وفي ما يلي تفاصيل الحوار:

* هناك حراك عربي ودولي لحل الأزمة السورية، وقد دخلت على هذا الخط مصر التي أفادت أنها مع (جنيف 1) في وقت تجري محاولات من النظام للترويج لإعادة العلاقات الديبلوماسية بين القاهرة ودمشق. ما الذي تغيّر وهل التعاون الأمني سيكون مقدمة لتطبيع العلاقات كما قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم؟ وكيف تقرأ المعارضة هذا الأمر؟

- العديد من الدول في المنطقة وعلى مستوى العالم، وغالبية قوى المعارضة السورية تعلن تأييدها لبيان (جنيف 1)، لكن المشكلة تبقى عند الفهم الحقيقي للبيان، والتفسير الواقعي والمنصف لمفهوم «هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية». هنا يأتي الشيطان ليدخل في التفاصيل. حيث تظهر الخلافات ولا سيما في ما يتعلق بمصير بشار الأسد. لذلك وللأسف تقوم بعض الجهات الدولية والإقليمية بتأييد بيان جنيف بالقول، وتخرج عن سياقه في تحرّكاتها بالعمل. ونحن في المعارضة نأسف أشدّ الأسف لهذا التحول في العلاقات المصرية مع الثورة السورية. فبالنسبة لنا كانت مصر دائماً في مكانة الريادة والاهتمام وفي موضع التأثر والتأثير. ومنذ اليوم الأول لولادة الائتلاف قررنا أن تكون القاهرة مقراً دائماً ورئيسياً له لا سيما وأن الثورة المصرية وميدان التحرير كانا من عوامل إلهام الشباب السوري في ثورته. ومن دون شك فإن التعاون الأمني مع النظام السوري هو أكثر ما يؤلم الشعب السوري الذي ما زال يقتل يومياً بل كل ساعة منذ أكثر من أربع سنوات على يد النظام. ونأمل ألا تقع السياسة المصرية في هذا المطب، كي لا يؤثر على دورها وأهميتها وسمعتها في المحيط العربي. أما عن الائتلاف فقد طلب رئيسه خالد خوجة منذ اليوم الأول لرئاسته زيارة لمصر، لكن للأسف لم يُلبّ طلبه حتى الآن. ونحن في المعارضة لا يمكن أن نفكر بالتقليل من دور أي بلد عربي في معالجة قضايانا، فكيف بمصر الشقيقة الدولة الكبرى التي رأيناها دائماً إلى جانب الشعب، ونريدها أن تبقى كذلك.

* ماذا عن لقاءات موسكو والتحضير لعقد (جنيف 3)؟ وهل سيعود منتدى موسكو من جديد إلى الواجهة؟، وماذا سيحقق في رأيك؟ وكيف تقرأ الموقف الروسي؟ هل تتخلى موسكو عن الأسد أم إن الحلول التي تُطبخ تعتبره ضمن الطبخة؟ وماذا عن مبادرة دي ميستورا وهل تنجح بدعم روسي في رسم حل ما؟

ـ عاد منتدى موسكو أم لم يعد، فلن يكون مصيره أفضل من موسكو1 وموسكو2. لأن أي جهود لتصنيع معارضة للشعب السوري أو تعليبها وتسويقها دون أن يكون للثورة وقواها رأي وموقف، هو عمل لا طائل منه. رغم الاحترام للجميع، وكلهم من إخوتنا السوريين، فإن موسكو تعمل على تلميع بعض الوجوه السلطوية التي كانت من سدنة النظام وشركائه ووزرائه وما زالوا، وتقدمهم على أنهم معارضة ويمكن أن يقرروا مستقبل سورية. الثورة في الداخل وممثلوها الحقيقيون هم أصحاب الكلمة الفصل. لذلك نعتقد أن السياسة الروسية تصرف الوقت والجهد هباء، ولن تفيد أو تستفيد من هذه التحركات. وللأسف فإن السياسة الروسية تدافع عملياً عن ضرورة وجود دور للأسد في مستقبل سورية، رغم أنها تكرر أمامنا باستمرار أنها غير متمسكة به كشخص. لكنها في المآل الأخير تتلاقى مع الجهد الإيراني الذي يقيم رؤيته وسياسته على ضرورة بقاء الأسد وهو ما يعرف الجميع أنه من رابع المستحيلات أن يتم. فرحيل الأسد يشكل عنواناً لأي حل سياسي حقيقي ويُكتب له النجاح. ولا أعتقد أن جهود السيد دي ميستورا المدججة بالدعم الروسي يمكن أن تنجز حلاً سياسياً، لأنها لا تذهب بالاتجاه الصحيح. أولاً: لأنها حادت عن مفهوم بيان جنيف لجهة هيئة الحكم الانتقالي والحل الشامل، وبدأت تتعاطى مع الشأن السوري بشكل تجزيئي وبالقطعة وهي من سمات مقاربة السيد دي ميستورا. فمن يصدق أي حديث عن إعادة الإعمار بينما قتْل السوريين وتدمير المدن لم يتوقف؟ وثانياً: لأنها تفترض أنها مخولة بأن تحدد للسوريين معارضتهم ومَن ينطق باسمهم. وفي هذا تجاهل لوقائع مؤتمر جنيف 2 ومَن مثّل المعارضة فيه، ولإرادة السوريين وقواهم الفاعلة على الأرض وفي الداخل.

* ماذا عن موقف الائتلاف وهل حقيقة يمثل موقف السوريين في الداخل المتوزعين في ميليشيات جهادية ويتقاسمون جغرافيا سورية؟ ولماذا لا تنتقل المعارضة إلى الداخل مع تحرير مناطق واسعة أو حتى يعود اللاجئون اليها؟

- الائتلاف هو أهم تجمع سياسي للمعارضة السورية، ويضم جميع مكونات الشعب السوري القومية والدينية والطائفية. وليست هناك منطقة في سورية غير ممثلة بالائتلاف الذي يجمع إلى جانب الأحزاب والقوى السياسية ممثلين عن قوى الثورة والفصائل المقاتلة وممثلين عن المجالس المحلية، ويقيم علاقة منظمة مع الكتائب المقاتلة على الأرض عبر «اللقاء التشاوري» المشترك، وهو الذي حاز على الاعتراف الدولي وأعضاؤه هم الوحيدون الذين يدخلون إلى المناطق المحررة للعمل ويخرجون. وأنا بنفسي ذهبت إلى حلب العام الماضي وأمضيت فيها ثلاثة أيام مع بعض الزملاء. أما انتقال المعارضة إلى الداخل فرهن بتحقيق منطقة آمنة. لأن طيران النظام وبراميل الموت وصواريخ سكود لا تترك مجالاً للإقامة في الداخل قبل أن يُرفع هذا الخطر عن أعناق السوريين. وهي ضرورة لتكون ملجأ آمناً للسوريين بعدما ضاقت بهم بلاد الدنيا.

* ما المطلوب من مجلس الأمن أمام المجازر التي يرتكبها النظام وآخرها في دوما وما الدور الذي يمكن ان يقوم به او الخطة التنفيذية التي تستطيع وقف نظام الأسد عما تعتبرونه «جرائم حرب» يقوم بها؟

- كثيرة هي الخيارات امام مجلس الأمن عندما تتوافر الإرادة. فقرار واحد تحت الفصل السابع يلجم النظام وآلته الحربية عن قتل الناس. وهذه بداية البداية لأي إجراءات لاحقة للحل السياسي والعدالة الانتقالية. لكن المطلوب حقيقة هو تحويل النظام وكبار المرتكبين والقتلة فيه إلى محكمة الجنايات الدولية بعد استخدامه لأسلحة الدمار الشامل ضد شعبه. وإجرامه المستمر في تدمير سورية وقتل المدنيين العزل في أسواق الخضار والتجمعات السكنية، لم يعد يحتاج الى دليل. فلجان التحقيق الدولية ملأت أدراج الأمم المتحدة بتقاريرها. لكن للأسف يكتفي مجلس الأمن ببيانات الإدانة والاستنكار، وإعلان التعاطف مع الضحايا. وإن فعل، فهو يلقي القبض على أداة الجريمة، ويترك المجرم طليقاً يكرر جريمته ويسرف بالقتل أكثر فأكثر، كما حصل بالملف الكيماوي.

*هل هناك أفق حل في سورية أم إنها ما زالت أمام مصير مجهول حتى الآن؟ وهل ما يجري في بعض العواصم مجرد محاولة إلهاء الدول الإقليمية الداعمة للثورة بالحديث عن تسوية والترويج لمبادرة إيرانية وأخرى روسية وبالتخلي عن الأسد لكسب الوقت وتخفيف الضغط العسكري عن دمشق؟

- للأسف لن تتوافر شروط ولادة حل سياسي حقيقي في سورية ما لم يحصل توافق دولي وإقليمي على هذا الأمر، وهذا غير متوافر حتى الآن. فالقضية صارت - وبكل ألم نقول ذلك - بين الدول وبأيديها. لذلك فإن ما يجري ليس أكثر من تقطيع للوقت وشكل جديد من أشكال إدارة الأزمة ومحاولة للظهور بمظهر الفعل والاقتدار تَستُّراً على سياسات مخفقة أو تبريراً لها، ما دام أن الثمن يدفعه السوريون وحدهم. ومَن يمكن أن يتصوّر أن إيران التي وضعت نفسها في خانة العداء للشعب السوري، يمكن أن تحقق حلاً سياسياً يتجاوب معه السوريون ويحقق وجوداً فعلياً على الأرض؟ وهذا ينطبق على السياسة الروسية أيضاً.

* كيف يمكن إضعاف «داعش» والقوى الجهادية لا سيما وأن بعضها يسعى إلى التقسيم، وما دور الائتلاف في ذلك؟

- ما دام الإرهاب مشروعاً سياسياً أولاً، فلن تتم هزيمته والقضاء عليه بغير مشروع سياسي أيضاً، يكون وطنياً وشاملاً ويلاقي طموحات الشعب السوري وأهدافه، لتتحقق مشاركة السوريين في الحملة ضد الإرهاب. طريقة واحدة تقضي على الإرهاب ولا شيء غيرها هي إسقاط النظام وغياب بشار الأسد عن المسرح. فهو مَن أوجد «داعش» ومثيلاته من منظمات التطرف والإرهاب. استقدم بعضها بطلبه أمثال (حزب الله) وميليشيا أبو الفضل العباس وعصائب أهل الحق والحرس الثوري الإيراني، واستجرّ بعضها الذي جاء كردّ فعل على إجرامه وصمت المجتمع الدولي مثل «داعش» وأخواته. ولأن الشعب السوري بأكثريته أبرز ضحايا الإرهابين معاً (معظم ضحايا داعش من العرب السنّة) فهو المعني بمحاربة الإرهاب. وبالفعل قوى الثورة هي التي حاربت وتحارب (داعش) فعلياً وجدياً، وأخرجته من العديد من المناطق. بينما ينسحب النظام أمامها، ويسلّمه أجزاء من البلاد وثرواتها. ولا يعمل التحالف الدولي غير إلقاء القنابل وتدمير المقرات، وهذا لا يقضي على (داعش) بل يؤدي إلى انتشاره وربما على تحقيق شعاره «باقية وتتمدد». ويجب أن يكون واضحاً للجميع أنه لا يمكن هزيمة (داعش) والإرهابيين من الخارج مهما بلغت قوة الضربات، ولا يمكن أن يتم ذلك على يد الأقليات مهما تزوّدت بأسباب الدعم.

* ماذا عن وضع المسيحيين والأقليات الأخرى في سورية في ظل الحرب الدائرة هم الذين يعيشون حالة خوف من النظام ومن بعض معارضيه المتطرفين؟ وكيف تنظر إلى مستقبلهم ودورهم في سورية لا سيما وأن بعضهم يرى الحل في الهجرة؟

- يؤلمني شخصياً هذا السؤال المُر الذي يتكرر على مسامعي دائماً. فالأكثرية في بلدنا تُقتل، وأبناء المسلمين تُهدر دماؤهم كل يوم، والسؤال هو عن مصير الأقليات والقلق على وضع المسيحيين والأقليات الأخرى. فأي منطق أو عدل في ذلك؟ المسيحيون والأقليات الأخرى جزء من الشعب السوري، وليس لأحد أن يستغرب أو يستكثر إذا نالهم ما ينال الشعب السوري من طرف إجرام النظام ومن طرف إرهاب المتطرفين ومنظماتهم. ومع ذلك، أين هي المخاطر الخاصة والمميزة التي تتعرض لها الأقليات؟

المنقذ الوحيد للأقليات والأكثرية أي للسوريين جميعاً، والذي يوفر لهم الأمن والسلامة والاستقرار في بلادهم وعلى أرض آبائهم وأجدادهم هو الخلاص من النظام. لأن ذلك يؤدي عملياً وبسرعة للخلاص من التطرف والإرهاب. فالنظام الذي لم يعد يستطيع حماية نفسه، لم يعد معنياً بحماية أحد، ولن يستطيع توفير الحماية للأقليات كما يدّعي ويتوهم البعض، بما في ذلك الطائفة العلوية التي جعلها وقوداً في حربه على الشعب السوري وهدر دم شبابها من أجل سلطته.

وكما كانت سورية بعد الاستقلال في منتصف القرن الماضي دولة مدنية ديموقراطية تعددية شاركت الأقليات في صنعها مثلما شاركت الأكثرية، ولم يكن لديها قضية للمسيحيين على الإطلاق، كذلك ستكون سورية الجديدة وطناً حراً لكل أبنائها. فسورية بلد المسيحيين مثلما هي بلد المسلمين، وبلد الكرد والسريان الآشوريين مثلما هي بلد العرب وجميع الأقليات القومية والدينية الأخرى. فبلد ينتخب يهودياً في عضوية أول برلمان بعد الاستقلال 1947، وينتخب مسيحياً لرئاسة الحكومة والبرلمان مرات عدة هو فارس الخوري، ويستأمنه المسلمون على أن يكون وزيراً لأوقافهم، بلد لا يُخشى منه ولا يُخشى عليه. وما كانت الهجرة في أي وقت من الأوقات، ولن تكون الحل.

* ما معلوماتكم عن لقاء علي المملوك في السعودية وهل في رأيكم يمكن أن يتخلى الأسد عن (حزب الله) وإيران؟

- بالتأكيد نبدي عدم ارتياحنا، بل نبدي قلقنا من الزيارات التي يقوم بها جلاوزة النظام إلى بعض دول الخليج مثلما حصل في جدة وعمان. لأننا نعول كثيراً على دعم إخوتنا في دول مجلس التعاون الذين كانوا في صف الثورة السورية من اليوم الأول. أما عن الأسد فقد أصبح طريدة في قفص إيران و(حزب الله)، وليس له من الأمر شيء إلا تنفيذ التعليمات والقرارات التي تصدر عن نظام الملالي في طهران، وعبر زيارات قاسم سليماني السرية والعلنية لدمشق. فنظام آل الأسد من أدوات السياسة الإيرانية ومرتكزاتها في المنطقة. لذلك فإن انتصار الثورة السورية يحقق الحرية والكرامة للسوريين، لكنه في الوقت نفسه يحول دون أن تبقى سورية مقراً للنفوذ الإيراني وممراً لوصوله إلى بلاد العرب. والسوريون اليوم يدافعون عن أنفسهم وعن عروبة المنطقة ضد الغزو الإيراني.

* ما شروط المبادرة لإنجاح الحل السياسي في سورية وما الأفكار التي توافق عليها المعارضة في ظل ترويج النظام لأفكار المبادرة الإيرانية بعد زيارة ظريف للمنطقة؟

- ببساطة الحلّ بالالتزام الكامل نصاً وروحاً ببيان جنيف وبهيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية والتي لا تبقي لبشار الأسد أي دور في المرحلة الانتقالية وفي مستقبل سورية. فهذا هو الطريق الوحيد الذي يوجّه للسوريين رسالة واضحة مفادها أن زمناً جديداً ينفتح على البلاد من أجل أن تقرر مصيرها بيد شعبها بعد طول استبعاد واستعباد، وهذا ما سيساعد المعارضة على إقناع المقاتلين بأن تضحياتهم لم تذهب هدراً. فرحيل الأسد ضرورة لا غنى عنها لولادة حل سياسي، يقف على قدمين، ويفتح الباب لإعادة بناء البلد بشراً وحجراً، مجتمعاً ودولة ومؤسسات، بلاداً ومواطنين.