تحدثوا عن نزولهم إلى ساحات التظاهر وانخراطهم في الحراك الحالي

فنانون لبنانيون لـ «الراي»: نحن من الشعب... ومعه

1 يناير 1970 03:34 م
• ميكايلا: أشارك في التظاهرات لأنني مواطنة وصوتي يصل أكثر من غيري

• زين العمر: أنا مع الشعب «المعتَّر» ... و«الأزعر» لا مكان له بين «الأوادم»

• غسان صليبا: على الفنان الوقوف في جانب الناس ودعمهم ضد الظلم

• هشام الحاج: شاركتُ في الحِراك الحالي خاصةً لمطالبته بحقوق الناس

• ميشال أبو سليمان: لا يعقل أن يتحول أمراء الحرب إلى أمراء السلطة!
الفن مرآة المجتمع... فماذا عن الفنانين أنفسهم؟

سؤال أجاب عنه - بجرأة وعفوية - عدد لا بأس به من الفنانين اللبنانيين، عندما اندفعوا إلى المشاركة في التظاهرات والتحركات التي شغلت وسط بيروت، بل لبنان قاطبةً في هذه الأيام، وربما ستشغله أياماً طويلة آتية!

الفنانون - كما اللبنانيين جميعاً - نزلوا إلى الميدان، وتنازلوا عن بريق النجومية وكلمات «الاستديوهات» المعدَّة سلفاً، والمحسوبة بمقياس الذهب، وانطلقوا مع الحشود الملتهبة تحت عناوين مختلفة وشعارات ساخنة «غير سابقة التجهيز»، وانصهروا مع الأطياف التي تنوعت من مختلف الأعمار والجهات والانتماءات السياسية والفئوية، ملبين نداءات مجموعات من المجتمع المدني، تحت ضغط أزمة «النفايات» التي قصمت ظهر السياسة في لبنان... مثلما أقضت مضاجع الشعب أيضاً!

«الراي» اصطحبت الفنانين المحتشدين منذ اليوم الأول، فأعربوا - في أحاديثهم معها - عن تفاؤل بالقدرة على إحداث الفارق، مؤيدين مطالب محاربة الفساد، وتغيير الطبقة السياسية الحاكمة، وداعمين «صحوة» قسم من اللبنانيين الذين كسروا حاجز الخوف ونزلوا إلى الساحات بشكل عفوي، رافعين العلم اللبناني بعيداً عن إملاءات الزعامات والمرجعيات والأحزاب السياسية.

الفنانون تحدثوا إلى «الراي» عن رؤيتهم لحملة «طلعت ريحتكم»، التي أشعلتها «تلال» النفايات في لبنان، منذ يوم 29 أغسطس الماضي، لكن كلامهم كشف عن أن النفايات لم تكن سوى الجزء القليل الظاهر من «جبل» المشاكل اللبنانية، تلك التي خرج الناس (وبينهم الفنانون) للبحث عن حلول لها... في «ساحة الشهداء»!

في البداية تحدّث الفنان غسان صليبا عن مشاركته في التظاهرات التي ألهبت حرارة وسط بيروت، وهو الذي غنى للثورة، وعبّر عن هموم الناس ومشاكلهم من خلال أغنياته التي تعكس الواقع الذي يعيشه اللبنانيون اليوم مثل «لمعت أبواق الثورة» و«أهل الأرض» و«قوّي قلبك وهجوم يا بتوصل على الموت يا بتوصل على الحرية».

صليبا قال: «كل هذه الأغنيات تعبّر عن واقعنا، ولكننا لا نريد أن نصل إلى الموت، ولا نريد الأذى، بل نطمح إلى أن نحقق ما نرغب في الوصول إليه سلمياً. فنحن لا نريد دماً، مضيفاً: «هلكونا بالحروب».

واعتبر صليبا «أن الإحباط والقهر والظلم الذي يعيشه الشعب اللبناني وعدم حصوله على أبسط حقوقه، من أهم الأسباب التي دفعت الناس إلى التحرك والتظاهر»،

مردفاً: «السياسيون يفضحون أنفسهم بالفساد وهدر المال والمحاصصة، وجاءت مشكلة النفايات لتجعل الناس ينفجرون وينزلون إلى الشارع بكل عفوية حاملين راية واحدة هي العلم اللبناني، ومن دون دعوة من أي زعيم طائفي أو سياسي للتحرك أو التظاهر».

وتابع: «كرة الثلج ستكبر إذا لم يتدارك السياسيون الأمر، ولم يجدوا حلاً جذرياً لمطالب الناس، والمطلوب إقرار قانون انتخابات عادل ومنْع الفساد في شكل جذري»، مكملاً «أن المواطن اللبناني يكون عرضة للبهدلة كلما أراد إنجاز أي معاملة، في أي دائرة رسمية. وبسبب السمسرات والرشا يضطر إلى دفع 10 أضعاف قيمة الفاتورة التي يفترض أن يدفعها»، وزاد:«أما السياسيون فيتسلون بالناس ويستخدمونهم وقت الحاجة، وهم تحوّلوا إلى أسرى للمال والسلطة، ولا بد من وضع حدّ لكل هذه الممارسات».

وواصل صليبا: «أنا شخصياً متفائل، بل أكثر من متفائل بمستقبل التحركات، لأن الناس نزلوا إلى الشارع وتظاهروا بشكل عفوي، ومن دون خوف، وهذا الأمر جعل الخوف يدبّ في قلوب السياسيين والمسؤولين»، مشيراً إلى «أن مشكلة النفايات جعلت كل اللبنانيين يثورون ويحتجون، لأنها أصابتهم وآذتهم جميعاً ومن دون استثناء»، موضحاً «أن مشكلة النفايات (التي تعد الجزء الظاهر فقط من جبل المشكلات اللبنانية) فضحت الطبقة الحاكمة بعدما كان أركانها يتسترون بعضهم على بعض»، مستطرداً: «في السابق كانت فئة من اللبنانيين تصدّق كذبهم وفئة أخرى لا تصدّقها، وجاءت مشكلة النفايات وكشفت تواطؤهم، ووجدوا أنفسهم عاجزين عن التستر عليها».

وعن موقفه من دعم وزير الداخلية نهاد المشنوق للتحرك في حين يطالب الناس باستقالته، قال صليبا: «المسؤولية لا يتحملها الوزير نهاد المشنوق وحده، وما حصل في الشارع هو نتيجة تراكمات عمرها سنوات طويلة. أنا لا أُحمِّل المسؤولية لوزيريْ البيئة والداخلية، واليوم كبار الزعماء وأصحاب النفوذ (عم بيلحّقوا حالن) من خلال إعلان تضامنهم مع الشعب، ولكن الأوان فات لأن الموضوع تجاوزهم».

ولفت صليبا إلى أنه لا يمكن أن يتوقع شيئاً بالنسبة إلى ما يمكن أن تسفر عنه الاحتجاجات، مضيفاً: «أنا أحكم على الواقع، وما حصل هو انتفاضة شعبية و(فشّة خلق)، بعدما وصل الناس إلى مرحلة يريدون فيها التعبير بأي طريقة كانت، لأنهم تعبوا و(قرفوا) ويريدون التخلص من هذا الطقم السياسي الذي يحكمنا ويتحكمّ فينا منذ أعوام طويلة.

نحن نريد التغيير ونريد شباباً نظيفين يحكموننا)، وهل يجب أن تحكم الطبقة الحالية كل العمر؟».

وشدد على أهمية وجود الفنانين في التحركات، قائلاً: «الناس يحبون الفنان ويتأثرون به لأنه يقدّم لهم الفرح. وفي وقت الشدّة يجب أن يكون إلى جانبهم وأن يدعمهم ويناصرهم ضد الظلم. هو في النهاية من الشعب، يشعر به ويتفاعل معه. الفنان قدوة وصوته لخدمة الناس».

من زاويته أكد الفنان زين العمر أنه يقف إلى جانب كل مواطن لبناني يطالب بمعالجة الفساد، مردفاً: «أنا مع الشعب (المعتر) والمظلوم والكادح. لقد (طمونا بالزبالة) وهذا يكفي! في لبنان لا توجد كهرباء ولا ماء ولا إنماء، بل سرقة وهدر وتهجير للفكر وللشباب والصبايا».

وأكمل: «أنا أطالب بتحقيق العدالة وإعادة بناء الوطن على أيدي رجالاته المخلصين، وأن تعطَى فرصة للشباب وأن يتم إقرار قانون انتخاب يمثل الجميع، والتأكيد على انتخاب رئيس للجمهورية من الشعب، وتشكيل حكومة تمثل الجيل الشاب ويشارك فيها شباب لبنان»، مضيفاً: «وديع الصافي ونصري شمس الدين وفيروز والرحابنة والصبوحة، صنعوا مجد لبنان وغنوا له وكتبوا عنه، باعتباره رمزاً من رموز الجمال في الكون، فهل يعقل أن يكون شعبه مقهوراً؟»، ومستدركاً:

«لكن في لبنان طبقة سياسية فاسدة وطبقة سياسية صالحة، و(الأزعر) لا مكان له بين (الأوادم)، وكذلك يجب أن نعترف لـ (الآدمي) بفضله وقيمته».

وبين إمكان أن تتحقق مطالب المتظاهرين، وأن يشعروا بالملل وينسحبوا من الشارع، قال: «نحن نؤمن بأن الله معنا، ولن يتركنا، ولن يترك لبنان وشعبه. وأنا آمل أن يصرخ صوت الحق في وجه الظالمين والفاسدين. ما أوصلنا إلى الوضع الحالي هو السكوت طويلاً عن الخطأ، واللبنانيون سكتوا لأنهم شعب طيب، وقد صدّقوا السياسيين».

زين العمر تابع: «لبنان يجب أن يكون فوق الجميع، وألا يعلو أي صوت فيه فوق صوت الوطن والشعب. أنا لست محللاً سياسياً، ولكنني كمطرب لبناني، يغني لوجع الناس وفرحهم، وقفتُ إلى جانبهم كأي مواطن عادي»، مواصلاً: «الحكّام يسكنون في برج عالٍ، ويجب أن ينزلوا عنه، وأن يستمعوا إلى مطالب الشعب كي لا يحصل معهم ما حصل مع غيرهم في دول أخرى».

ونفى زين العمر أن يكون أحد طلب منه النزول إلى الشارع، قائلاً: «لم يطلب مني أحد شيئاً. لبنان هو مرجعيتي. وأنا بإمكاني أن أعيش في أهمّ بلد في العالم، لأنني مرتاح على جميع المستويات، وكان بإمكاني السكوت وألا أرفع صوتي، لكن مَن يسكت عن الخطأ والفساد هو شيطان أخرس ومشارِك في الجريمة. النجومية تسقط عند صوت الشعب، ونحن أصبحنا نجوماً بفضل هذا الشعب. أتمنى أن تحصل معجزة تعيد لبنان إلى الجادة»، مواصلاً: «لأن اللبناني ما بيلبقلو يعيش هيك».

وعما إذا كان يؤيد الفنانين الذين يدعمون التحركات عبر «تويتر» و«فايسبوك»، ووسائل الإعلام المشابهة، قال: «مَن يحب لبنان يرفع الصوت في الشارع، وليس وهو موجود في بيته، وهو يأكل حبات (البوب كورن) في منزله. كل فنان حر في التعبير بالطريقة التي يريدها، ولكننا في النهاية كلنا مواطنون لبنانيون».

في هذا السياق قالت الفنانة ميكايلا إنها تشارك في التحركات لأنها مواطنة لبنانية، ومضيفةً: «أنا أعاني مثل كل الشعب اللبناني. وأشارك في التظاهرات لأنني مواطنة وليس لأنني فنانة، ولأنني أعرف أن صوتي يصل أكثر من غيري، ولأن هناك قضية عنوانها محاربة الفساد واستعادة حقوقنا وكرامتنا»، مبينةً «أن التحركات بدأت عفوية، ثم جرى تنظيمها لاحقاً، وصار عدد المتظاهرين أكبر، وهذا يؤكد حجم معاناة الشعب اللبناني بأسره».

وعن تصورها لمستقبل التظاهرات، أجابت: «لا أعرف. أنا لا أجيد التحليل في قضايا السياسة، ولكن ما أعرفه وأشعر به، أنه أصبح هناك وعي كبير في عقول الناس، ومن ثم يجب أن يرفضوا الظلم الذي يلحق بهم. وعندما نصل إلى إقرار قانون انتخاب جديد، الناس الذين نزلوا إلى الشارع لن يعيدوا انتخاب الوجوه القديمة نفسها، وربما يسقطون أوراقاً بيضاء في صناديق الاقتراع، أو ربما يطالبون بوجوه جديدة، وهذا يعني بداية التغيير».

وعن تفسيرها لعدم مشاركة بعض الفنانين في التظاهرات قالت ميكايلا: «هناك فئة من الفنانين تنتمي الى أحزاب معينة ولا يمكنها المشاركة،

وفئة ثانية تربطها مصالح ببعض رجال السلطة، وفئة ثالثة تطمح للوصول إلى البرلمان، وفئة رابعة تحفظ خط العودة، لأنها تخاف من ألا تحقق التحركات أهدافها، ومن ثم ترى أن نزولها إلى الشارع وشتمها أو انتقادها للطبقة السياسية سيلحق بها الأذى، وثمة فئة خامسة لا تكترث بما يحصل، لأنها تملك المال ومولدات الكهرباء، وجوازات سفر تسمح لها بأن تعيش في الخارج»!

في الإطار ذاته أوضح الفنان هشام الحاج أنه نزل إلى الشارع لأنه شعر للمرة الأولى «بأن هناك حركة شعبية تحاكي وجع الناس وتلامس همومهم، وهي حركة غير مسيّسة ولا تنتمي إلى طرف بعينه، بل إلى الشعب كله»،

مضيفاً: «أنا كفنان لا أشارك في أي تظاهرة سياسية، ولكن التظاهرات الحالية تطالب بحقوق الناس، وهذا هو ما دفعني إلى المشاركة فيها. أولاً لأن (طلعت ريحتهم) شعار يحكي أمراً صادقاً وواقعياً، حتى أننا أصبحنا في الفترة الأخيرة نشعر بالخجل بسبب النفايات المنتشرة في كل مكان في لبنان في عزّ الموسم السياحي»، ومتابعاً: «صرنا بدلاً من أن ننتظر لبنان الأخضر الذي نفاخر به، وأن ندعو الناس إلى زيارته وقضاء فصل الصيف فيه، أصبحنا نضع رؤوسنا في الأرض بمجرد الوصول إلى مطار بيروت. والأمر الثاني أنه لم يتحقق أي مطلب شعبي منذ 40 عاماً وحتى اليوم».

وعن النتائج التي يمكن أن تسفر عنها التحركات الشعبية، قال الحاج: «بالنسبة إلى التركيبة السياسية في لبنان، فالكل يعرف أننا لا يمكن أن نغيّرها في الوقت الراهن، لأننا لا يمكن أن نبني وطناً من دون وجود حكومة، كما أننا نريد انتخاب رئيس جمهورية»، مواصلاً: «المطلوب أولاً تحقيق مطالب الشعب، والضغط على أي حكومة حالية ومستقبلية. وأنا من خلال مشاركتي في التظاهرات لمستُ أن الطبقة السياسية تبدو كأنها بدأت تعيد حساباتها».

في هذا المضمار اعتبر الممثل ومقدم البرامج ميشال أبو سليمان أن استمرار التحركات هو العامل الأساسي الذي يساهم في أن تحقق التظاهرات أهدافها، مضيفاً: «يجب أن نستمر بالقوة نفسها وبأعداد أكبر، كما يتعين أن ننحي جانباً كل انتماءاتنا، وأن نكون (لبنانيين) فقط، بعيداً عن طوائفنا وأحزابنا. ولذلك يجب أن نتخلى عن كل مَن ينتمي إلى حزب ويحب زعيماً معيناً، لأن كل الحكام فاسدون، ولأن كل الأحزاب في لبنان أكدت أنها فاشلة،

ومن هنا يجب أن ينزل اللبنانيون إلى وسط بيروت بوصفهم مواطنين لبنانيين فقط»!

وعن توقعاته في ما يتعلق بالأهداف التي يمكن أن تحققها تحركات وسط بيروت، أجاب أبو سليمان: «ينبغي أن يُستجاب لكل المطالب المحقة، علماً أنه كان يجب أن تتحقق منذ 30 عاماً»، متابعاً: «يجب أولاً أن يتوقف السياسيون عن الكذب على الناس، وأن يتوقفوا عن إهانة ذكائنا أو استغبائنا - بالأحرى - كمواطنين. فكل السياسيين انفضح أمرهم، ولم يعد بإمكانهم التمادي أكثر، لأن في ذلك أكبر إهانة لنا»!

وتابع: «مَن يتسلح بالكرامة ويرفض الإهانة يجب أن ينزل، كي يشارك في التحركات، مهما كان انتماؤه الحزبي. نحن تحملنا كثيراً، وجاءت مشكلة النفايات لتكون الشعرة التي قصمت ظهر البعير».

وأكمل: «سأقولها من دون خوف، يجب ألا نغفل الناحية الإجرامية الموجودة في الطبقة السياسة. هؤلاء يمكن أن يقتلوا إذا أقدم أحد على مضايقتهم. لا يُعقل أن يصبح أمراء الحرب هم أنفسهم أمراء السلطة. لا يمكن لمن يصنع الحرب أن يصنع السلام، لأن رجال السلام يختلفون تماماً عن رجال الحرب».

وشدد أبو سليمان على ضرورة عدم تسييس التحركات حفاظاً على أهدافها، مواصلاً:

«يجب (تزنير) التحركات ومنْع السياسيين من الاقتراب منها. كل مطالبنا محقة، ويجب أن تتحقق ما دمنا نزلنا إلى الشارع. ولكن بالنسبة إلى السياسيين، لا يمكن أن نغيّرهم مرة واحدة، ولذلك لا بد من أن تكون هناك انتخابات نيابية حقيقية، وأن يُنتخب رئيس للجمهورية من الشعب، وبعدما تتحقق هاتان الخطوتان، سيتغيّر كل شيء».