انسحاب آلان عون من المعركة «أكد المؤكد» ومعارِضون يخشون تصفية حسابات معه
عون «عيّن» باسيل رئيساً لـ «التيار الوطني الحرّ» بـ... «الوراثة»
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
07:11 م
لم يكن أيّ من المحيطين بزعيم «التيار الوطني الحرّ» العماد ميشال عون يشك لحظة واحدة، ان اوّل رئيس للتيار سيكون غير الوزير جبران باسيل. فمعادلة عون كانت منذ اللحظة الاولى، إما صهره (باسيل) رئيساً او لا انتخابات حزبية.
وعلى مثال ما أفرزته الوراثة السياسية للأحزاب اللبنانية الأخرى، كرّس عون، الداخل الى الطبقة السياسية في الثمانينات من القرن الماضي من خارج النادي التقليدي، معادلة لبنانية - عربية بانتقال السلطة بالوراثة، وذلك من خلال حسْمه اول من امس مسألة خلافته في رئاسة «التيار» لمصلحة تثبيت باسيل، وانسحاب ابن شقيقته النائب آلان عون من المنافسة، معلناً عزوفه عن الترشح لان «مسار الامور منذ انطلاق الحملة الانتخابية (في التيار) انحرف عن الاهداف المرجوة»، مؤكداً ان خطوته جاءت نزولا عند رغبة العماد عون «وانطلاقا من ثقتي المستمرة بشخصه».
وبغض النظر عن هذا المخرج، الذي قال عنه «الجنرال» ان الجميع فيه منتصرون، فان كل ما سبقه، سواء لجهة النظام الداخلي وتشعباته وتعديلاته التي وضع باسيل يده عليها، او تحديد موعد للانتخابات في 20 سبتمبر المقبل، او اللقاءات الحزبية التي قام بها باسيل ومنافسه النائب الآن عون وجولاتهما في المناطق، لم تقنع الحلقات الضيقة في التيار بأن الانتخابات ستجرى فعلاً لا قولاً. ويكفي معرفة حجم ما أحدثه هذا التوريث المكشوف لباسيل على صفحات العونيين في مواقع التواصل الاجتماعي ولقاءاتهم الحزبية ووسائل الاعلام، لمعرفة حجم ما حصل في اول انتخابات ديموقراطية للتيار الحر.
وقد سُجلت سلسلة مفارقات على هامش اول استحقاق انتخابي في التيار الذي يتحول حزباً بـ «رئيس معيّن»، على غرار التعيينات النيابية التي تمت بعد اتفاق الطائف، العام 1991 زمن الوجود السوري الذي حاربه عون. وأبرز هذه المفارقات:
* ان عون كان منذ اللحظة الاولى واضحاً في اختيار خلَف له. فتجربة باسيل في الحقائب الوزارية التي تسلّمها وعمله مفاوضاً سياسياً منذ الدخول الاول الى الحكومة، شكلت بالنسبة الى عون حجر الاساس في انحيازه الى صهره الذي يردد العونيون انه الصبي الذي لم يلده عون، كي يكون خلفا له في زعامة التيار. وبين صهره وابن شقيقته النائب آلان عون وابن شقيقه نعيم عون، كان اختيار الجنرال لباسيل محسوماً. وكل ما عدا ذلك من فولكلور انتخابي لم يكن سوى مظهر من مظاهر الديموقراطية التي كان عون يريد ان يظهرها الى الملأ والى العونيين الذي يطالبون منذ سنوات بالعمل على تحويل التيار حزباً. لكن حين بدأ عون يشعر بان البساط يُسحب من تحت باسيل بعدما لمس عمق الانقسام ليس داخل بيته بل ايضا داخل التيار، اعتبر ان الوقت حان ليتدخل شخصياً.
وقد أطل عون على التلفزيون في أكثر من مقابلة محذراً المعارضين لباسيل بذريعة انهم ينشرون «الغسيل العوني» على سطوح الصحف المحلية. ثم حرص على عقد لقاءات مع النواب ومع الكوادر الحزبية وبالناشطين الاساسيين، ومع افراد عائلته وبعض المسؤولين مباشرة عن الحملة المناهضة لباسيل، وقيل في هذه اللقاءات الكثير من المكاشفات والآراء الصريحة من جانب الطرفين. لكن بالنتيجة اسفرت اللقاءات عن تبليغ واضح بان عون لن يورث «تياره» الا لباسيل، وعلى المعترضين تسوية حساباتهم معه.
* انه في ضوء المتغيرات التي لحقت النظام الداخلي وادت الى استبعاد نعيم عون عن المرشحين، لم يبق في واجهة المعترضين سوى النائبين زياد اسود وآلان عون. المشكلة التي حصلت في التنسيق لاختيار وجه قيادي معارض لباسيل، ان المعارضين لا ثقة لهم بالشخصيات التي اقتُرحت لقيادة المعارضة. وظلّ نعيم عون يحرّك الشارع العوني ويعمل على الاستقطاب لمواجهة باسيل، الا ان أسود وآلان عون تصدّرا الاجتماعات. علماً ان اسود يُعتبر أشدّ المناهضين لباسيل. وفي آخر لقاء مصارحة على مستوى عال، قال اسود كلاماً حاداً، وقام بجردة حزبية وسياسية لاداء باسيل ودوره في ما وصل اليه التيار. والأمر نفسه بالنسبة الى آلان عون، فملاحظاته على باسيل تكاد تكون أقسى من ملاحظات رفيقه زياد أسود. لكن آلان عون يعرف تماماً كيف يدوّر الزوايا، حتى ان قيادات في التيار كانت لا تزال تشك في امكان ان يستمرّ في معركته وكانوا يعرفون سلفاً انه سيتذرّع «مونة» الجنرال عليه، حتى ينسحب.
واليوم بعد الانسحابات وعملية التوافق التي رعاها عون وباركها، لا تزال قيادات في التيار تتحدث عن «الترضية السياسية» التي قدّمها باسيل الى آلان عون سياسياً ولا سيما بالنسبة الى بقائه مرشحاً في دائرة بعبدا. فيما بات اسود يُعتبر انه بات خارج نادي المرشحين عن دائرة جزين، لا سيما ان لباسيل اصلاً مرشحاً حاضراً وهو رجل الاعمال أمل ابو زيد.
* ان باسيل أيقن بعد فشله في انتخابات البترون النيابية لمرتين، ان القاعدة العونية لا تؤيده. وكل ما دار في الاجتماعات الحزبية والنشاطات التي اجريت والاستطلاعات الداخلية دلّت على ان لباسيل مناهضين كثراً داخل التيار واوّلهم من داخل البيت. الا ان باسيل حاول بعدما حظي بدعم الجنرال، ان يحصّن موقعه، رغم انه كان يدرك النتيجة سلفاً. ولان رجال الاعمال الذين يحيطون به، ليس لهم دور في معركة حزبية، حوّل باسيل معركته الى استقطاب قيادات وكوادر وايضاً نواب التيار الذي كانوا في صفوف معارضيه وحيّد البعض الآخر.
ولم يوفر باسيل شخصية معارِضة إلا وحاول الاتصال بها، إما عبر مستشاريه او عبر معارضين سابقين تحولوا في لحظات مقربين منه وفي فريقه السياسي والحزبي. وكثف دعوات الغداء والعشاء واللقاءات حتى في وزارة الخارجية، من أجل حشد تأييد شامل له، فلا تكسره الانتخابات الحزبية. وقد نجح باسيل في سحب التشنج الظاهر بين مجموعة من المعارضين والمؤيدين له. لكنه لم ينجح في استقطاب دعم واسع، الامر الذي اضطره في نهاية المطاف الى طلب تدخل «الجنرال» مباشرة.
* ان الوعود التي اعطاها عون وباسيل اليوم، قد لا يُكتب لها ان تبصر النور. فالعونيون المعارضون بدأوا يحتسبون منذ الآن خسائرهم المستقبلية وخشيتهم من عملية تصفية حسابات نيابية ووزارية، اذا أحكم باسيل الطوق على الحزب الجديد لمدة اربعة اعوام. فما قبل رئاسة التيار قُصت «اجنحة كثيرين» فكيف الحال ما بعد الرئاسة. لكن للعونيين اليوم خطاب من نوع آخر. فما بين رئاسة الحزب والوزارة وحلقة رجال الاعمال، والعلاقات الخارجية التي يبنيها باسيل عبر وزارة الخارجية، يتطلع العونيون منذ الآن الى وجه جديد لباسيل فهل يكون في طريقه للترشح مستقبلاً لرئاسة الجمهورية؟.