أبو جمرة والزعبي وآغا تحدثوا لـ «الراي» عن «غضبته» واختياره اللجوء للشارع وسط اشتمامه محاولة لكسره
معارك الجنرال عون ... في عيون «عونيين» سابقين
| بيروت - من آمنة منصور |
1 يناير 1970
07:12 م
• أبو جمرة: تحريك عون للشارع محاولة للتباهي وإنقاذ نفسه من الورطة التي وقع فيها
• الياس الزغبي: بعد كل خسارة يمارس عون نوعاً من الهروب إلى الأمام فتزداد خسارته
ما أفق المعارك التي يخوضها زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون دفعة واحدة على جبهات رئاسة الجمهورية، والحكومة وقيادة الجيش؟ وهل بات «الجنرال» يلعب كل أوراقه على طريقة إما كل شيء أو لا شيء؟ وهل يمكن لعون أن يحقق في الشارع ما عجز عنه في السياسة؟
هذه الأسئلة تشغل بيروت منذ أن قرر العماد عون شلّ آخر معاقل السلطة المتمثلة بالحكومة التي ورثت صلاحيات رئاسة الجمهورية في ظل الفراغ المتمادي منذ مايو 2014، وذلك على خلفية المعركة التي خاضها لإيصال صهره العميد شامل روكز إلى قيادة الجيش ومنْع التمديد للعماد جان قهوجي، وهو الأمر الذي «أجهز» عليه قرار تأجيل تسريح الأخير ومعه كل من رئيس الأركان والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع.
ومع «غضبة» عون على هذا القرار الذي اعتُبر بمثابة تزكية ضمنية لقهوجي كمرشح تسوية لرئاسة الجمهورية، اختار اللجوء إلى الشارع وسط اشتمامه محاولة لكسْره وتسديد ضربة موجعة له، مطلقاً معركة «الدفاع عن حقوق المسيحيين» و«الشراكة الحقيقية»، من دون أن يتضح أفق اندفاعته في ظلّ استحالة العودة عن التمديد للقادة العسكريين والصعوبات الكبيرة التي تعترض أي مخارج يمكن أن تحفظ له ماء الوجه وتُبقي على حظوظ روكز بتولي قيادة الجيش، مثل رفع سنّ التقاعد للضباط أو ترقية عشرة عمداء إلى رتبة لواء بينهم روكز بما يضمن تأجيل تسريحه.
ووسط هذه الأجواء، يتحضر عون لمعركة من نوع آخر لترتيب بيته الداخلي ومأْسسة «التيار الحر». ففي 20 سبتمبر، يزمع «العونيون» إجراء أول انتخابات حزبية داخل التيار، فيما «تطفو» إلى العلن صراعات بين «جناحيْ» العائلة على تبوؤ رئاسته، الأول بقيادة صهر عون وزير الخارجية جبران باسيل، والثاني يقوده ابن شقيقة «الجنرال» النائب آلان عون، وسط انطباعات بأن العماد عون أكثر ميلاً لوصول باسيل إلى رئاسة «التيار».
«الراي» استطلعت آراء قياديين سابقين في «التيار الحر» عن قراءتهم لأداء عون في هذه المرحلة، وعن توقعاتهم لمستقبل التيار في المرحلة المقبلة.
رئيس «التيار المستقل» نائب رئيس الحكومة السابق اللواء عصام أبو جمرة، الذي كان بالنسبة إلى عون «رفيق درب» السلاح ثم النضال السياسي، علّق على إصرار «الجنرال» على خوض مجموعة من المعارك دفعة واحدة وعلى جبهات، بالقول: «هذه ثورة معروفة عند العماد عون عندما يفقد الأمل في ما يصبو إليه، حيث تثور ثائرته ويهاجم كل مَن يقف في دربه. أما النتائج فهي موضوع آخر يُنظر إليه في ما بعد. هذا ما قام به سابقاً وهذا ما يقوم به حالياً».
وشدد على أن «التهجم من ضابط متقاعد على قائد الجيش مباشرة، هو أمر خطير جداً، وعلى عون أن يدرك عواقبه»، مضيفاً: «على عون أن يفكر أولاً بدخول المنزل من الباب العريض، أي عليه أن يتوجه هو ونوابه ـ الذين يتقاضون الرواتب منذ أعوام عدة ويتمتعون بصلاحيات نيابية بالتمديد ـ إلى مجلس النواب لانتخاب رئيس جمهورية قادر على إدارة البلد في هذا الظرف الذي لا مجال فيه لوصول أي رئيس متحزّب في 8 أو 14 مارس. فرئيس الجمهورية العتيد لا بد أن يكون رجلاً محايداً يحتكم إلى العقل والمنطق والدستور ويدير البلاد وأزمتها بالتفاهم مع الجميع».
وعن تحريك عون الشارع والتلويح بسيناريوات غامضة، قال:«هذه محاولة للتباهي وإنقاذ نفسه من الورطة التي وقع فيها»، معرباً عن اعتقاده أن تلبية طلب عون «لن تكون بحجم آماله، لأن اللبنانيين يعرفون جيداً ما ستكون نتيجة هذا التحرك»، مضيفاً: «فليسعَ عون إلى رفع النفايات من الطرق أولاً وإلى تأمين الكهرباء بواسطة وزرائه الذين تولوا وزارة الطاقة طوال أعوام، فعندها يمكنه الطلب إلى الشارع أن يصفق له، وإلى جمهوره أن ينزل إلى الشارع ليحميه، فهذه مطالب ضرورية جداً وعلى عون أن يركض وراءها لا أن يركض وراء الكرسي ويخرب الدنيا إذا لم يجلس عليها».
أبو جمرة، ورداً على سؤال حول اعتبار مناصري عون أن خصومه يريدون كسره كونه رئيس التيار المسيحي الأبرز ورأس الحربة في الدفاع عن حقوق المسيحيين، أجاب: «فليتركوا حقوق المسيحيين لكل المسيحيين وليس لفئة منهم. نحن مسيحيون قبلهم، لا بل نحن مسيحيون فخورون بمسيحيتنا ونعتبر أن مَن يحصّل حقوق المسيحيين هو من ينفذ الدستور لا من يركض إلى باريس ليُجْلسوه على الكرسي».
واعتبر أن هذه «البروباغندا التي يقوم بها عون وحاشيته تدخل ضمن عملية الاعتذار عن إجراء الانتخابات الداخلية. فبحسب النظام الداخلي للتيار، تؤجل انتخابات التيار ورئاسته إذا تزامنت مع مشاكل أو انتخابات عامة، ولذلك أرى أن عون سيطرح تأجيل الانتخابات ويبقى هو رئيساً، ليسعى إلى حل المشكلة التي افتعلها بنفسه. هذا ما حصل العام 2008، وهذا ما يحصل الآن، وهكذا سيبقى حضرة العماد عون رئيساً للتيار حتى الرمق الأخير».
بدوره، رأى القيادي السابق في (التيار الحر)، عضو الأمانة العامة في قوى الرابع عشر من مارس الياس الزغبي، أن «الدافع الوحيد لكل هذا التخبط هو سوء إدارة المرحلة السياسية بالنسبة إلى العماد عون، فهذا رجل بلغ فيه الهوس السياسي وربما الغرور السياسي مرحلةً ظنّ فيها أنه بحفنة من الشباب البسطاء المتظاهرين وببعض مؤتمرات صحافية هو قادر على تحقيق مطالبه»، مضيفاً: «في الآونة الأخيرة سجل عون سلسلة تراجعات كي لا نقول انهزامات. ففي المفهوم السياسي العام، عندما يخسر أي رجل سياسي موقفاً أو مطلباً أو هدفاً، فإنه إما يتنحى أو يعدّل ويغيّر في أدائه السياسي وأولوياته، لكن العماد عون يفعل العكس تماماً فهو بعد كل خسارة يمارس نوعاً من الهروب إلى الأمام فتزداد خسارته خسارة كبرى، وهذا ما يحصل معه اليوم».
واعتبر أن المسألة «تتصل بالعامل النفسي لديه أكثر منها بالعمل السياسي، فلو كان يدرك معطيات العمل السياسي السليم لكان قدم أداء ومواقف مختلفة عما يفعل، ولذلك هو معرّض لمزيد من الانتكاسات السياسية، إلا إذا جاء مَن يحاول إنقاذه بنصيحة ما كي لا يستمرّ في هذا التدهور والعناد الذي بات لا يضرّ إلا بصاحبه شخصياً، وإن كان يؤدي في مكان ما أيضاً إلى أضرار معينة جزئية في الوضع السياسي وأداء الحكومة».
وتابع: «للوهلة الأولى، نظن أنه يؤثر سلباً ويشلّ الحكومة، لكن المسألة أبعد من ذلك بكثير، أي أبعد من حركة العماد عون ومن حساباته الشخصية. والبرهان أن القرارات الأخيرة بالنسبة للتمديد للقادة العسكريين أتت بشبه إجماع بين المتخاصمين في ضفتيْ 8 و14 مارس لأن هناك واقعية سياسية فرضت على هؤلاء الأطراف المتخاصمين أن يسيروا بإجراءات معيّنة منها التمديد».
وإذ اعتبر أن «هناك حالة إقليمية دولية تفرض وضعاً من الاستقرار النسبي على لبنان، وتدفع الجميع إلى التأقلم مع هذه السياسة الدولية والإقليمية»، قال:«هذه التقاطعات هي بالتحديد بين العرب وإيران، بين تركيا وإيران، وتحظى برعاية أميركية ـ أوروبية ـ روسية»، مضيفاً: «المسألة إذاً أبعد بكثير من حركة العماد عون وطموحه الشخصي، لذلك عليه قبل سواه أن يدرك هذه الحقيقة وأن يتعايش معها كي لا يصبح وحيداً ويندم كما يفعل الآن».
وجدد تأكيد أن إصرار عون على اللجوء إلى الشارع مردّه إلى «عامل نفسي، فهو يظن أنه على حق ويريد أن يحقق أحلاماً باتت بالية ومهترئة، فهو منذ ربع قرن يغذي في ذاته حلماً بالرئاسة ويسعى بأي ثمن للوصول إلى كرسي بعبدا حتى ولو كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية العامة، الأمر الذي نراه اليوم في رفعه شعار حقوق المسيحيين، فهذا شعار حق يراد به باطل»، لافتاً إلى أن «عون يستغل هذا الشعار كي يحقق هدفه الشخصي إما لتعيين قريب له في موقع قيادة الجيش وإما لبلوغه هو شخصياً موقع الرئاسة الأولى». وتابع: «إنها مصالح شخصية محضة تقف وراء كل هذا الحراك الذي يلوّح به العماد عون سواء في الشارع أو في المواقف أو في الهجوم المتكرر على المؤسسة العسكرية، وهو سجّل أكبر خسارة له منذ ربع قرن تتمثل في انفكاك أو سقوط الصورة التي لطالما سعى إلى رسمها ومفادها أنه الحامي والحاضن للمؤسسة العسكرية».
وأوضح الزغبي أنه «ليس في وارد أي قوة سياسية لبنانية داخلية أن تكسر العماد عون سياسياً، فهذا أمر غير وارد في ذهن أحد، وحتى أنه غير وارد في ذهن أي جهة دولية أو إقليمية، بل وارد فقط في ذهن العماد عون كي يغذي دائماً صورة الضحية، فهو دائماً يرفع الشعارات الكبرى وأنه مستهدَف من حرب كونية، فيما هذا الكلام غير صحيح طبعاً، لكن العماد عون يستغله لتحريك عواطف وغرائز بعض البسطاء من مؤيديه»، لافتاً الى أن «المسألة ليست مسألة حقوق المسيحيين، فالمسيحيون ليس لهم حقوق لدى تمام سلام ـ الرجل الوطني العريق، لكن عون بالتصدي لرئيس الحكومة كرمز سني، يحاول تحريك العواطف المسيحية وكسبها، وهذا الأمر بات مكشوفاً لدرجة أنه بات ينتج عكس ما يريده العماد عون».
واعتبر أن «الانتخابات الداخلية في التيارصراع ضمن أهل البيت الواحد، أي أنه صراع شخصي وليس صراعاً سياسياً إذ ليس هناك مشروع سياسي لدى هذا المرشح ومشروع آخر نقيض له لدى الآخر، وكما كان يقول الخليفة العظيم هارون الرشيد للغيمة (إذهبي أينما شئت فإنك ستمطرين في أرضي)، فإن العماد عون يقول الآن فلينتخبوا وفي النتيجة مَن سيصل هو من أهل البيت».
أضاف: لكن عون يفضّل عملياً صهره طبعاً على ابن شقيقته، وهذه مسألة باتت محسومة. ولعله بعد أيام سيلجأ إلى وسيلة عاطفية فيقول لعناصر التيار: «لقد كسروني في الدولة، في التعيينات، في الحكومة.. وأنا في المرحلة الأخيرة من حياتي رجل مسنّ لا تعملوا أنتم أيضاً على كسري مرة أخرى، أي لا تخالفوني في أنني أريد صهري وريثاً لي على رأس التيار. وإذا لم تنجح هذه الوسيلة سيلجأ مرة بعد مرة إلى تأجيل الانتخابات وربما لمرة أخيرة، ما يعني أنه لن يصل في يوم من الأيام إلى تكوين حالة سياسية اسمها حزب ديموقراطي، لأنه لن يستطيع تحمل الخلاف العميق بين جناحين في التيار، وإن كان هذا الخلاف عائلياً من أجل السلطة والنفوذ وغير سياسي»، مشيراً إلى أن «عون استعجل إجراء الانتخابات الداخلية في 20 سبتمبر، وذلك قبل ان يحلّ موعد 15 أكتوبر تاريخ انتهاء خدمة صهره الآخر العميد شامل روكز في المؤسسة العسكرية، علماً أن روكز هو الأكثر مقبولية عند عناصر التيار، وكأن عون بذلك هرّب التيار من رئاسة الصهر الثاني إلى رئاسة الصهر الأول، وللأسف هذه مؤشرات غير ديموقراطية بل عائلية عشائرية».
أما الناشط السابق في «التيار الحر»، رئيس «الحركة اللبنانية الحرة» بسام خضر آغا فأكد أن «عون فقد صوابه»، معتبراً أن «كل مطالب الجنرال شخصية وتتعلق بمنزله وعائلته وأموره الشخصية، ولم يعد الموضوع بالنسبة له وطنياً». وقال: «إذا كان العماد عون يعتبر نفسه ممثلاً للمسيحيين فهذه كارثة على المسيحيين»، مشيراً إلى أن «التيار وصل إلى القمة، وراح اليوم يسلك مسلكاً انحدارياً هائلاً وسريعاً».
ورأى أن «حزب الله بدأ اليوم بسحب البساط من تحت الجنرال عون، فهو لم يعد بإمكانه مواكبته لأن استراتيجية الحزب أبعد بكثير من أطماع عون»، مؤكداً أن «ما يقوم به عون هو ردات فعل ليس على مَن يخالفه الرأي، بقدر ما هي ردة فعل على حلفائه في المعارضة».
ورداً على سؤال عما إذا كان توقيت التحرك بالتزامن مع وجود ظريف في لبنان نوعاً من لفت النظر، قال: «ميشال عون يفعلها، لكن بشكل عام فإن الوضع اليوم لا يحتمل نزولاً إلى الشارع، ونخشى أن ينزل شارع آخر في المقابل ما قد يؤدي إلى صدام وأمور لها حسابات أخرى، وهذا أمر لا نتمناه». تابع: «من هنا نتمنى على القياديين، الذين نعتبر إلى الآن أنهم ما زالوا واعين في التيار الوطني الحر، أن يأخذوا المبادرة ويوقفوا هذه المهزلة، علماً أن شارع ميشال عون بات ضعيفاً، ولم يعد بالحجم السابق، وعون أصبح في حالة هذيان».
آغا، وتعليقاً على اعتبار أن هناك محاولة لكسر عون كونه رأس الحربة في الدفاع عن حقوق المسيحيين، أجاب: «هناك مسيحيون في الجهة المقابلة غير موافقين على تحركات عون، كالكتائب والقوات اللبنانية. وحتى حليف عون النائب سليمان فرنجية والطاشناق»، مذكراً بأن الإحصاء الأخير بيّن أن رئيس حزب (القوات) سمير جعجع أكثر شعبية من عون لدى المسيحيين».
وإذ توقف عند الاستعدادات التي تجري تحضيراً للانتخابات الداخلية في التيار لانتخاب خلف لعون، قال: «هذه مسرحية بين آلان عون وجبران باسيل، والنتيجة متفاهَم عليها ليتم قطع الطريق على كثير من قيادات التيار الوطني الحر التي لها الحق بأن تكون اليوم في مركز القرار»، متحدثاً عن «مسرحية من ميشال عون، بدليل حصر الترشيح بين اثنين هما صهره وابن أخته، ولا مشكل لدى العماد عون بوصول أي منهما».
وختم: «بعد عمر طويل لن يبقى شيء اسمه التيار (الوطني الحر) بحال وفاة عون، وسيكون الوريث الشرعي لمؤيدي التيار هو النائب سليمان فرنجية»، عازياً ذلك إلى أن «جبران باسيل مكروه داخل التيار وخارجه، وآلان عون ليس بالحجم المطلوب ولذا فإن التيار سيتفتت».