رؤى

أمامك مُنعطف !

1 يناير 1970 12:25 م
ربما يكون من المنصف أن نُفرق بين ما قرأنا من أدب خلده التاريخ في ما مضى، عبرت فيه نخبنا الأدبية عن حالة السخط على المحتل في القرن الماضي، حين احتلت انكلترا العراق ومصر والسودان وفلسطين وغيرها من الوطن العربي، كما احتلت فرنسا سورية ولبنان وتونس والجزائر والمغرب ولدينا حالات أخرى لدول احتلت دولاً، وكما كانت روح الأمة كلها ضد المحتل أيضا كان لدينا يومها من بني جلدتنا مَنْ تواطأ مع المحتل وكنا وما زلنا نصفه بالخيانة، أقول ذلك لنؤكد على التفريق بين نتاجنا الأدبي يومها الناصع في بيان الغضب تجاه المحتل وما رسمت تلك الثورات النقية من أعمال أدبية عبرت عن السعي نحو الحرية بوعي ضبطته آنذاك نخبنا وصفوة مجتمعاتنا العربية، إنه من المجحف تجاه النتاج الأدبي لأمتنا أن يسجل التاريخ عبثيةً في السلوك ينتج عنها هدر للطاقات وتبديد للثروات وسفك للدماء وتدمير ممنهج للإرث التاريخي ثم نتوهم أن السلوك العبثي يمكن أن تنتج عنه حرية فكرية ونهضة إنسانية! ثم نظن أن يُعَدَّ أيُّ أثر كتابيٍّ أو عمل خطيٍّ واكب تلك الفوضى وتأثَّر بتلك العبثية من الأدب العربي الذي يُضافُ إلى مكتبته! نحن لا نسفِّهُ عاطفة المشتاقين ولا نقلل بأي حال من الأحوال من ألمِ المصابين، ولكننا نضع إشارة باتجاه الطريق المؤدية إلى مكتبتنا العربية. الأدباء والمفكرون ونخب المجتمع كما هي الشريحة الضابطة لوعي المجتمع وهي في الوقت ذاته المعبرة عن فرحه وترحه، هي أيضاً مَنْ تصنع الثورة ضد الظلم وترسم ملامح نتاجه الأدبي، وهي مؤشر سلامة الأداء لدى الشارع وفي عيون الناس، فإن اندلعت أي حركات في أي شارع في أمتنا فانظرْ مَنْ نادى لها، وابحثْ عن مُحركها، فإن لم تكن تلك النخبة المفكرة الواعية الراشدة في مقدمتها فلنعلم جميعاً أنها عبثية مخربة لا حركات متزنة، وكذلك الثقافة ونتاجها تصدر عن أهلها من أهل الفكر والوعي والاتزان، وغير ذلك من أعمال ستلفظها الذائقة الأدبية، ولن تدخل دائرة الأدب العربي.

نحن في حاجة ماسة من أي وقت مضى أن نفرق بين الصورتين: صورة ما أنتجه أهل النخبة المفكرة الواعية عن صورة أُخرى رُوِّجَ لها تحت مُسمى الأدب، لعل من حق ثقافتنا علينا أن نضع علامة باتجاه الطريق الصحيح.

* كاتب وشاعر سوري

[email protected]