كارثة النفايات تُسابِق موجة الحرّ وتفرز «اصطفافات مناطقية»

الأزمة الحكومية في لبنان رهينة مناخ التشدّد الإقليمي في المنطقة

1 يناير 1970 05:23 م
• الجيش يوقف 23 سورياً للاشتباه في انتماء بعضهم إلى تنظيمات إرهابية
يسود حبس أنفاس مزدوج في لبنان، أولاً حيال الأزمة الحكومية التي تشهد سباقاً بين المحاولات الصعبة لمعالجتها وبين تلويح رئيس الوزراء تمام سلام بورقة الاستقالة، وثانياً حيال أزمة النفايات التي تفيض بها شوارع بيروت وضواحيها الجنوبية والشمالية والشرقية والقسم الأكبر من جبل لبنان والتي تُسابِق بدورها موجة حرّ مرتقبة في الساعات المقبلة تنذر بتعميق الكارثة البيئية التي تشي بمضاعفات صحية والتي بدأت تترك تداعيات على القطاع السياحي الذي يعاني أصلاً نتيجة الواقع السياسي المأزوم والمخاطر الأمنية.

واذا كانت أكوام النفايات، وبآلاف الأطنان، التي تفترش الشوارع تنتظر بدء تطبيق الحلول التخديرية التي يجري العمل عليها بين وزير البيئة محمد المشنوق والبلديات على وقع بروز اصطفافات مناطقية تنذر بارتدادات سياسية مع رفْض عدد من المناطق استقبال نفايات بيروت تحت عنوان «أَبعِدوا وسخكم عنّا» و«كل ديك على مزبلتو صيّاح»، فإن المتاريس السياسية المرتفعة بين مكّونات الحكومة وتحديداً فريق ميشال عون مدعوماً من «حزب الله» وبين الرئيس سلام الذي تؤيده سائر أطراف الحكومة تشي بمسار غير نظيف للأزمة الوزارية التي يختزلها إصرار عون على تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش والتي تختبئ وراء عنوان آلية عمل الحكومة وحقوق المسيحيين.

وغداة قذف رئيس الحكومة «كرة نار» آلية عمل الحكومة الى جلسة حدّد موعدها الثلاثاء المقبل محتفظاً ببطاقة الاستقالة في جيْبه، بدا واضحاً بحسب دوائر سياسية في بيروت ان الأزمة الحكومية صارت مستحكمة وتترنّح بين 3 احتمالات: إما الاستقالة الضمنية على قاعدة تعليق الجلسات (الاعتكاف) او عقد جلسات غير منتجة، او إعلان سلام الاستقالة وتحويل الحكومة الى تصريف الأعمال، او مضيّ رئيس الوزراء في خيار رفض منطق التعطيل الذي تعبّر عنه صيغة التوافق الاجماعي على المقرارات كما رفْض المساس بصلاحيات رئيس الحكومة في تحديد جدول أعمال الجلسات، وتالياً القفز فوق اعتراضات عون وهو ما يمكن ان يؤدي الى انفلات الأزمة في السياسة كما في الشارع الذي يُبقيه عون جاهزاً للتحرك «على الطلب».

وفيما شكّل كلام عون في إطلالته التلفزيونية مساء أول من أمس، عبر برنامج «كلام الناس» على شاشة «إل بي سي» مؤشراً الى استمراره في مسار التشدد على جبهتيْ الحكومة ورئاسة الجمهورية، كرّس كلام صهره وزير الخارجية جبران باسيل أمس، هذا المنحى، حيث أعلن: «إننا لن نرضى في ظل ما نعايشه باختزال دورنا والاعتداء على حقوقنا وحتى لا يُضطر بعضنا إلى اللجوء إلى ما لا نبتغيه، ندعو إلى يقظة شاملة».

وبإزاء هذا التمتْرس برزت مفارقتان: الاولى هي المعلومات عن ان رئيس الحكومة تلقّى سلسلة اتصالات اوروبية ودولية بعد تلويحه بالاستقالة حضّته على تفادي القيام بأي خطوة قد تُسقط الخطوط الحمر أمام انزلاق الوضع اللبناني الى أزمة نظام معلنة، ولا سيما في ظل محاولات تحريك الملف الرئاسي واستكشاف إمكان جعله نقطة الانطلاق لاختبار حسن نيّات ايران «ما بعد النووي» في علاقتها مع المنطقة وأزماتها، وهو ما سيبرز مع الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية الفرنسي لطهران الاسبوع المقبل، حيث سيبحث مجموعة عناوين، بينها رئاسة لبنان بتكليف من الرئيس فرانسوا هولاند.

أما المفارقة الثانية، فتمثّلت في بروز مناخ في بعض وسائل الإعلام القريبة من «8 آذار» حضّت رئيس الحكومة ضمناً على الاستقالة تحت عنوان «لا نفترض أن أحداً يسجّل عليه أنه أخذ البلد إلى فتنة من أي نوع كانت، سواء بعنوان الفتنة المسيحية ـ الإسلامية أو الفتنة السنّية ـ الشيعية أو الفتنة المارونية ـ السنّية»، وإن «اللبنانيين ينتظرون من هذا الرئيس الذي يمثّل التوافق الوطني أن يقيس الأمور بميزان من الذهب. فإذا كان الحفاظ على الحكومة بأي ثمن، سيؤدي إلى فلتان الشارع وربما سقوط دم هنا أو هناك، أو سيؤدي إلى تصاعد الخطاب الطائفي والمذهبي، فإن حماية الاستقرار تتقدم على ما عداها، وعندها لن يكون مستبعداً أن يرمي الرئيس سلام كرة النار في حضن الجميع، من أقربين وأبعدين».

وتَرافق هذا المناخ، مع تسريب أجواء عبر أقلام قريبة من «8 آذار» عن احتمال ان يُقْدِم هذا الفريق في الخريف على الاستقالة وتطيير الحكومة في التوقيت الذي تريده ايران، بما يجعل بحْث المسألة اللبنانية أمراً ملحّاً على الصعيد الاقليمي والدولي وحلّها على قاعدة «إعادة تشكيل السلطة» وطبعاً وفق موازين ما بعد النووي.

وبإزاء هذا الجو الأقرب الى الحرب النفسية، رأت أوساط مطلعة عبر «الراي» ان «الاحتدام الداخلي في لبنان ما هو إلا انعكاس لمرحلة شدّ الحبال التي يتوقع ان تدخلها المنطقة على خلفية الاتفاق النووي، في ظل قناعة بأن طهران ستعمد في الفترة المقبلة الى التشدّد في ساحات نفوذها والاستفادة من الأموال التي سيُفرج عنها لتعزيز مواقع حلفائها سواء في سورية او لبنان والعراق او اليمن وغيرها قبل الإقدام على ايّ ترتيب للأوراق في المنطقة او الانخراط في عملية ترسيم النفوذ، في مقابل بروز اندفاعة سعودية لجمْع أوراق القوة في مناطق تأثيرها لتدعيم عملية التصدي للتمدد الايراني وتعديل موازين القوى وهو ما بدأ يحصل في اليمن».

ومن هنا، ترى هذه الأوساط ان «اي خطوة في لبنان تجري عملياً على رقعة الشطرنج الاقليمية، بما يجعل كل حركة محكومة بمجمل واقع المنطقة وصراع النفوذ فيها»، لافتة إلى أن «جلسة الحكومة المقبلة ستشكّل جولة جديدة في مسار الاختبار الداخلي والاقليمي»، ومعتبرة انه «حتى لو نجحت الاتصالات في ترحيل المشكلة مرة أخرى، فإن استحقاق التمديد لرئيس الأركان في الجيش الذي تنتهي خدمته في السابع من اغسطس سيشكّل صاعقاً جديداً يُخشى ان يدفع الأمور نحو التفجير ولا سيما وسط الاقتناع بأن سير النائب وليد جنبلاط بالتمديد للواء وليد سلمان في رئاسة الأركان (يتولاها درزي) خلفيته عدم إعطاء أحقية لعون في معركته لتعيين قائد جديد للجيش، وتأجيل تسريح سلمان سيعني تلقائياً ان التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي بات في الجيْب في سبتمبر، وهو ما يستشرس عون في قطع الطريق عليه لعلمه انه ينطوي على رغبةٍ حتى من بعض (8 آذار) كالرئيس نبيه بري اضافة الى جنبلاط، في إبقاء ورقة قهوجي حاضرة في الملف الرئاسي كمرشّح تسوية».

في غضون ذلك، أوقفت قوة من الجيش اللبناني 23 شخصاً من الجالية السورية شرق لبنان وشماله، للاشتباه في انتماء بعضهم إلى تنظيمات إرهابية وتجول بعضهم داخل الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية.