هبّة سياسية لحماية «الشرعية» في لبنان بعد «الأحد الأسود»

1 يناير 1970 07:12 م
شكّل الاختبار الأمني الذي عاشه لبنان ليل الأحد (الاثنين)، وهو الأخطر الذي يواجهه منذ أحداث 7 مايو 2008 (عملية «حزب الله» العسكرية في بيروت ومحاولة اقتحام الجبل)، إشارة بالغة السلبية حيال النفق الذي يمكن ان تكون دخلته البلاد من بوابة التحرك الشعبي الذي أطلقته حملة «طلعت ريحتكم».

وغداة نجاح القوى الأمنية في «إخماد» أعمال الشغب التي اندلعت مساء أول من أمس في وسط بيروت، في ختام تظاهرة «طلعت ريحتكم» وتخلّلتها مواجهات مع شبانٍ «التبست» هويتهم السياسية، وأفضت الى سقوط 99 جريحاً من عناصر الأمن وعشرات من المتظاهرين حال أحدهم حرجة، غرقت العاصمة اللبنانية في محاولة تفكيك «شيفرة» المشهد الذي ارتسم في قلبها، والذي فجّر قلقاً خارجياً، عربياً ودولياً، إزاء خلفياته وتداعياته المحتملة.

ذلك ان «الأحد الأَسْود» في قلب بيروت تشابكت فيه كل مكوّنات الأزمة اللبنانية التي تعتمل منذ أكثر من عام بفعل الشغور في رئاسة الجمهورية، قبل ان يأتي ملف النفايات المتراكمة في الشوارع ليمثل النقطة التي «طفح بها الكأس»، فهبّ المجتمع المدني في «صرخةٍ» سرعان ما «سرق» صداها أطراف سياسيون، في إطار «تصفية حسابات»، فيما دخل عليها أطراف آخرون، في سياق توجيه رسائل متعددة الاتجاه، بدا من المبكر حصْرها وإن كانت غالبية القوى تلقّفتها بقلق.

وبدا من الصعب بعد ساعات من الأحداث في وسط بيروت بين القوى الأمنية والمشاغبين الذين حرفوا تظاهرة «طلعت ريحكتم» التي حشدت في اليوم الثاني لتحركها في الشارع آلاف المشاركين، عزْل هذا التطوّر عن شدّ الحبال السياسي الذي تَعاظم في البلاد، على خلفية تعطيل حكومة الرئيس تمام سلام، نتيجة إصرار العماد ميشال عون على تعويض خسارته معركة ايصال صهره العميد شامل روكز الى قيادة الجيش بمخرجٍ يبقي الأخير في المؤسسة العسكرية (يحال على التقاعد في منتصف اكتوبر المقبل) الى جانب تمسُّكه بآلية لعمل الحكومة تقوم على الإجماع التوافقي ومشاركة رئيسها بوضع جدول أعمال الجلسات.

واذا كان إرجاء حملة «طلعت ريحتكم» تحركها الذي كان مقرراً امس في ساحة «رياض الصلح»، أفسح في المجال امام احتواء الاحتقان الكبير الذي كاد ان يوصل ليل الأحد الى «الانفجار»، إلا ان الصخب السياسي الذي أحدثه الحِراك في الشارع، كما المواجهات العنيفة في وسط بيروت، استمرّ بقوة في ظلّ علامات استفهام كبرى رُسمت حول محرّك خفي لكل ما جرى من ضمن أجندة سياسية وذلك انطلاقاً من نقطتين:

اولاهما «سلّة الاهداف» التي رفعها المتظاهرون والتي راوحت بين حلّ ملف النفايات وصولاً الى استقالة رئيس الحكومة وحلّ البرلمان وإسقاط النظام.

والثانية تبني أطراف سياسية للتحرك أبرزها العماد عون، ثم تحويل قلب العاصمة ساحة مفتوحة لشِلل قدمت من منطقة الخندق العميق، وأُسبغ عليها إعلامياً بُعد مذهبي معيّن، وتُركت لتحرق وتخرّب، بعدما واجهت القوى الأمنية بالقنابل الحارقة والمفرقعات والحجارة، قبل ان تتبرأ منها مجموعة «طلعت ريحتكم،» ولكن بعد فوات الأوان وبعدما استدعى المشهد في وسط العاصمة تحركات مضادة في مناطق عدة، شهدت قطع طرق دعماً لرئيس الحكومة و«نُصرةً لبيروت».

وبدت قوى 14 آذار الأكثر ارتياباً من سيناريو ما يجري العمل عليه لقلب الطاولة في لبنان، وشكّلت الأحداث اول مؤشراته، وسط خشية من ان تكون التتمة في مجلس الوزراء الذي قرّب الرئيس سلام موعد انعقاده من الخميس الى اليوم حيث ستكون جلسة ستشكّل اختباراً حقيقياً تتكشف معه كل النيات والمخططات.

ذلك ان رئيس الحكومة، الذي كان رفع سقف موقفه متحدثاً عن «نفايات سياسية»، ومنتقداً ضمناً العماد عون الذي يعطّل الحكومة، يصرّ على جلسة منتجة اليوم تتلقف ما خلص اليه فض عروض مناقصات النفايات، وتُصدِر قرارات تتعلق برواتب العاملين في القطاع العام وبقروض ميسرة وهبات إضافة الى مجموعة مراسيم حصلت على تواقيع الاكثرية المطلوبة في ظل غياب رئيس الجمهورية.

وفي المقابل، اعتُبر ردّ عون على سلام وتوعُّده بملاقاته في مجلس الوزراء وفي الشارع، مؤشراً الى تشدُّد سيذهب اليه، مدعوماً من «حزب الله»، من دون ان يتّضح الحدّ الذي سيبلغه في ردّ فعله على مضي رئيس الحكومة بخيار اتخاذ القرارات بالأكثرية، بحال جرى الاصرار على التعطيل، علماً ان غالبية المعطيات رجّحت صعوبة ان يُقدِم سلام على الاستقالة، بعدما رسمت له قوى 14 آذار «شبكة دعم» لاقتها مواقف دولية وعربية حذّرت من مغبة وقوع البلاد في الفوضى الكاملة.

وكان لافتاً امس اتصال عون بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وآخرين، في سياق محاولة الحصول على غطاء كنَسي وسياسي مسيحي لمعركته التي يعطيها عنوان حقوق المسيحيين والدفاع عن صلاحيات رئيس الجمهورية.

والأكيد ان قوى 14 آذار تستشعر بوجود رغبة لدى فريق 8 آذار في دفْع الأمور في لبنان تدريجاً نحو الفوضى، في إطار محاولة فرض اولويات للخروج من المأزق السياسي تلاقي المستجدات الاقليمية المتصلة بمرحلة ما بعد الاتفاق النووي بين ايران والمجتمع الدولي، وذلك من خلال جعل الامور عالقة بين حديْ إما الفراغ الكامل الذي قد يفضي الى مؤتمر تأسيسي غالباً ما لوّح به «حزب الله»، وإما ترتيب اولويات الحلّ بدءاً من إجراء انتخابات نيابية اولاً ثم الانتخابات الرئاسية، وإلا المجيء برئيس يسمح بأن يكون ميزان القوى في لبنان أكثر ميْلاً لطهران استباقاً او مواكبةً لعملية تقاسُم النفوذ في المنطقة والتي تشمل بشكل رئيسي ايضاً اليمن وسورية مروراً بالعراق.

ومن هنا يمكن فهْم مسارعة قادة 14 آذار الى رسْم «خط أحمر» حول الشرعية ورموزها وتمسُّكها بخريطة طريق للخروج من المأزق، تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية ثم تشكيل حكومة تضع قانون انتخاب جديد تجري على اساسه الانتخابات النيابية، وتحذيرها من «انقلاب».

وكان لافتاً في السياق نفسه، إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق امس أنه «كانت هناك حملة مدنية سلمية لها الحق بالتظاهر فيما كانت هناك مجموعة تابعة لأحزاب سياسية لديها أجندة»، مؤكداً أن «لا انتخابات نيابية قبل رئاسة الجمهورية ولا تخلٍّ عن حماية الشرعية».