الحريري سحب فتيل التجييش الطائفي وترك أبواب الحلول مفتوحة بـ «التوافق وبلا فيتوات»
«عيون» لبنان على... «ليالي النووي في فيينا»
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
03:41 م
لم تبدُ فيينا يوماً بهذا القرب الى بيروت. فالعاصمة اللبنانية التي كانت ترصد باهتمام «ليالي النووي في فيينا»، كانت أمس مشدودة بالكامل الى آخر فصول المفاوضات بين ايران والمجتمع الدولي والتداعيات المحتملة لتوقيع الاتفاق المنتظر على مجمل واقع المنطقة المشتعلة كما على لبنان الذي يقف على حافة النار.
وحتى قبل ان يتم إبرام الاتفاق النووي، قفز كثيرون في بيروت فوق شعار «الشيطان يكمن في التفاصيل» و «ما تقول فول تيصير بالمكيول»، ولاحت قراءات بدت وكأنها متسرّعة في الرهان على مفاعيل سريعة إيجابية لهذا الاتفاق على الواقع اللبناني على قاعدة انه سيكون أوّل عنقود المستفيدين منه باعتبار انه الساحة التي بقيت نسبياً الأهدأ ويمكنها ان تشكّل تالياً اول اختبار سهل لمنظومة النفوذ الجديدة التي سيرسمها التفاهم بين طهران والمجتمع الدولي.
ويشكّل التعويل على النووي لإنهاء الأزمة اللبنانية التي يعبّر عنها الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية المستمرّ منذ أكثر من عام والشلل في عمل البرلمان ودخول الحكومة مخاضاً تعطيلياً تجري محاولة كبحه، دليلاً على استشعار غالبية الاطراف الداخليين بأن خيوط اللعبة ممسوكة بالكامل من الخارج، وبأن المطلوب منهم فقط إبقاء خطوط التواصل قائمة وجاهزة لحالتيْن: الاولى تلقُّف اي تفاهمات إقليمية - وإن موْضعية - قد تفرزها الوقائع الجديدة بعد دخول طهران تحت المظلّة الدولية. والثانية تمديد حال التطبيع بحال فرضت مرحلة جس النبض بين مراكز النفوذ الإقليمية في أعقاب الاتفاق النووي المزيد من إبقاء الوضع اللبناني معلّقاً ريثما يتضح الخيط الأبيض من الأسود في ساحات إستراتيجية أكثر مثل سورية والعراق واليمن.
ويسود أوساط سياسية في بيروت انطباع بأن «انعكاسات الاتفاق النووي لن تظهر في وقت وشيك»، متخوفة في الوقت نفسه من «ان تكون مرحلة اختبار الثقة التي ستليه مشوبة بالمخاوف من إمكان ان يتمّ استغلالها إما لمحاولة فرْض وقائع على الأرض في لبنان في إطار حجز مقاعد متقدمة على طاولة المساومات، او من أطراف محلية ترفض التسليم بأي تسويات فتسعى الى قلب الطاولة استباقياً، او حتى من إسرائيل بحال خرج الاتفاق من دون ان يتضّمن معالجة لما تعتبره خطوطاً حمراً تتعلق بأمنها القومي ووجودها، حيث يشكّل (حزب الله) بهذا المعنى رأس الخطر».
وبأيّ حال، مضى لبنان أمس في سياسة التبريد مستفيداً من هدنة عيد الفطر التي يتم التعاطي معها على أنها فسحة للبحث عن مخارج للأزمة الحكومية التي انفجرت في شكل غير مسبوق الخميس الماضي مع التحرك الذي قام به زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون سواء داخل الحكومة مهاجماً رئيسها تمام سلام تحت عنوان «الداعشية السياسية» وسرقة صلاحيات رئيس الجمهورية او في الشارع الذي حرّكه تحت عنوان «استعادة حقوق المسيحيين»، وكل ذلك على خلفية الخلاف حول تعيين صهره العميد شامل ركز قائداً للجيش قبل شهرين من انتهاء خدمة العماد جان قهوجي، والذي سرعان ما تطوّر ليتناول آلية عمل الحكومة التي ورثت صلاحيات رئيس البلاد.
وبعد مواقف حلفاء عون، ولا سيما «حزب الله» والنائب سليمان فرنجية، التي جاءت لتضع له ما يشبه الضوابط لاندفاعته وتعيد رسم خط أحمر حول الحكومة، جاءت كلمة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري امام نحو 17 ألف مدعو لـ 14 إفطاراً أقامه تيار «المستقبل» في مناطق عدة في بيروت والشمال والجنوب والبقاع والجبل، لتسحب فتيل البُعد الطائفي الذي أفرزه تحرّك زعيم «التيار الحر»، ولا سيما ان الحريري لفت الى وجود أطراف داخلية مستفيدة من نقل الصراع من سياسي الى طائفي، مقدماً مقاربة للواقع اللبناني تعمّد فيها عدم إعطاء عون اي مادة للتجييش السياسي او الطائفي على اساسها.
وفيما محض الحريري جرعة دعم اضافية لرئيس الحكومة تمام سلام أكملت اندفاعة الدفاع عنه التي عبّرت عن نفسها في تضامن داخلي وخارجي معه الى جانب حشود شعبية أمّت دارته الأحد الماضي، فلا أفق بعد لكيفية الخروج من الأزمة الحكومية، وسط تمسُّك سلام وغالبية مكونات الحكومة بمنطق «التوافق غير التعطيلي» ورفْض ابتداع آليات عمل تخالف الدستور وروحه أوتمسّ صلاحيات رئاسة الحكومة، وسْط ترقّب لما يمكن ان تفضي اليه اتصالات يجريها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مع الحريري وعون في محاولة لتدوير الزوايا، ومن دون استبعاد ان يشكّل موعد تعيين رئيس هيئة الأركان في الجيش اللبناني خلفاً للواء وليد سلمان في 7 أغسطس المقبل محطة يرجّح أن تفتح الباب أمام تعيينات شاملة، وأن يشكّل باباً إما للحلّ او لخيارات غير محسوبة، يُخشى ان يقدم عليها عون بحال لم يحصل توافق على روكز.
وكان الحريري قال في كلمته التي ألقاها من السعودية: «إننا في (تيار المستقبل) لسنا موجودين على المتاريس الطائفية ولسنا بوارد أي مواجهة على أساس طائفي وإذا كان هناك من يريد فتح مواجهة كهذه فسيجد نفسه في مواجهة مع نفسه»، متهماً «حزب الله» بالمتخصّص بالتفرّد والتهميش.
وإذ اعلن ان تياره المعتدل لن ينجرّ إلى لعبة الآخرين في وضع «فيتو» على أحد او إغلاق الباب على أي مخرج واقعي، شدد على التوافق الوطني في موضوع رئاسة الجمهورية، معتبراً أن الرهان على متغيّرات في سورية أو انتظار نتائج المفاوضات النووية «لن تصنع الرئيس»، وواصفاً الكلام عن الفيديرالية بأنه «ينطلق من التطورات العسكرية في المنطقة والأحزمة الطائفية التي يجري العمل عليها في سورية والعراق»، داعياً إلى التضامن لإعادة الاعتبار للمؤسسات الدستورية، مؤيداً خطوات سلام لحماية السلطة التنفيذية من الوقوع في الشلل والفراغ، ومشيراً إلى ضرورة التكامل مع جهود الرئيس نبيه برّي لتفعيل العمل التشريعي في نطاق التفاهم السياسي على الأولويات.
وردّ الحريري على الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله مؤكداً أن «طريق فلسطين لا تمر بالزبداني ولا بدمشق، الطريق من بيروت إلى طهران يمر بسورية وبالعراق، أما الطريق إلى فلسطين فبالتأكيد لا»، مؤكداً أن «عاصفة الحزم» ما زالت شوكة في حلق المشروع الإيراني للهيمنة على المنطقة.