جنبلاط التقى هولاند وجعجع اجتمع بالحريري غداة محادثاته مع خادم الحرميْن

استكشاف لبناني لفرص انتخاب رئيس جديد... «ما بعد النووي»

1 يناير 1970 03:41 م
للمرّة الأولى منذ أشهر يطغى ملف الانتخابات الرئاسية على المشهد السياسي في لبنان، حاجباً وهج الأزمة الحكومية المتفرّعة من الشغور الرئاسي والتي تضرب موعداً بعد غد مع جولة جديدة من الصراع الذي يدور على جبهة آخر المؤسسات العامِلة في النظام اللبناني الذي يقف على حافة الفشل.

فمن خلف غبار استكمال غالبية الأطراف السياسية استعداداتها لمنازلة عضّ الأصابع في مجلس الوزراء الخميس المقبل، والانشغال بالملابسات الغامضة لخطف التشيكيين الخمسة في البقاع، شخصت الأنظار على باريس وجدّة في ضوء استقبال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمس رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط ونجله تيمور، غداة اللقاء البارز لرئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع مع خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبد العزيز وكبار قادة المملكة.

وذكرت أوساط واسعة الاطلاع في بيروت لـ «الراي» أن «لقاءات باريس وجدّة تأتي في سياق مزدوج، الأول استكشاف آفاق الوضع في المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي بين ايران والغرب، والثاني استطلاع إمكان إحداث خرْق في الأزمة اللبنانية، التي يشكّل الشغور الرئاسي عنوانها الرئيس».

واذا كانت زيارة جنبلاط للعاصمة الفرنسية تكتسب أهميتها من حيث الدور الذي تضطلع به باريس بخصوص الملف الرئاسي منذ بداية الشغور، والذي جعلها تفتح اكثر من خط تواصل مع طهران والفاتيكان، الى جانب مغزى اعلان رئيس الديبلوماسية الفرنسية رولان فابيوس عن رغبة في تطبيع العلاقات مع إيران ما بعد النووي، فإن دلالات محادثات جعجع في السعودية حيث التقى أمس الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري تكمن في بُعديْن:

أوّلهما في الشكل، اذ انها الزيارة الاولى لشخصية سياسية لبنانية يخصّها خادم الحرميْن الشريفيْن بلقاء منذ فترة، وثانيهما في المضمون الذي يرتبط بتوقيت الزيارة التي جاءت بعد توقيع الاتفاق النووي وفي غمرة انهماك المملكة في بحث سبل مواجهة المرحلة الجديدة في المنطقة، وايضاً في عزّ المأزق اللبناني الذي يُخشى ان ينفتح على فصول أكثر تعقيداً في ضوء الشلل الزاحف الى المؤسسات الواحدة تلو الأخرى.

وما عكس أهمية المحادثات بين الملك سلمان وجعجع، حرْص الأول على ان يحضرها ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الامير محمد بن سلمان وعدد من الوزراء ورئيس الاستخبارات العامة خالد بن علي الحميدان، علماً ان وكالة الانباء السعودية «واس» أفادت ان الملك سلمان استقبل جعجع في قصر السلام في جدة «وجرى خلال الاستقبال بحْث مستجدات الاوضاع على الساحة اللبنانية. واعرب رئيس (حزب القوات اللبنانية) عن شكره وتقديره للمملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين على ما يجده لبنان وشعبه من دعم وحرص على امنه واستقراره في مختلف الظروف».

ورغم هذا الحِراك المستجدّ خارجياً، فإن مصادر سياسية متابعة في بيروت أبلغت «الراي» عن «عدم تفاؤلها بحلول وشيكة للأزمة السياسية في لبنان»، معتبرة ان «الحكومة دخلت عملياً في مرحلة الموت السريري» وسْط حرص على عدم إعلان وفاتها، ولافتة الى ان «(حزب الله) الراغب في الحفاظ على الاستقرار في البلاد انطلاقاً من انشغاله بالحرب في سورية والعراق سيمضي في سياسة تعليق الدولة واستحقاقاتها ريثما تحين لحظة توظيف اي تسوية لمصلحة إحداث تعديلات في النظام اللبناني تصب في مشروعه في إطار منظومة النفوذ الايراني الجديدة».

وتستنتج هذه المصادر بأن «لا أفق في المدى المنظور لأي حِراك داخلي او خارجي من شأنه كسْر المأزق الرئاسي»، معتبرة ان «الجهود ستبقى منصبّة على ضبط ايقاع الأزمة الحكومية بما يحول دون انفلاشها خارج الحدود المرسومة لها»، وإن كانت المصادر نفسها لا تُسقِط من الحساب إمكان حدوث مفاجآت سلبية نتيجة معاندة زعيم «التيار الوطني الحر» ميشال عون في قضية تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش، وهي المعركة التي بات يخوضها من بوابة آلية عمل الحكومة الرئاسية التي ستكون موضع بحث مفصّل في جلسة مجلس الوزراء.

ورغم طغيان أزمة النفايات المتكدسّة في الشوارع على الواقع اللبناني، وسْط تقديرات عن انها ستكون البند الطارئ على طاولة مجلس الوزراء، فإن عدم الوضوح لا يزال يسود حيال قضية آلية العمل الحكومي وسْط إصرار رئيس الحكومة مدعوماً من غالبية أفرقاء الحكومة على رفض منطق التعطيل الذي يعبّر عنه تمسك عون، مدعوماً من «حزب الله»، بالتوافق الإجماعي ورفْض اي تصويت على القرارات.

وفي سياق متصل، يبدو ان «حزب الله» نجح في سكب مياه باردة على العلاقة المأزمة بين حليفيْه رئيس البرلمان نبيه بري وعون، والتي تجلّت بوضوح في مجلس الوزراء وبدا أن خلفيتها الفعلية تتصل بتحميل بري زعيم «التيار الحر» مسؤولية تعطيل عمل البرلمان.

وحسب المعلومات، فإن «حزب الله» توصّل الى إقناع بري بتهدئة الأمور مع عون، وسْط تقارير عن إمكان انضمام كتلة عون الى مؤيدي فتْح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب مقابل مرونة من رئيس البرلمان حيال موضوع عمليات تلزيم بلوكات استخراج النفط وعلى قاعدة عدم الاعتراض على ان تبدأ من أي منطقة، وليس بالضرورة من جنوب لبنان.