المرعبي يتوعّد «بالرد بالمثل» على الإساءة إلى صور رفيق الحريري

وسط بيروت يلملم الأضرار و«جدار فاصل» يعزل السراي الحكومي

1 يناير 1970 07:12 م
لم تكن بيروت أول من أمس على موعد مع أحداث شغب. هي انتظرت تحرّكاً شعبياً للضغط على الحكومة للإسراع في إيجاد حل لملف النفايات ينظف شوارعها ويرفع الضرر عن سكانها. لكن التظاهرة التي دعت إليها حملة «طلعت ريحتكم» وجمعت لبنانيين تقاطروا من مختلف المناطق اللبنانية نحو وسط المدينة حاملين شعار حق جامع، سرعان ما انحرفت عن مسارها وتحوّل بعض المندسين فيها إلى «بلطجية» و«زعران» حطموا واجهات المحلات وكسروا إشارات المرور ورحلوا تاركين خلفهم ركاماً.. ونفايات.

معالم التعب تبدّت في الوسط التجاري للعاصمة الذي تحوّل إلى منطقة شبه أمنية ينتشر فيها الجيش اللبناني عند كل مفترق، وذلك من خلال دخان الحرائق التي «تعسّ» بما التهمته ليلاً، وبالأسلاك الشائكة التي تطبق على زوايا هنا وعلى أخرى هناك، ومن خلال إشارات المرور المحطمة، واللوحات الإعلانية المهشمة، وواجهات المحال التي سويت أرضاً.

وبانت أيضاً من خلال المقاهي المقفرة من روادها، والمحال التجارية التي هجرها زبائنها، والمؤسسات التجارية التي عملت منذ الصباح الباكر على تنظيف مداخلها من آثار الحرائق، التي افتعلها مشاغبون قبل رحيلهم من الوسط التجاري، عائدين من حيث أتوا.

عمال النظافة عملوا بدورهم منذ الصباح على غسل الشوارع بالماء بعد رفع القمامة وإزالة شظايا الزجاج من مداخل المؤسسات التي تعرّضت للاعتداء، في حين وقف أصحابها مكتوفي الأيدي، ومكتفين برفض التعليق على ما حصل، ومؤكدين أن «لا حول لهم ولا قوة، والعوض على الله». اللافت هو في ما تركه المتظاهرون على جدران الأبنية والعوائق الإسمنتية من شعارات، والتي تنمّ عن خليط من كل شيء، يدل بدوره على تفاوت في سقف المطالب التي رفعها المشاركون وحتى على غاياتهم. فإلى الشعارات التي تدعو إلى «الثورة على الطائفية»، ترك البعض شعارات طائفية، وأخرى تحريضية على جدران مسجد محمد الأمين، وعلى جدران ضريح وصور رئيس مجلس الوزراء السابق رفيق الحريري، حيث كُتب على إحداها: «الحرامي».

وفي حين أعلنت بعض الكتابات عن أن «بيروت تثور»، جاء هدف هذه الثورة بحسب كتابات أخرى «إسقاط الحكومة»، ورحيل الطبقة الحاكمة، وصولاً إلى «نحو جمهورية جديدة»، وذلك في سياق ما تحوّل المتظاهرون إلى المطالبة به من «إسقاط للنظام». وقد أكدت إحدى الكتابات على استمرار هذه «الثورة حتى النصر».

وفي مقابل ما أُضيف إلى المشهد في وسط بيروت، وتحديداً في محيط السراي الحكومي في ساحة رياض الصلح من شعارات وخراب ومهملات، وما استقدمته القوى الأمنية من «جدران» إسمنتية، غاب عن الصورة اعتصام أهالي العسكريين المخطوفين لدى تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، بعدما تحولت خيمهم التي «تقطنها» مأساتهم منذ أشهر إلى رماد وركام.

الأهالي المنكوبون الذين جمعهم مصاب واحد في الثاني من أغسطس العام الماضي، ووحّدهم خوفٌ مزمن يتضاعف على مصير أبنائهم المحفوف بكل أشكال المخاطر، عبّروا عن استيائهم مما لحق بخيمهم من أضرار، وأبوا العودة أدراجهم إلى منازلهم. حيث أكد حسين يوسف، والد الجندي المخطوف محمد يوسف، لـ «الراي» أن «الأهالي باقون في وسط بيروت، وأنهم سيعيدون رفع خيم جديدة للاستمرار في الاعتصام والمطالبة بعودة أبنائهم العسكريين سالمين». ورغم أن حملة «طلعت ريحتكم» أرجأت أمس التحرك الذي كان من المقرّر أن تنفذه مساءً تحت وطأة المواجهات التي وقعت ليل الأحد الاثنين، والتي اتّهمت مندسين مدفوعين من أطراف سياسية بالوقوف وراءها لتشويه تحرّكهم وإجهاضه، إلا ان عدم إعلان الحملة عن وقف تحرّكها بالكامل دفع القوى الأمنية - عشية الجلسة الاستثنائية التي يعقدها مجلس الوزراء اليوم لبت مجموعة من القرارات الملحة بينها قضية النفايات التي شكّلت المحرك الاساسي لتظاهرات الحملة - الى اتخاذ تدابير مشددة في محيط السراي الحكومي الذي تمّ عزْله عن ساحة رياض الصلح بمكعبات اسمنتية عملاقة، شكّلت ما يشبه جدار فصل اسمنتي يستحيل تجاوُزه، ومن شأنه توفير وقوع مواجهات بين المتظاهرين وعناصر الأمن.

وكان ليل الأحد شهد مواجهات عنيفة بين القوى الامنية ومجموعات من المشاغبين اندسوا بين المتظاهرين منذ الساعات الاولى لوصولهم الى ساعة رياض الصلح بعد ظهر اول من امس. وقرابة السابعة والنصف وبعد دقائق طويلة من رشْق القوى الامنية بالحجارة والمفرقعات النارية ومحاولة إزالة السياج الشائك، بدأ عناصر الأمن برشّ المتظاهرين بالمياه لتندلع بعدها، ورغم إعلان منظّمي التظاهرة الانسحاب الى ساحة الشهداء القريبة، مواجهات عنيفة تخللها إضرام ملثمين النار بالعوائق والأسلاك الشائكة ورمي قنابل صوتية وأخرى حارقة وبأصابع الديناميت على القوى الامنية المولجة حماية السرايا الحكومية والمؤسسات العامة وأملاك الناس. كما جرى حرق دراجة نارية لقوى الامن الداخلي وآلية اخرى تابعة لها.

وبعد عمليات كر وفرّ بلغت مسجد محمد الأمين القريب من ساحة الشهداء، انتقل المشاغبون الى مرحلة تحيطم واجهات المحال وحرق مساكن لعمال البناء في المنطقة وتحطيم الاشارات الضوئية وإضرام النار بالأشجار في مشهد صادم، استدرج ردات فعل في مناطق لبنانية عدة في البقاع والشمال وعلى المدخل الجنوبي للعاصمة، حيث جرى قطع طرق تضامناً مع العاصمة والسراي الحكومي، فيما لفت اعلان النائب معين المرعبي رداً على تلطيخ صورة الرئيس رفيق الحريري بعبارات نابية: «يمكننا ان نفلت الملقّ في كل مكان، وكنا سنتحرك اليوم لولا تدخل الرئيس سعد الحريري والوزير نهاد المشنوق»، محذراً من «اننا سنردّ على هذا الامر بما هو أقسى وسنردّ بالمثل ولا نقبل بتجاوز القوانين».

ويُذكر ان وسائل إعلام كانت اشارت الى ان العناصر المندسّة تنتمي الى حركة «أمل» التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري، الا ان المكتب الاعلامي للحركة نفى «ما تروجه بعض وسائل الإعلام من أخبار عارية في محاولة مكشوفة لإثارة الفتنة». وقال: «ان وسائل الإعلام هذه فقدت الموضوعية وابسط شروط المهنية، ومعروفة الغرف السوداء التي توجهها»، معلناً ان الحركة «تحتفظ بحقها في الملاحقة القانونية أمام الجهات المختصة».