هل من أمل بالتغيير؟
| حسين إبراهيم |
1 يناير 1970
06:09 ص
هل سيأتي يوم لا نعود فيه نحن اللبنانيين نهاجر إلى بلاد الله الواسعة؟
هذا السؤال حضرني، بينما كنت أراقب على شاشات التلفزة التظاهرات الشعبية الأخيرة التي فجّرتها في بيروت قضية النفايات.
كنت أمضي إجازتي السنوية في لبنان، قبل وقت قصير من بدء هذه التظاهرات، وكانت النفايات بدأت تتكوّم في الشوارع. وعاينت خلال الأيام القليلة التي تردّدت فيها الى بيروت، كم هو صعب العيش في ظل هذه الظروف، لا سيما وان مشكلة النفايات، تصاحبها مشكلة مزمنة في الكهرباء وثالثة في المياه ورابعة في الاتصالات والطرق، وخامسة في غلاء الأسعار غير المتناسب أبداً مع معدل دخل الفرد في لبنان، وغيرها كثير.
منذ زمن طويل لبنان ينتج أجيالا، ثم يهجّرها إلى الخارج، والسبب هو التركيبة الطائفية للبلد الطاردة لقليلي الحظ من أبناء الطوائف، اضافة الى الحرية النسبية التي لولاها لما استطاع اللبنانيون الهجرة، ولكانوا سجنوا في وطنهم كما حصل في دول كثيرة لم تكن امكانية المغادرة فيها سهلة.
خلال الحراك، خرج من بين المشاركين فيه من يقولون ان الحراك منحهم أملاً بالبقاء في وطنهم وعدم الاضطرار الى مغاردته. وانا نفسي، تملكني شعور بأن بلدي الذي هجرته طوعا، أو هجّرني قسرا، لا فرق، قد يتسع لي أنا ايضاً في يوم من الأيام.
من الشعارات الرئيسية التي طرحت خلال التظاهرات، المطالبة باسقاط النظام الطائفي، وهو بالفعل لب المشكلة، لانه يمنع بناء دولة تساوي بين مواطنيها في الحقوق والواجبات، حتى نظرياً.
والتاريخ في لبنان يقول ان الطائفية هي السبب الأول لهجرة اللبنانيين الى الخارج، وهي هجرة تناوبت عليها الاقليات التي تتكون منها البلاد في المئتي سنة الأخيرة على الاقل، اما لأنها كانت خائفة كجماعات بسبب الحروب والنزاعات، واما لأسباب اقتصادية كانت وما زالت تجعل الهجرة أفقية، أي تشمل الفئات الاجتماعية الأقل حظا في كل الطوائف والمذاهب والعرقيات.
الاعتراض اللبناني الأخير، هو اعتراض اوسع بكثير من كل المطالب الحياتية التي رفعها حول النفايات والكهرباء والماء وضآلة فرص العمل، وكان احتبس طويلا في صدور من قاموا به وغيرهم ممن لم يشاركوا فيه، وقبلهم آباؤهم واجدادهم، نتيجة ضعف الأمل بالتغيير، فآثروا في الماضي ركوب السفن، والآن الطائرات، والرحيل لبناء حياة أخرى في بلدان أخرى. انه احتجاج على تركيبة النظام الذي يتوارث الزعامة فيه الأبناء عن الآباء والأجداد، وعلى توزيع مغانم الحكم، مع التبرؤ التام من مسؤولياته وعواقبه، على أصحاب النفوذ في ما يسمى بـ «العائلات الروحية»، ولم يعد منه بدّ، بعدما فاحت الرائحة، وزكّمت الأنوف، ولم يعد جائزا ولا ممكنا السكوت عليها، فرفع المحتجّون شعاراتهم المبدعة التي تصل بسهولة إلى الإنسان البسيط مثل «طلعت ريحتكم» و»بدنا نحاسب» غيرها.
وإذا كان بعض الشخصيات والأحزاب من خارج النادي استطاع اختراق هذه التركيبة، ولا سيما قادة الميليشيات في الحرب اللبنانية التي دامت من 1975 إلى 1990، فإن هؤلاء لم يستطيعوا ان يحلّوا مكانها، فتحالفوا معها، وأصبحوا يضاهونها فساداً إن لم يكونوا أكثر فساداً منها، فزادت الرائحة الكريهة سوءا.
ولأن الحراك يلامس مكامن عميقة إلى درجة كبيرة في نظام الحكم اللبناني، اتضح من خلال التجربة أنه لا بد من معالجتها، اذا أريد لأي أمر أن يتحلحل، فإنه لن يكون سهلاً عليه الوصول إلى نتيجة، ولا سيما لجهة إحداث تغيير أساسي على هذا النظام، الذي اثبت مناعته وقدرته على النجاة من حروب وغزوات خارجية كثيرة، وهو لن يعدم وسيلة الآن لضرب هذا الحراك، لا سيما في ظل بحر الدماء العربي الذي يعيش لبنان في وسطه، وهو، أي النظام، قد تداعى إلى حوار بين أركانه، لعل القضاء على هذا الحراك على رأس جدول أعماله، ولو من خلال تلبية بعض مطالبه.
مع ذلك، لنأمل بأن الحراك سيكون من جانبه أكثر مناعة هذه المرة، متسلّحا بأن القناعة المزمنة السائدة بين اللبنانيين بأن التغيير صعب جداً ان لم يكن مستحيلاً، تقابلها قناعة لا تقل رسوخاً بأنه لا يوجد غير هذا الطريق، وغير هذا الحل للأزمات التي لا تنتهي.