أربعون يوماً على رحيله
عمر الشريف... بعيون غربيّة
| إعداد عبدالعليم الحجار |
1 يناير 1970
07:13 ص
• كانت والدته تضربه على مؤخرته بنعل (شبشب) يومياً حتى بلغ الـ 14 من عمره !
• قال: «كانت والدتي تلعب الورق مع الملك فاروق الذي كان يعتقد أنها تجلب له الحظ الجيد»
• تظاهر بمحاولة الانتحارعندما نهاه والده عن التمثيل
• كان ورفيقه الممثل بيتر أوتول من أبرز نجوم جيلهما في هوليوود «طيشاً»
• أقلع عن لعب الورق موقتاً بعد خسارته 750 ألف دولار في ليلة واحدة
• شعر بالنفور من جولي كريستي بسبب إصرارها على عادة أكل شطائر البيض المقلي في مواقع تصوير «الدكتور جيفاغو» !
كُتب الكثير والكثير عن النجم العالمي المصري الأصل عمر الشريف الذي رحل عن عالمنا في العاشر من شهر يوليو 2015 مخلفاً وراءه تراثاً فنياً وشخصياً حافلاً بمحطات بارزة كان كثير منها إيجابياً بينما كانت هناك محطات يمكن أن تندرج في خانة الزلات والنزوات التي نبعت من طبيعتة البشرية التي لم تخل من بعض جوانب الضعف التي تعتري أي انسان.
في ذكرى مرور 40 يوماً على وفاته نستعرض سيرة حياة عمر الشريف من منظور غربي وفقا لما نشرته صحيفة «ديلي ميل» في تقرير تأبيني خاص حول النجم العالمي الراحل.
حتى في سنواته الأخيرة، لم ينس عمر الشريف مطلقاً كيف كانت والدته تضربه على مؤخرته بنعل (شبشب) يومياً حتى بلغ الـ 14 من عمره.
وعلى الرغم من أن بطل فيلم «الدكتور جيفاغو» وفيلم «لورانس العرب» جلب إلى الشاشة الكبيرة جاذبية متوهجة أسرت قلوب عدد من أجمل نساء العالم، فإنه يمكن للمرء أن يتفهم الإحباط الذي كان يدفع والدته إلى ضربه يومياً، إذ إنه لا بد من أن ذلك الصبي كان لعوباً وكانت له «مغامراته» الحميمة مع المراهقات!
رحل عمر الشريف عن الحياة بتاريخ 10 يوليو 2015 عن عمر ناهز الـ83 إثر تعرضه لأزمة قلبية في القاهرة. وكان ابنه طارق قد كشف في مايو الفائت عن أن والده النجم بات يعاني أعراض مرض الزهايمر.
كانت تلك خاتمة مأساوية وحزينة لذلك النجم الذي كان انعزالياً وعاش عقوداً من حياته في فنادق في لندن وباريس، ثم عاد أخيرا إلى مصر (حيث عاش أيضا في فندق)، ربما لأنه أراد أن يموت على أرض وطنه.
وعلى الرغم من أنه من المؤكد أن عمر الشريف لم يكن يفتقر إلى الثقة بالنفس، فإنه كان أول من اعترف بأنه أهدر حياته ومسيرته المهنية، إذ إنه ألقى كل شيء واعد وراء ظهره وانغمس في الملذات الأسهل التي تمثلت في «الشرب» وإغواء النساء.
فلقد كان عمر الشريف ورفيقه الممثل بيتر أوتول، الذي شاركه في بطولة فيلم «لورانس العرب»، من أبرز عشاق الشرب والنساء في هوليوود في جيلهما. ولكن إلى جانب احتساء النبيذ وإغواء النساء، أضاف الشريف خصلة ثالثة كان قد ورثها من والدته على وجه التحديد، ألا وهي لعب الورق.
فلقد أصبح «لورانس العرب» لاعب ورق مخضرما، حيث راح يتجول على طاولات كازينوهات أوروبا مبذّراً ثروته التي كان يضطر إلى تعويضها بقبول تمثيل أدوار صغيرة ومغمورة نسبياً في أفلام لم تكن تليق بمكانته وسمعته العالمية.
وفي نهاية المطاف أقلع عمر الشريف عن التمثيل، وأصبح متفرغاً كلاعب بريدج على مستوى عالمي وكرّس حياته إلى حد كبير لتلك اللعبة بدلاً عن التمثيل. وفي إحدى المرات قال مدافعاً عن نفسه: «أفضل لي أن ألعب بريدج من أن أمثل فيلما سيئا».
ولربما لاحظ منتقدو عمر الشريف أنه لو كرّس حياته للتمثيل فقط، لنجح بفضل موهبته الفذة وقدرته على التحدث بست لغات في ان يقضي حياته في صنع أفلام «جيدة».
لكن بدلا عن ذلك، انتقل الشريف للإقامة في باريس لأنه كان باستطاعته أن يستمتع هناك بالكازينوهات وبحلبات سباق الخيل في دوفيل. وأقلع النجم المصري الأصل عن لعب الورق موقتا بعد خسارته 750 ألف دولار في ليلة واحدة، لكنه استمر في إهدار المال بطرق لا يعرفها سوى مدمن على لعب الورق. ولعل أطباءه النفسيين توقعوا منذ سنوات نجوميته الأولى أنه سيواجه مشاكل في مستقبل حياته بسبب تصرفاته تلك.
ولد عمر الشريف باسم ميشيل ديمتري شلهوب في الإسكندرية في العام 1932، وكان يتحدر من أصول لبنانية. كان والده تاجر أخشاب ناجحا استطاع أن يجمع أموالاً ضخمة اضافية من وراء انتشال الأسلاك الشائكة التي خلّفها البريطانيون وراءهم في مصر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتحويلها إلى مسامير.
ثم انتقلت أسرة الشريف لتعيش في منطقة راقية في القاهرة حيث سرعان ما أصبحت والدته الجميلة والمنفتحة سيدة مجتمع مرموقة. وكان من بين الزوار المنتظمين لمنزلهم الملك فاروق، ذلك العاهل المصري الذي أطيح به في العام 1952.
وفي إحدى المناسبات استعاد عمر الشريف ذكريات ماضي أسرته قائلاً: «كانت والدتي تلعب الورق مع الملك فاروق الذي كان يعتقد أنها كانت تجلب له الحظ الجيد – كانت بمنزلة تميمة حظ بالنسبة إليه... كانت والدتي تسهر معه طوال الليل».
وعندما كان في العاشرة من عمره، أرسله والداه إلى مدرسة داخلية صارمة وتقليدية على الطراز الإنكليزي في القاهرة. وفي تلك المدرسة اكتشف الصبي الموهوب شغفه بالتمثيل – وهو الشغف الذي أفزع والده الذي أراد ابنه أن يتبعه في مجال الأعمال التجارية. وعندما نهاه والده عن المشاركة في أي تمثيل، أقدم المراهق ميشيل شلهوب على شق معصميه فيما اعترف لاحقا بأنه لم يكن محاولة انتحار جديّة.
تخرّج الشريف في جامعة القاهرة حيث حصل على شهادة في الرياضيات والفيزياء، ثم أمضى خمس سنوات في الأعمال التجارية الخاصة بعائلته. لكنه لم يستطع أن يقاوم إغراء جاذبية التمثيل.
بعد ذلك حصل الشاب ميشيل شلهوب على فرصة لدراسة الدراما في معهد «رادا» في لندن، ثم أتيح له لعب أول دور سينمائي على الشاشة الكبيرة في فيلم عربي بعنوان «أيامنا الحلوة»، وهو الفيلم الذي بدأ خلاله علاقة غرامية مع بطلته الممثلة المصرية فاتن حمامة ومنذ ذلك الحين قرر أن يطلق على نفسه اسم عمر الشريف. والواقع أن تلك العلاقة مع فاتن حمامة كانت باكورة سلسلة طويلة من «المغامرات الغرامية» التي خاضها مع نجمات أخريات بعيداً عن الشاشة.
وسرعان ما تزوج عمر الشريف فاتن حمامة ثم واصل رحلته ليلعب بطولة 32 فيلماً عربياً إلى جانب فيلمين ناطقين بالفرنسية.
ثم حصل عمر الشريف على دور رئيس في فيلم «لورانس العرب» الذي كان أول فيلم عالمي شارك فيه، لكن ليس بسبب براعة تمثيله فقط، بل أيضاً لأن مخرج الفيلم ديفيد لين رأى أن عينيه السوداوين كانتا تمثلان تباينا عميقاً مع زُرقة عيني الممثل بيتر أوتول.
وعلاوة على تقاسمهما بطولة فيلم «لورانس العرب»، كان الشريف وأوتول يكمل كل منهما الآخر بطرق أخرى. فأثناء فترات الراحة من تصوير مشاهد الفيلم في الصحراء الأردنية، كان الاثنان «يشربان» بصورة عشوائية في علب الليل في بيروت. وذات مرة كشف أوتول كيف أنه وعمر الشريف كانا يستمتعان بالاستحمام في أحواض مليئة بالشمبانيا، كما أنه (الشريف) قامر بأجر تسعة أشهر في ليلة واحدة وخسره!
وفي سياق مذكراته الشخصية التي أطلق عليها عنوان «رجل أبديّ»، كتب عمر الشريف: «كنا نشرب دون توقف لمدة 48 ساعة... وكنا نذهب لاصطياد الفتيات في كل حانة، وكل ملهى ليلي.
وكنتيجة للنجاح الهائل الذي حققه فيلم لورانس العرب، أصبح الشريف ايقونة عالمية جاذبة للنساء بين عشية وضحاها. وبينما راحت النساء تتهاوى عند قدميه، فإنه – بإرادته الضعيفة وانغماسه في ذاته – لم يتمكن من مجاراة ذلك الأمر في البداية. وتحت زعم أنه لن تكون لديه القوة الذهنية كي يبقى وفياً لزوجته فاتن حمامة، فإنه أخبرها بأنه يريد الطلاق على الرغم من أنها كانت لا تزال شابة بما فيه الكفاية كي تتزوج مرة أخرى.
وانفصل الزوجان الشابان في العام 1965، لكن عمر الشريف ظل يصف فاتن حمامة دائما بأنها«الحب الكبير» في حياته.
وبعد الطلاق، استعاض عمر الشريف عن استقرار الحياة الزوجية بسلسلة من العلاقات والنزوات الغرامية قصيرة الأجل، بما في ذلك علاقتاه مع الممثلتين تيوزداي ويلد ودايان ماكبين.
ومثلما كانت الحال مع كثيرين من النجوم في عصره، بدا عمر الشريف غير قادر على لعب بطولة فيلم دون أن يقيم علاقة غرامية مع بطلته. وبينما شعر ببعض النفور من الممثلة جولي كريستي - التي شاركته بطولة فيلم دكتور جيفاغو في العام 1965 - بسبب إصرارها على عادة أكل شطائر البيض المقلي خلال التصوير، فإنه سقط في غرام النجمة باربرا سترايسند خلال مشاركتها بطولة فيلم «فتاة مرحة» في العام 1968.
وعلى الرغم من أنه أظهر براعة فائقة في التمثيل – إذ إنه لعب كل الأدوار بما في ذلك ولي عهد نمساوي ومقامر ويهودي نيويوركي وحتى عاشق رومانسي – فإنه فقد تدريجيا عشقه للتمثيل. وبعد ذلك أصبح أشهر لاعب بريدج محترف على مستوى العالم، إلى درجة أنه قام بتأسيس «سيرك عمر الشريف للعبة البريدج» في العام 1967 وجاب به العالم. وعلاوة على ذلك فإنه قام بتأليف العديد من الكتب عن تلك اللعبة.
وبينما قضى المزيد والمزيد من الوقت في الكازينوهات أو في مزرعة الخيول التي كان يمتلكها في نورماندي، كان الشريف يعود فقط إلى التمثيل كلما كان يحتاج إلى جني مال بسرعة. وكان يلقي بلائمة إدمانه لعب الورق على شعوره بالوحدة والملل.
وكما كان متوقعا، فإن مستوى جودة أفلامه أصبح أسوأ فأسوأ إذ إنه بدأ في قبول أي دور كان يُعرض عليه عندما كان يحتاج إلى المال.
وقال وكيل أعمال الشريف إنه كان يتلقى منه مكالمات هاتفية يائسة خلال تلك الفترة يتوسل إليه فيها أن يعثر له على عمل فورا، وكان دائما ما يقول: «لا أعتقد أنني أستطيع أنا أعيش من دون حزمة أوراق لعب في يدي».
وبعد أن خسر 750 ألف دولار أميركي في ليلة واحدة، قال الشريف انه اضطر الى بيع منزله الفخم في باريس والبدء في العيش في الفنادق. ودأب خلال تلك الفترة على الشكوى قائلا: «أشعر بأنني وحيد ومحطم تماما... لا أملك أي شيء على الإطلاق باستثناء عدد قليل من الملابس. كان يمكن لكل شيء ان يكون مختلفاً لو أنني عثرت على المرأة المناسبة». وللأسف لم يعثر عمر الشريف على تلك المرأة مطلقاً طوال حياته.
وعلى الرغم من أن عمر الشريف كان يحب ابنه طارق وأحفاده، فإنه كان دائم الشكوى من أنه ليس لديه سوى عدد قليل من الأصدقاء. وعلى الرغم من نفى الشريف في سنواته الأخيرة أنه كان يعاني مرض الزهايمر، كان من الواضح أن نفيه لم يكن في محله. فعندما أبلغه ابنه طارق بخبر وفاة فاتن حمامة في يناير الماضي، أصيب عمر الشريف بحزن شديد. لكنه سأل بعد مرور بضعة أيام عن أحوالها وطلب التحدث إليها!
وذات مرة سئل عمر الشريف عن حياته كنجم سينمائي لامع فقال: «لقد منحتني النجومية المجد، ولكنها أعطتني أيضاً الشعور بالوحدة. كما أنها أعطتني الكثير من افتقاد أرض وطني وشعبي وبلدي».
لكنه أصر على أنه لا يشعر بأي ندم، مضيفاً: «أنا لا أعرف معنى كلمة ندم. فلو عادت بي الحياة مرة أخرى، فسأفعل كل شيء بنفس الطريقة. ولحسن الحظ فإنه ليس كل شيء فعلته كان سيئاً. فلقد كانت لي لحظات عظيمة في حياتي».
والواقع أنه لا أحد ممن عرفوا «لورانس العرب» أو «الدكتور جيفاغو» من كثب يمكن أن يختلف مع ذلك الرأي.