• تشكل «المياه الرمادية» 50 في المئة من إجمالي استخدامات المساكن والمرافق
• عملية معالجة هذه المياه سهلة وغير مكلفة لأن نسبة تلوثها قليلة جداً
• يمكن استخدامها في غسيل السيارات وري المزروعات ومصدّات الغبار وحقن آبار النفط
أبرزت المشاكل الأخيرة الناجمة عن تراكم الرمال الناعمة، التي تحملها الرياح، والتي غطت الكثير من أجزاء الشوارع والطرق النائية، وما نتج عن ذلك من حوادث مؤلمة في بعض الحالات وتعطيل لحركة المرور بشكل عام، أبرزت الحاجة إلى التفكير بجدية في إحياء سياسة الأحزمة الخضراء، وذلك للعمل كمصدات طبيعية للغبار تستطيع أن تمنع زحف الرمال وتراكمها بتلك الطريقة الكارثية.
وهناك ميزات أخرى ناتجة عن تلك المصدات الطبيعية، مثل المساهمة في تنظيف وتلطيف الأجواء بشكل عام، وإثراء الحياة البرية والفطرية وإمكانية استغلال الفراغات فيها للإنتاج الثمري (زيتون – تمور) واستغلالها كمنتزهات طبيعية.
وقد كانت هناك تجارب سابقة قامت بها الدولة لإنشاء أحزمة خضراء بالاعتماد على النباتات المقاومة للجفاف والحرارة الشديدة وباستخدام مياه المجاري غير المعالجة لري هذه الأشجار، إلا أن تلك الجهود قد تلاشت واضمحلت مع الوقت وبدون أي بوادر لتقييم تلك التجربة ودراستها والاستفادة من النتائج التي تم تحقيقها تمهيداً لتطويرها حتى بدأ ناقوس الخطر يدق الآن وبشدة، نتيجة للتمدد العمراني الأفقي على مساحة كامل الكويت ودخول المناطق النائية ضمن تصنيف المناطق الحضرية المأهولة، مما جعل المسألة تتصل اتصالاً مباشراً بالحياة اليومية للمواطنين، خصوصاً وأن الحكومة ماضية في تطبيق سياستها لإعمار المناطق النائية، مما ساهم في تسريع جهودها لإعمار تلك المناطق البعيدة (صباح الأحمد والخيران والوفرة والمطلاع)، مما يدفع بهذه المشكلة لتصبح ضمن الأولويات المتقدمة للدولة لحماية هذه المدن من زحف الرمال.
وقد أوضحت المخططات المبدئية للمدن الجديدة، الاهتمام الجدي للحكومة لإنشاء أحزمة خضراء محيطة بهذه المدن لحمايتها من الغبار ومن زحف الرمال، ولتحسين الطقس بصفة عامة، خصوصاً وأن هذه المدن محاطة جميعها بمسطحات صحراوية ممتدة لمساحات شاسعة، تجعل من هذا الموضوع أمراً حيوياً نتيجة لسهولة زحف الرمال عليها، مما يهدد بإتلاف الكثير من الطرق وتعطيل البنية التحتية في هذه المدن، وما يترتب على ذلك من مصاريف عالية للإصلاح والصيانة، ومع ذلك فإن القائمين على المكاتب الاستشارية التي قامت بإعداد المخططات والتصاميم كانوا جميعاً متأكدين من عدم توفر المياه الكافية، ويتساءلون عن مصدر المياه اللازمة لإنشاء هذه الأحزمة الطبيعية الخضراء، مما سوف يجعل هذه المخططات مجرد نوايا مرسومة على الورق وغير قابلة للإنجاز.
أهمية الموضوع وتأثيره المباشر على نشأة المدن الجديدة، يثير التساؤلات عن البدائل المتوافرة لتوفير المياه اللازمة لري تلك المصدات الطبيعية والتي يمكن أن تساهم في حل هذه المشكلة المتفاقمة، ولعل من أبرز الحلول التي يمكنها المساهمة بذلك هو استغلال ما يسمى بالمياه الرمادية لاستخدامها كمصدر أساسي لري مناطق التخضير لحماية هذه المدن من زحف الرمال.
ما هي المياه الرمادية؟
يمكن تعريف المياه الرمادية بأنها تلك المياه الناتجة عن الاستخدامات المتعددة في المساكن والمرافق العامة الأخرى في عمليات غسيل الملابس وغسيل الأواني المنزلية ومياه الاستحمام وغسل الأيدي والوضوء، ولا تشمل هذه المياه تلك الناتجة عن المجاري والمحتوية على الفضلات الآدمية، وتشكل المياه الرمادية عادة ما لا يقل عن 50 في المئة من إجمالي استخدامات تلك المرافق.
وبالرغم من احتواء المياه الرمادية على نسبة من الشعر والصابون والدهون وفضلات الطعام، إلا أن معالجة تلك المياه هي عملية سهلة وغير مكلفة نظراً لأن نسبة تلوثها قليلة جداً مقارنة بمياه المجاري.
أ - استخدامات المياه الرمادية
كما ذكرنا، فإن التقديرات تشير إلى أن كمية المياه الرمادية المستخدمة في المنازل والمرافق العامة تشكل ما نسبته 50 في المئة تقريباً، وهي بذلك تعتبر مصدرا أساسيا للتوفير في كميات المياه المستخدمة يومياً، إذا ما تمت تنقيتها وتدويرها وإعادة استخدامها بالصورة الصحيحة، حيث يمكن استخدامها في:
1 - إعادة ملء سيفونات المراحيض (تشكل النسبة الأكبر في الاستخدام اليومي للمياه العذبة حاليا)
2 - غسيل السيارات
3 - ري المزروعات ومصدات الغبار
4 - عمليات الغسيل العامة للمباني والطرق
5 - استخدامات حقن آبار النفط
6 - استخدامها في أبراج التبريد (chillers) في المباني العامة والمجمعات الكبيرة (تحتاج إلى تنقية متقدمة).
وبذلك، فإنه يمكن توفير كميات كبيرة من المياه العذبة المستخدمة حالياً في تلك الأغراض عن طريق تدوير وتنقية وإعادة استخدام المياه الرمادية لتلك الأغراض، إلا أنه لا يجب استخدام تلك المياه لأغراض الشرب.
ب - آلية التنقية وإعادة التدوير:
هناك خطوات محددة يمكن اتباعها لتنقية المياه الرمادية حيث تتلخص بالتالي:
1 - ضخ المياه إلى فلاتر خاصة لفصل وتجميع الفضلات الصغيرة غير القابلة للذوبان والتي تحتويها تلك المياه بحيث تجمع تلك الفضلات، ويعاد ضخها في شبكة المجاري العامة.
2 - تضخ المياه الناتجة إلى فلاتر خاصة بالمعالجة البيولوجية، والتي تحتوي على بكتيريا خاصة تتفاعل وتلتهم أي عوالق مثل الدهون والفضلات المتناهية الصغر والصابون وأي مواد عضوية أخرى
3 - يتم ضخ المياه الناتجة عن المعالجة البيولوجية إلى فلاتر ذات أغشية متناهية الصغر (Microscopic membrane) (خطوة اختيارية عند الحاجة في حال استخدامها لأبراج التبريد).
4- يتم تمرير المياه تحت الأشعة فوق البنفسجية (Ultraviolet)، والتي تعطي تعقيماً إضافياً لتلك المياه (خطوة اختيارية عند الحاجة)
5 - تتم إضافة مادة الكلور إلى المياه وذلك لحمايتها من التلوث أثناء تخزينها.
6 - تخزين المياه في خزانات خاصة لإعادة استخدامها وضخها في شبكة التوزيع.
وتتميز هذه الخطوات بأنها لا تحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة ولا تستهلك طاقة كبيرة وتكاليفها تقل كثيراً عن تلك المستخدمة لتقنية مياه المجاري.
ج - إجراءات وخطوات التنفيذ:
1 - تعديل التصاميم الحالية لشبكات المجاري بحيث يمكن فصلها إلى شبكتين، الأولى للمجاري العامة والثانية للمياه الرمادية. (يمكن البدء بذلك فوراً في المدن الجديدة)
2 -إنشاء خزانات خاصة لتجميع المياه الرمادية ثم ضخها إلى نظام المعالجة.
3 - إنشاء محطات معالجة محلية لكل منطقة وذلك لتقليل التكاليف المترتبة على إنشاء شبكة عامة للدولة.
4 - إنشاء خزانات خاصة لتجميع المياه بعد معالجتها.
5- إعادة ضخ المياه بعد معالجتها من خزانات التجميع إلى شبكة توصيل المياه إلى المنازل مرة أخرى (يمكن إعادة استخدام شبكة المياه الصليبية الحالية أو إنشاء شبكات جديدة في المناطق الجديدة).
6 - إنشاء محطات معالجة صغيرة للمباني العامة الجديدة، التي يتم إنشاؤها في المناطق القديمة (الوزارات، الفنادق، المجمعات التجارية، المساجد...) وذلك لإعادة استخدام المياه الناتجة عنها أو ضخها في شبكة المياه الصليبية.
إن جميع ما ذكر سابقاً هو مبادئ عامة وخطوط عريضة تشرح عمل النظام وآلية تنفيذه، ولا يوجد أي شك بأن هذا النظام سوف يقلل كثيراً من استخدام المياه العذبة حالياً، والتي تكلف الدولة مبالغ كبيرة ترهق الميزانية، كما أن هذا النظام يوفر مصدراً قليل التكلفة، يوفر حلاً مباشراً لعملية توفير مياه الري اللازمة لإنشاء الأحزمة الخضراء، وهي مسألة حيوية على مستوى الدولة ويمكن أن تغير وجه الكويت بصفة عامة.
والمطلوب هو تكاتف جهود الجهات المختصة مثل وزارة الكهرباء والماء ووزارة الأشغال العامة والهيئة العامة للزراعة ومعهد الأبحاث وجامعة الكويت والهيئة العامة للبيئة، وجميع المختصين في هذا المجال، وذلك للمسارعة إلى الاهتمام بهذا الموضوع ووضع خطة عملية تفصيلية لوضعه موضع التنفيذ.
[email protected]Twitter: هاني سعود المير