هل تنجح محاولات سحب «الفتائل» أم أن «حصان» الشارع خرج من «الحظيرة»؟
لبنان ما بعد تظاهرة السبت ... خلاصات ومخاوف متعاظمة
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
05:25 م
خلاصات كثيرة وغموض أكبر ومعطيات متناقضة للغاية، سادت المشهد اللبناني، غداة التظاهرة الحاشدة التي شهدتها بيروت، أول من أمس، في يوم التهبت فيه الانفعالات التعبيرية للجموع المتظاهرة، بناء على دعوة هيئات شبابية مدنية، فيما نأت غالبية القوى السياسية بنفسها، عن هذا الحدَث، مكتفية بتسجيل مواقف متفواتة منه.
وفيما يطلّ الاسبوع الجديد على مجموعة استحقاقات ومحطات، منها استنئاف المساعي لمعالجة الأزمة الحكومية وتأمين عودة جلسات مجلس الوزراء الى الانعقاد، فإن الحراك الشعبي والشبابي سارع الى تحديد مهلة زمنية قصيرة لاستنئناف التحرك الاحتجاجي، واضعاً الحكومة تحت سيف ضغوط جديدة، لتلبية مطالبه الاولية، التي لن يكون سهلاً التجاوب معها، من مثل استقالة وزير البيئة محمد المشنوق، الأمر الذي يُبقي باب التصعيد الاحتجاجي مفتوحاً على الغارب.
في اي حال، بدت الحركة الاحتجاجية غداة تظاهرة السبت، في موقع توسيع قدرتها على التأثير، في ظل نجاح عمليات التعبئة الواسعة للناس للمشاركة في التظاهرة، التي استقطبت حشداً كبيراً، رسم معالم تطور هذا التحرك بسرعة كبيرة. إذ في غضون أسبوعين تقريباً، لم يكن ممكناً إنكار الطابع الاستثنائي الذي نجح فيه هذا التحرك، في جذب حشود بهذا الحجم، الى تظاهرة «ساحة الشهداء».
وعكس هذا الحجم التصاعدي للتحرك، المدى الفادح لاعتمال الأزمات الاجتماعية في لبنان، والتي كانت أزمة النفايات مفجّرها الحقيقي، في ظلّ العجز الفاضح عن إنهائها، واقتراح حلول جذرية لها، مع ما رافقها من افتضاح لواقع المحاصصات السياسية، التي فجّرت أكثر فأكثر العنوان الأكبر للتحرك الاحتجاجي على الفساد السياسي.
ومع ان غالبية القوى السياسية باتت تلتزم خطاباً داعماً مبدئياً لهذا التحرك، إلا أنه يبدو واضحاً، ان لبنان بدأ يتجه نحو تَمزُّق واقعي، بين حالة احتجاجية تَصاعُدية، صار يصعب تَوقُّع انحسارها او تَراجُعها، بعدما تنامت وتضخّمت بشكل سريع فاق التوقّعات، وبين موجبات حالة سياسية وأمنيّة، يمليها ستاتيكو أزمة الفراغ الرئاسي، والعجز عن إنهائها، بما يرتّب تداعيات، يخشى كثيرون ان تتحول الى مزالق أمنيّة تهدد الاستقرار الداخلي.
ذلك ان الوسط السياسي والرسمي بدا أمس، على جانب واسع من الإرباك، بل والضياع، أمام الوقائع التي يفرضها التحرك الاحتجاجي. فحتى في أزمة النفايات التي وضعها منظّمو التحرك الاحتجاجي في مقدم طلباتهم وشروطهم، تحت وطأة التهديد بخطوات تصعيدية في بيروت، وكل المناطق مساء الغد، ليس هناك بعد، ما يمكن للحكومة ان تقدّمه كحل سريع، تبرّد عبره الحمّى الاحتجاجية، حتى إذا طلب رئيس الحكومة تمام سلام مساعدة تركيا في هذه الأزمة، فسيحتاج الى وقت لبلورة اي مخارج في هذا السياق. كما أن من غير الوارد حتى الآن، ان يستجيب وزير البيئة لمطلب المتظاهرين بالاستقالة، وهو الذي أعلن انه ليس في وارد التخلي عن المسؤولية في هذه المرحلة الحساسة، لأنه أمر لم يعتده في حياته، لافتاً الى انه ليس المسؤول الوحيد عن أزمة النفايات، بل هناك مسؤوليات مشتركة.
وفُسّر كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق، في إطار الانطباع العام، بأن اي تغيير وزاري تحت وطأة الضغط في الشارع، سيفتح الواقع الحكومي على أفق خطير، يبدو ان جميع القوى السياسية لا تريده، بما فيها فريق «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، بدليل ان العماد ميشال عون نفسه، حيّد حركة أنصاره الاحتجاجية عن التحرك الشبابي الجاري، وحدّد الجمعة المقبل، موعداً لتحرّك تياره في «ساحة الشهداء»، متجنباً توجيه معركته في اتجاه الحكومة او إسقاطها.
وفي الإطار نفسه، ثمة حركة سياسية ناشطة ستُعاوَد بقوّة اليوم، عقب الخطاب الذي ألقاه عصر أمس، رئيس مجلس النواب نبيه بري، في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، في النبطية، والذي طرح فيه مبادرة لإحياء الحوار بين الاطراف اللبنانيين في مجلس النواب، سعياً للوصول الى اختراق الأزمة السياسية، وانتخاب رئيس للجمهورية.
وستتركز الاتصالات على إطار عام يلحظ تسوية للمراسيم الحكومية العادية، التي صدرت من دون تواقيع وزراء عون و«حزب الله»، والتوافق مجدداً على آلية الإجماع في اتخاذ القرارات داخل الحكومة الرئاسية، وموضوع ترفيع عدد من العمداء في الجيش، من بينهم صهر عون العميد شامل روكز، لتوفير عودة الحكومة الى عملها بانتظام. وهو الأمر الذي يتوقّع مطّلعون، ان ينجح قبل الجمعة المقبل، بما يمكن ان يدفع عون الى صرف النظر عن دعوته أنصاره الى النزول الى الشارع، ولا سيما ان الحشد الكبير الذي أمّنته حركة المجتمع المدني، أول من أمس، سيجعل عون امام تحدي جمْع حشد مماثل، وهو ما يبدو شبه مستحيل، في ظل التجربتين السابقتين لتحرّكه في الشارع، واللتين جاءتا هزيلتين، إلا في حال قرر «حزب الله» دعمه على الأرض.
في المقابل، يبدو واضحاً، ان الهيئات المنظمة للتحرك الاحتجاجي، التي أخذت قوة كبيرة من يوم 29 الجاري، لن تكون في وارد التراجع، وخصوصاً بعد التحاق العديد من الشخصيات اليسارية او المستقلة بالحِراك، ووسط تَسابُق الاعلام التلفزيوني المحلي على تبني التحرّك وتغطيته على امتداد ساعات اليوم.
واللافت في هذا الأمر، ان بعض الاوساط بدأ يرسم سيناريوات تتجاوز الإطار الاحتجاجي وعناوينه وشعاراته المرفوعة، وصولاً الى التخوّف من تطورات، قد تملي عسكرة الأمن، اذا خرجت الأمور عن نطاق السيطرة، كما كان يُخشى مع الصدامات بين قوى الامن الداخلي ومجموعات الشغب التي تنتهي التظاهرات غالباً بأعمالها المخلّة بالأمن.
واستوقف المراقبين هنا كلام خطير للزعيم الزغرتاوي رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية امس، اذ حذّر من ان لبنان متّجه الى «الانفجار بأقصر الطرق»، قائلاً: «حمى الله لبنان» الأمر الذي اكتسب دلالة خطيرة لا يمكن إغفالها.