مع سريان «هدنة الأسبوعين» بعد «خميس الشغب» السياسي والميداني
عون أصيب بـ «انتكاسة» وسلام خرج بـ «نقاط ثمينة»
| بيروت - «الراي» |
1 يناير 1970
03:41 م
أثبتت خلاصات يوم المواجهة الصاخب داخل مجلس الوزراء وفي الشارع أول من أمس، صمود «الخط الأحمر» الإقليمي - الدولي المرسوم امام أي محاولة إسقاط لحكومة الرئيس تمام سلام، وإن كانت وقائع «خميس الشغب» السياسي - الميداني أظهرت المنحى الخطر الذي يمكن ان يسلكه الوضع اللبناني في ظلّ معركة «الهروب الى الأمام» التي يخوضها زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون على جبهتيْ تمسُّكه ببلوغ سدة رئاسة الجمهورية وإيصال صهره العميد شامل روكز الى قيادة الجيش.
وغداة «هدنة الأسبوعين» التي انتهت إليها جلسة «الصوت العالي» لمجلس الوزراء، انهمكت بيروت أمس في غرْبلة حسابات الربح والخسارة التي أفضت اليها تطوّرات اليوم الصاخب الذي تردّدت أصداؤه في أكثر من اتجاه، ولا سيما في ضوء الاشتباك الكلامي غير المسبوق في حدّته بين الرئيس سلام ووزير الخارجية جبران باسيل (صهرعون) والتحرك الخشن في الشارع لأنصار عون الذين حاولوا اقتحام حواجز القوى الامنية قرب السرايا الحكومية.
وأمكن في هذا السياق استخلاص النتائج الآتية:
بالنسبة الى العماد عون، الذي اعتبر انه حقق فوزاً داخل مجلس الوزراء لجهة تكريس النزاع حول آلية العمل داخل الحكومة الرئاسية والتي ستكون موضع بحث في الجلسة المقبلة بعد عيد الفطر، فهو مُني - بحسب دوائر سياسية - بمجموعة خسائر.
أولاً أنه تراجع عن رفْضه بحْث اي بند في الحكومة قبل تعيين روكز قائداً للجيش، اذ عاد وقبِل بمناقشة البند المتعلق بالمستشفيات والذي تم إقراره، كما تراجع عن رفْضه القرار المتعلق بالصادرات الزراعية الذي كان صدر قبل 8 ايام، وكل ذلك مقابل وعد من رئيس الحكومة بمناقشة ما أسماه سلام مقاربة عمل الحكومة - ودائماً تحت سقف «لا تعطيل» - بعد أسبوعين.
ثانياً ان زعيم «التيار الحر» بدا وحيداً في معركته التي رفع لها عنوان «حقوق المسيحيين»، اذ ان حلفاءه توزعوا بين مؤيدين من باب الحرَج ولم يشاركوا معه في لعبة الشارع او حتى دافعين في اتجاه منعه من الاندفاع الى مواجهة غير محسوبة، وهو ما عبّر عنه الدور الذي لعبه «حزب الله» عبر وزيره محمد فنيش في إقناع باسيل بالسير بالمَخرج الذي اعتُمد بمبادرة من وزير الداخلية نهاد المشنوق على قاعدة ان يتم إقرار بند المستشفيات مقابل بحث آلية عمل الحكومة في الجلسة المقبلة، الامر الذي اعتُبر بمثابة السلّم لإنزال عون من على الشجرة التي تسلّقها برفْعه السقف العالي لمطالبه. ثالثاً ان عون، الذي ظهر بوضوح خلال جلسة مجلس الوزراء ان رئيس البرلمان نبيه بري كان الاكثر شراسة في التصدي لمنطقه بتعطيل الحكومة، وجد نفسه ايضاً امام «هوة» آخذة في التعمق مع حليفه المسيحي النائب سليمان فرجية الذي لم يشاركه التحرّك في الشارع وكان وافق على فتح دورة استثنائية للبرلمان. وكان بارزاً في هذا السياق، ان فرنجية عقد امس مؤتمراً صحافياً رداً على اتهامات له من بيئة «التيار الحر» بالخيانة، فانتقد بداية ان قرار التحرك في الشارع «تبلّغناه قبل 24 او 48 ساعة»، معلناً انه «عندما نتبلّغ بأمر فلنا ملء الحق برفضه او الموافقة عليه، اما عندما تتم استشارتنا ونكون شركاء في القرار فعندها نكون امام التيار»، ورافضاً طرح عون لجهة الفيديرالية، ومتمنياً ان يكون زلّة لسان، ومؤكداً في الوقت نفسه «اننا متفقون على موضوع حقوق المسيحيين ولكن ربما نختلف على الطريقة».
رابعاً ان عون، لم ينجح في تجييش الشارع وراء مطالبه بدليل الحشد الهزيل الذي شارك في التجمع قرب السرايا الحكومية. ورغم محاولة «التيار الحر» التدارك بأن التحرك جاء عفوياً، فانه بدا واضحاً صعوبة تكوين رأي عام مسيحي داعم لمنطق الجنرال، الذي بلغ حدّ اصطدام جمهوره على الأرض بالجيش الذي يُعتبر بالنسبة له من المقدسات، وذلك في ظل رفض غالبية الأحزاب والتيارات المسيحية الأخرى لمقاربته التي وصفتها اوساط مطلعة، بانها تعكس أنه على كوكب آخر، اذ لا تراعي الواقع اللبناني ولا تعقيداته ولا المخاطر المحيطة به.
خامساً ان عون، ورغم تكرار الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في كلمته امس في «يوم القدس» التضامن الكامل معه ومع مطالبه بالشراكة ورفض التهميش، بدا وكأنه يحرج الحزب في سلوكه سواء في الملفيْن الرئاسي والحكومي. فالحزب ممتعض من مسألة الاستطلاع الرئاسي لدى المسيحيين الذي يصرّ عليه عون ومن شأنه تكريس رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع زعيماً مسيحياً موازياً، كما ان اولويته هي الحفاظ على الاستقرار في لبنان لانشغاله في معارك سورية والعراق.
وبالنسبة الى رئيس الحكومة تمام سلام، فالحصيلة جاءت على النحو الآتي: اولاً ان هجوم الوزير جبران باسيل المفتعل ضدّه في بداية جلسة مجلس الوزراء، استدرج موجة تضامن واسعة مع رئيس الحكومة، الذي قسى في تأديبه لوزير خارجيته وصولاً الى مخاطبته «أنت بلا وفاء وبلا ذوق. لقد مضى عليّ سنة ونصف السنة وأنا أتحمّل تعطيلك ودلعك وتأتي اليوم لتتكلم على الآلية والدستور»؟.
ثانياً ان تعاطي الرئيس سلام مع «لغم» باسيل، كرّس قماشته كرجل دولة وصاحب حنكة سياسية تجلّت بمطالبته مسبقاً جميع الوزراء ولا سيما السنّة بعدم الردّ على وزيريْ عون تفادياً لإظهار المشكلة كأنها طائفية، وهو ما نجح في القيام به، فيما كان «التيار الحر» يمارس سلوكاً طائفياً خطيراً برز من خلال وصف سلام بـ «الداعشي» ورفْع شعارات طائفية في الشارع.
ثالثا ان سلوك سلام قوبل باتصالات تضامن معه داخلية وخارجية، قبل ان تشهد السرايا امس زيارات دعم ابرزها من الرئيس السابق ميشال سليمان ووفد كبير من الامانة العامة والمجلس الوطني لقوى «14 آذار». وبعدما كرّر عون رفع شعار «الانتخابات النيابية أولاً» قبل الرئاسية، مؤكداً ان «المعركة مستمرة لاستعادة الحقوق»، يُنتظر ان تساهم كلمة الرئيس سعد الحريري في الإفطار المركزي لـ «تيار المستقبل» غداً في تظهير آفاق المشهد اللبناني، وسط ترقب لان يتوجّه الحريري الى المسيحيين برسالة مهمة تنطلق من ثوابت «المستقبل»، هو الذي كان حرص على تفادي اي انزلاق لنوابه ووزرائه للردّ على عون لعدم إعطائه مادة اضافية للتجييش الطائفي.