قراءة / في مجموعتها الشعرية الصادرة عن «مكتبة آفاق»

أمينة أبو غيث... تكتب الحياة في سياقها المتأمل

1 يناير 1970 12:54 م
تستعين الكاتبة أمينة أبو غيث- في طرحها الأدبي الإبداعي- بالكثير من المفردات التي تبدو في مضامينها ذات أبعاد إنسانية متفاعلة مع الواقع والخيال معا، في ما تتواصل لغتها الادبية مع مدلولات حسية تتجه – في كثير من الأحيان إلى طرق وعرة وفي الوقت نفسه متفاعلة مع الإنسان، بكل حالاته وأحواله.

وفي إصدارها «يا لي من لصة»... عبرت أبو غيث عن رؤى تحلل الواقع في أكثر من اتجاه باحثة عن صيغ مهمة للإجابة عن أسئلة غير مباشرة يطرحها الذهن، من خلال لغة تراكمية، متنقلة بين فكرة وأخرى.

والكتاب تضمن العديد من النصوص الشعرية المنتقاة بعناية من متون الحياة، وصدر عن مكتبة «آفاق»، لتقول في الإهداء: زهرتان تعيشان أبدا في حياتي/ نورا كمال... حصة الضبيبي/ كبرت معكما... وكانت أجمل الذكريات/ أهديكما كتابي هذا«. في ما شكرت في متن كتابها زوجها راشد الخميس، الذي لولا رعايته ما كانت وصلت لهذه المنزلة الأدبية، وكذلك الكاتبين نادي حافظ وعدنان فرزات.

ومن خلال هذا الإهداء يمكن استشراف مدلولات النصوص التي نحن بصددها، وذلك من خلال إدخال عوامل إنسانية، تتدفق منها الرؤى والأحداث، في أنساق شعرية متوهجة بالحيوية.

لتقول في نص»

في البدء كانت قطة

تلاحق ظل ذيلها

تدور...

تدور...

تدور...

وحين أشرق حلمها

فردت جناحيها وطارت.

وفي إطار فلسفي تقول: «إن للثواني طرق/ كمطارق القضاة/ ويح من ينتظر»، ومن ثم تتفاعل الكاتبة مع حزمة من المشاعر عبر تحولاتها الشعرية الخاصة لتقول في «لا أحد»:

حمامة ترحل

في جوف السماء

أبيض

أزرق

...

أزرق

شمس هناك

وخطاي

على الرمل

...

وأنا

طواني السراب

وغدوت لا أحد

واحتفت الكاتب بالظواهر الطبيعية، التي تتعايش معها في أنساق شعرية متواصلة مع الكثير من المفردات، تلك التي يتبدى فيها الإحساس مشغولا بالمكاشفة، لتقول في نص «ورق التاريخ»:

أحصي ورق الشجر على يدي

وأنثره

أقبض الريح بيدي

وأطلقها

هم...

كتبوا التاريخ بدمائهم

وتركوه!

وعن الملل تقول: «تقرفص أمامي/ تعبث في هاتفها/ أشرب قهوتي/ أتوه في موجاتها/ أحاول أن أبقى حية».

وتحرص أبو غيث على أن تتناول أعمالها الأدبية من منظور تشكيلي من خلال رسم لوحات تعبر عن حالات إنسانية عدة، يدخل في مدلولها الإنسان لتقول في نص «شباك»:

رسمت ليلا على الشباك

قمرا...

ونجمة

لكن الحلم لم يزرني

رسمت الصبح مشرقا

عصفورا

غصنا

وردة رفضت اللون

وقالت: هه...

لو كان لخيمتك شباك!

في جاءت اللغة في نص «سأحلم» متفاعلة مع تداعيات مفعمة بالشفافية: «سأدون.../ كل ما جال هنا... وهناك/ فالتاريخ يدون نفسه/ كل مساء»، وتقول عن «الحرية»:

يخنقها الحرير على السرير

تتسلق الشباك

تفرك رمشيها

كي تستوعب النور

ترى جيدا...

الشباك بلا زجاج

حان الآن موعد الطيران.

في ما كان لها رؤيتها الخاصة عن «الوجد»: امتلأ الدفتر/ بالوجد/ ولم يعد/ هناك مكان/ لقلبه«.

ونص»يا لي من لصة«- الذي اقتطعته الكاتبة عنوانا لمجموعتها الشعرية- تقول:

أدون التاريخ

وبين سطور الصفحة البيضاء...

أبحث عن عنوان

يا لي من لصة.

في حين تبدت المشاعر منفعلة وفي الوقت نفسه متجهة إلى التفسير والإيحاء عبر نص» الصديق الوفي:

حين يفرش الليل عباءته

يفتح التاريخ بوابة الحكايا

ذاتها

ترافقنا منذ الطفولة

عفاريت...

ملائكة...

أطفال...

أينام...

ودائما... كان الصديق الوفي

لمَ لمْ يعد يزرنني... حين زارني ذلك الوفي.

وتهتم الكاتبة في نصوص كتابها بالإيحاءات والمضامين المتعلق بالحياة بأكبر قدر من التكثيف، وبالتالي جاءت مفرداتها بسيطة‘ غير أنها تعبر عن معان شاملة ومتعددة الاتجاهات، لتقول في نص «قعر فنجان»:

تنظر لقعر الفنجان

ترى...

ماذا ترى؟

تتناول المنديل

تبصم عليه لحظتها

حتى لا يضيع لحظتها

تلتفت...

يمينا... ويسارا

وجوه هنا وهناك

مروا من هنا... وتاهوا!

وتختتم الكاتبة مجموعتها الشعرية بنص عنوانه«الصفحة الأخيرة»، والذي لخصت فيه رؤاها عن الحياة:

أتصفح التاريخ

كل يوم

صفحة...

صفحة...

ولا ألتفت للصفحة الأخيرة

لأني لا أبحث عن الوفيات!

هكذا جاءت نصوص الكاتبة أمينة أبو غيث في مجموعتها الشعرية... مفعمة بالحيوية ومتواصلة مع أكبر قدر من المشاعر، تلك التي بدت متناغمة مع بساطة الأسلوب، وفي الوقت نفسه حدة معانيه.