«الراي» قصدتها ورصدت غياب... «الحبايب»
بحمدون «ضيعة الكويتيين»... وحيدة وشاحبة في عزّ الصيف
| بيروت - من أسرار شبارو |
1 يناير 1970
05:23 م
• لا سيارات تقصد المكان... بل تلال نفايات متراكمة على جوانب الطرق
• لم تنجح كل محاولات استقطاب السياح بسبب الظروف الأمنية
حزينة هي بحمدون !
... «ضيعة الكويتيين» في الجبل اللبناني تبدو «وحيدة» في عزّ الصيف، يسودها شوق الى «الحبايب» الذين اعتادوا زيارتها للتمتع بهوائها العليل ومناظرها الخلابة وهوائها النقي.
بحمدون التي لطالما اشتهرت بصيفياتها العامرة مع المصطافين الذين باتوا من «أهل الدار»، تظهر عليها ملامح «الشيخوخة المبكرة»، فـ «عروس الجبل» هرمت قبل أوانها لأسباب خارجة عن إرادتها، بعدما لم تنجح كل محاولات استقطاب السياح ولا سيما الخليجيين في ظل الظروف الأمنية المحيطة بالمنطقة.
الطريق إلى بحمدون، التي يملك الكويتيون ما يقارب 35 في المئة من بيوتها ومحلاتها التجارية، يرسم «الليالي الحزينة» التي تعيشها هذه المنطقة التي كانت «لا تنام» في الصيف، فلا سيارات تقصد المكان، وتلال نفايات متراكمة على جوانب الطرق ولا سيما في بلدة بعلشمية عند مدخل بحمدون المحطة، ومطاعم وفنادق مقفلة، ولا حركة سوى لبعض أبناء المنطقة.
مَن يمر بـ «أميرة الجبل» يسمع أنينها الصامت، عتبها كبير على محبيها ولا سيما الكويتيين، تشتاق اليهم وتأمل ان تلقاهم عما قريب «لكن ليس في اليد حيلة» كما يقول رئيس بلدية بحمدون الضيعة الياس ثابت لـ «الراي»، مضيفاً: «منذ مدة وبحمدون تفتقد الخليجيين بعد تحذيرات بعض دولهم من زيارة لبنان. وكما يبدو فإن التحذيرات لا تزال قائمة، فلم نر أحداً منهم هذا الصيف، ومَن قدِم كان ذلك لتفقد ممتلكاته ليس أكثر. الموسم يقتصر على أبناء البلد الذين يحبون الاصطياف والذين يستأجرون المنازل لثلاثة أشهر لا أكثر». ويتابع: «المتضرر الأكبر هم أصحاب الفنادق والمطاعم. فزيارة أبناء البلد لا تكفي اذ بالتأكيد امكاناتهم المادية ليست كغيرهم من السياح العرب».
تتكوّن بحمدون، من بحمدون الضيعة وبحمدون المحطة، وعن سبب هذا التقسيم يشرح أحد كبار السن في المنطقة وهو جالس أمام محل لبيع الخضار: «في الماضي كانت محطة بحمدون تضم قطارات تقلّ أبناء الضيعة الذين أخذوا يرددون أنهم متوجهون الى المحطة، ومع الوقت عُرفت بهذا الاسم قبل ان يتم تقسيم بحمدون إدارياً الى قسمين لكل منهما مجلسه البلدي»، وأضاف: «بحمدون الضيعة هي للراحة والاستجمام، أما بحمدون المحطة فللسهر والتسوق».
تضم بحمدون الكبرى التي تجمع ما يقارب 12 قرية نحو 9000 وحدة سكنية، بالاضافة إلى عدد من الفنادق الفخمة وسوق تجارية بلا حياة، وقال ثابت: «في الستينيات بدأ الكويتيون بتملك عقارات في الضيعة بأسعار جيدة، لكن الآن لا حركة شراء ولا حتى بيع، فقد ارتفعت الأسعار بشكل كبير، ومَن اشترى سابقاً حقق استثماراً لابأس به».
«الموسم السياحي اعتيادي قياساً الى الظروف التي تمر بها المنطقة»، بحسب رئيس بلدية بحمدون المحطة اسطا ابو رجيلي الذي قال لـ «الراي»: «لا شيء جديداً عن الاعوام السابقة. واخواننا الكويتيون حُذروا من السفر الى لبنان، ولا شك انهم متشوّقون للقدوم لكن الوضع العام الذي يدور حولنا على الحدود السورية وما يجري في العراق أثر سلباً على الجميع». واستطرد: «كذلك حلول الشهر الكريم أوائل فصل الصيف أثّر على الموسم السياحي»، وموضحاً رداً على سؤال عن إغلاق بعض المطاعم والفنادق «ان المطاعم تُستأجر بشكل موسمي، والفنادق عدد كبير منها فتح أبوابه».
ويشكو صاحب محل للسمانة في منتصف بحمدون الضيعة من الركود الاقتصادي الذي يمرّ على بلدته منذ فترة، وقال لـ «الراي»: «لا تزيد نسبة الكويتيين الذين قصدوا الضيعة هذا الفصل عن 5 في المئة مما كنا نعتاده قبل أعوام. أما بالنسبة للمصطافين اللبنانيين، فتصل النسبة الى 15 في المئة، والفنادق جميعها مغلقة باستثناء فندقين، فإلى متى سنظل ندفع ثمن أزمات المنطقة؟».
على جوانب الطريق تم رفع لافتات لمهرجانات تنظّمها البلدية. الأمر يشبه فرحاً وسط مأتم حزين، فكيف لضيعة مهجورة أن تنظم مهرجانات وتدعو الناس اليها؟ عن ذلك علّق ثابت: «الدخول مجاني لحضور حفلات تضم عدة فنانين، أما المهرجان الأهمّ فهو لمناسبة عيد السيدة العذراء التي كانت بحمدون من أوائل المنظمين له، حيث يجري تحضير أكلة الهريسة التي باتت من تراثنا وتوزيعها بالمجان». واستطرد: «ميزانية البلدية لا تسمح بتنظيم مهرجانات كبيرة، لنا أموال مع الدولة التي كلما طالبناها أجّلت عملية الدفع».
أزمة النفايات التي عانتها العاصمة بيروت وجبل لبنان بعد اغلاق مطمر الناعمة من أهالي المنطقة، انعكست على بحمدون. لكن البلدية سارعت ووجدت حلاً مؤقتاً لها، وعن ذلك قال ثابت: «كانت الشركة المعنية بالنظافة ترفع النفايات لقاء مبلغ مالي يفوق 80 في المئة من ايرادات البلدية، وعند حلول الأزمة وتَوقُّف الشركة عن رفعها بدأنا نطمر في قطعة أرض تعود للبلدية في الوادي، لكن وجود أبنية سكنية قريبة من المكان دفع السكان إلى تقديم شكوى، فنقلنا الطمر إلى قطعة أرض أخرى لا توجد ابنية سكنية قريبة منها. وهذا الحل موقت فالأرض المستخدَمة لا يمكنها أن تتحمل نفايات لأكثر من أيام قليلة ولا نريد أن نلجأ إلى حرْقها كون مضارها على البيئة كبير جداً».
من جانبه أكد أبو رجيلي أن بلدية بحمدون - المحطة عملت على رفع النفايات منذ اليوم الأول للأزمة «فنحن ندفع لتلك الشركة كي تنقل النفايات إلى مستوعباتها، وما ترونه من نفايات على الطريق يعود الى بلدية بعلشمية التي طالبناها مراراً بالعمل لايجاد حل لها».
واذا كان ثابت ينتظر وأهالي بحمدون عودة المصطافين وعلى رأسهم الكويتيون «لاستقبالهم بالقلب، فمعزّتهم غالية كونهم الرائدين بالمجيء»، فإن أبو رجيلي أمل أن تمر الغيمة السوداء بسرعة «وعلى رغم صعوبة المرحلة ستبقى الشراكة بين بحمدون وأهالي الكويت متينة فهم يعلمون مقدار المحبة التي نكنّها لهم».
هكذا تبدو بحمدون في عزّ الصيف، دمعةً في عين، وأملاً في الأخرى بأن تستعيد «لؤلؤة الجبل» مصطافيها واحتفالاتها الدائمة.