أعلنها «حرباً» على قهوجي... ويفاوض بيد ويحمل «عصا» الشارع بيد أخرى

عون: «حزب الله» على الحدود لأن الجيش اللبناني... «مقصّر»

1 يناير 1970 05:25 م
يفاوض بيد ويحمل «العصا» بيده الأخرى. هكذا بدا زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون امس، اذ وضع على الطاولة ورقة التظاهر في الشارع ضد التمديد لكل من قائد الجيش ورئيس الاركان والامين العام للمجلس الأعلى للدفاع مستنفراً مناصريه وداعياً كل «عنصر في التيار» للبقاء «على أقدامهم» استعداداً للنزول الى الارض «عندما يدقّ النفير وإلا ما معنى الالتزام؟».

ورغم أن عون أطلق بعد الاجتماع الاستثنائي لتكتل «التغيير والإصلاح» الذي ترأسه، مرحلة «التحمية» التي تسبق تصعيده المرتقب في الشارع والذي لا يُستبعد أن يرفع منسوبه تباعاً وصولاً إلى العصيان المدني، إلا أن عدم تحديده ساعة الصفر لبدء حركته الاعتراضية على الأرض عكس رغبة في الإبقاء على «نافذة» للاتصالات الجارية في محاولة لتوفير مخرج يحفظ له ماء الوجه ،بعدما شكّل التمديد سنة لقائد الجيش العماد جان قهوجي خصوصاً «صفعة» مزدوجة لعون، اذ انها أنهت اولاً حظوظه لبلوغ رئاسة الجمهورية بعدما اعتُبر تأجيل تسريح قهوجي في سياق تعزيز «نقاط» الأخير كمرشح تسوية، كما قطعت ثانياً الطريق على وصول صهره العميد شامل روكز إلى رأس المؤسسة العسكرية.

ولعلّ هذا البُعد لقرار وزير الدفاع سمير مقبل بتأجيل تسريح قهوجي ورئيس الاركان وليد سلمان واللواء محمد خير هو الذي يفسّر «المواجهة المباشرة» التي أعلنها عون مع العماد قهوجي الذي توجّه اليه للمرة الاولى مسقطاً عنه صفته العسكرية ومحذراً اياه بلغة غير مألوفة: «اياك يا جان قهوجي ان تُنزِل الجيش لمواجهتنا (في الشارع)، فلا يوضع الجيش في مواجهة تظاهرة سلمية وبالمأزق الذي وُضع به في التحركات السابق، ولا يحق لقهوجي ترك عرسال وطرابلس ووادي خالد وأن يقف في وجهنا. أنت جزء من الانقلاب بالقضم الذي يحصل وأنت تسيّس الجيش عندما تضعه بخدمة سياسيين».

وشكّل اشتعال «حرب الجنراليْن» اشارة معبّرة الى ما يمكن ان ينزلق اليه الوضع بحال انتقلت المواجهة بينهما الى الشارع ولم تنجح المساعي في توفير المخرج الملائم والذي يتمحور حول رفع سنّ التقاعد للضباط ثلاث سنوات بما يُبقي على حظوظ روكز بتولي قيادة الجيش، وذلك بعدما رفض صهر عون اقتراح تيار «المستقبل» بترقيته مع عدد من الضباط الى رتبة لواء بما يضمن تأجيل تسريحه، اذ اعتبر الأمر قراراً «لمصلحة شخصية».

وتبعاً لذلك، ستكون الايام القليلة المقبلة بمثابة «الفرصة الأخيرة» الفاصلة بين «المعركة المفتوحة» او نجاح الاتصالات في تأمين تَوافُق لا يبدو سهلاً على رفع سنّ التقاعد الذي كان «المستقبل» رفضه باعتبار انه يؤثر على هرمية المؤسسة العسكرية ويسبّب تخمة في عدد العمداء ويرتّب أعباء مالية ضخمة، وسط اعتبار دوائر سياسية ان هجوم عون غير المسبوق على قهوجي قد يجعل قيادة الجيش تتشدد أكثر في رفضها هذا الخيار.

وبدا واضحاً ان الفسحة الممنوحة للاتصالات تنتهي الاربعاء، وهو اليوم الذي يلي زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لبيروت ويسبق جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس والتي تشير معطيات عدة الى ان رئيس الحكومة تمام سلام قد يعمد خلالها الى الدفع نحو اتخاذ قرارات وفق المقاربة التي يراها للعمل الحكومي اي التوافق غير الاجماعي مع رفض اي مشاركة له بوضع جدول الأعمال، وهو ما من شأنه بحال لم يكن تم بلوغ مخرج لملف التمديد للقادة العسكريين ان ينقل الأزمة السياسية الى مرحلة أشدّ تعقيداً.

على ان مصادر مطلعة في بيروت، ترى عبر «الراي» ان عون الذي يتعاطى كمَن لم يعد لديه شيء ليخسره، واياً يكن ما سيفعله على الأرض، فهو لا يملك الثقل المطلوب لضرب «الستاتيكو» الحالي في لبنان والذي تشكّل الحكومة نقطة الارتكاز فيه اضافة الى منْع حصول اي خضات أمنية بالشارع يمكن ان تجرّ الى الفوضى، علماً ان التمديد للقادة العسكريين وُضع في سياق «تحصين» هذا الستاتيكو الذي يحظى بغطاء خارجي.

وتستدلّ المصادر على هذا الامر من تطورين: الاول ان «حزب الله» اكتفى بدعم «معنوي» لعون وتفادى حتى الساعة اي تعليق على خطوة وزير الدفاع، وان الحزب يواصل مساعيه لتأمين «منْفذ» لعون يحدّ من «خسائره الكبيرة». اما التطور الثاني فهو تمني المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ عقب زيارتيها سلام ووزير الدفاع ان «يساهم تأجيل تسريح مناصب أمنية عليا بحفظ استقرار لبنان في هذه الاوقات الحرجة، وان يعني هذا التأجيل وجود استمرارية بالمراكز القيادية في الجيش».

وكان عون اتّهم بعد اجتماع تكتله الحكومة بـ «القيام بما يسمى الانقلاب بالقضم»، واصفاً قراراتها بـ «التعسفية»، مضيفاً: «الحكومة لا تستحي بمحاولة كسر عون وتحطيمه وهي كلمات كبيرة عليهم. اشباه الرجال لا يفهمون ان رأس مالي شعبي وانا أسقطهم ولا يسقطونني».

وهاجم ضمناً وبعنف تيار «المستقبل»، متحدثاً عن «فاسدين وخونة يتعاملون مع الخارج لضرب قوة وطنية (...)»، متوجهاً الى اللبنانيين «أنتم مهدَّدون بكل شيء خصوصاً المسيحيين، وانتم مدعوون للتصويت بأقدامكم على هذه الحالة من الفساد الشامل (...) ومصيركم كان ليكون مثل نينوى (في العراق) لولا حزب الله على الحدود، وهو موجود لان الجيش مقصّر».