«الراي» كانت حاضرة ضمن وفد كويتي لحضور فعاليات الذكرى السادسة والعشرين لرحيل الخميني
طهران... حقيقة من رحم الجمال وسحر يجمع الواقع والمحال
| طهران ـ من عمر العلاس |
1 يناير 1970
02:40 م
على سفوح جبال البرز في النصف الشمالي من إيران تقع العاصمة طهران وعلى ضوء تنوع مناخها ما بين البحر الأبيض المتوسط والصحراوي، يتنوع جمال مناظر الطبيعة الخلابة النضرة، فمن «دربند» في أحضان الجبال، تتوق العين لرؤية «توجال» ومحطات التلفريك المكشوفة، التي تنقلك بين سلاسل جبال البرز لتشاهد سحر جمال العاصمة، وتلالها الخضراء، ومياه المنحدرات من قمم الجبال، وخرير الينابيع الصافية، طبيعة ما أنضر أشجارها وما أجمل تناسقها، ما قد يخيل إليك أنك عبرت حدود الأرض، وأنت ترى قمم الجبال تتناثر عليها الثلوج في أشد الأوقات من العام حرارة، وقت من السحر يجمع بين الواقع والمحال، لكنه واقع من رحم الجمال يروى نهم المتطلعين لسحر الطبيعة، حيث وادي إفين وبساتين التفاح والکرز والتين والجوز، متنزه جمشيدية بموقعه المتميز الجذاب على السفوح الشاهقة، و«لاله» في قلب العاصمة بأشجاره المتنوعة التي تسر العيون، وتغسل الهموم، و«الشعب» الواقع على جانب شارع (ولي عصر) وبحيرته ومجموعاته المتنوعة من الحيوانات والطيور،، هي معالم إن حكى المؤرخون والكتاب والشعراء في وصفها أسطورة لطبيعة خلابة، تتخللها معالم صنعهتا قوة الإرادة لأبناء الشعب الإيراني قديماً وحديثاً.
ولا تنس برج الميلاد، سادس برج تلفزيوني واتصالاتي من حيث الارتفاع في العالم،، والذي يبلغ ارتفاعه 435 متراً، فهو معلم من معالم طهران بما يتضمنه من معرض فني وملتقى رائع لأعمال الفنانين التشكيليين القيمة، وقبة السماء الزجاجية في طابقه الأخير ذات الأضلاع الثمانية والتي تتضمن عملاً فنياً رائعاً مستلهماً من تشكيلة متنوعة من الأساطير، والقصص الإيرانية القديمة، تعكس المسيرة الحضارية التي انتهجها الإيرانيون منذ 9 آلاف عام، من عهد الامبراطورية الإيرانية الكبرى، وحتى العصر الحاضر.
ومن برج الميلاد، تنتقل إلى متحف الدار المعمورة الذي يعد أحد أبرز المناطق السياحية الرائعة والجذابة في طهران، وربما الفريدة، ليس لموقعه المتميز على قمة جبل تزينه أشجار الورود فحسب، ولكن لما يحتويه من حيوانات متنوعة محنطة وحية، وتتواصل معالم العاصمة، فباتجاه مدينة کرج التي تبعد إلى الغرب عن مرکز العاصمة نحو 20 کيلومتراً تقع حديقة من أجمل حدائق الحيوانات في العالم، والتي تقع على بقعة خضراء مترامية الأطراف، هي أقرب من واقع البيئة الطبيعة لانواع کثيرة من الحيوانات والطيور الأليفة والمفترسة التي تحتويها الحديقة.
ومن الحاضر بإبداعاته إلى الماضي بعراقته، مجموعة قصر «جلستان» الواقعة في ساحة «أرك» في قلب العاصمة والتي أقيمت على أنقاض قلعة طهران التاريخية، محل إقامة الملوك القاجاريين، وهي أحد أروع وأقدم مباني طهران خلال القرنين الماضيين وتشتمل على إيوان تخت مرمر، بيت کريمخاني، و قاعات سلام والمرايا والعاج والبرليان، والألماس، وقصور اليزابيث وشمس العمارة، والقصر الأبيض وعمارة بادکير.
ومن مجموعة قصور جلستان يأخذك سحر عالم قصورالشاه التي تحولت لمتاحف تستهوي عشاق الفن بتحفها وحدائقها وأفنان أشجارها، وأحواض مياهها التي تنساب إليها من منحدرات الطبيعية، ففي طهران «الجمال» كنوز وألوان غير متوقعة، وإن استهوتك طبيعة طهران وسحر جمالها لا يفوتك مشاهدة ميدان آزادي وبرج الميدان الشامخ الذي يبلغ ارتفاعه 45 متراً، ومتحف الفخاريات والزجاجيات الذي أنشئ في العام 1915 والذي يحتوي مجموعات من الآثار القديمة التي يعود تاريخها إلى مئات السنين قبل الميلاد، ومن بين جملة معالم طهران متحف السجاد والتراث الشعبي الذي تأسس 1979، والذي يضم مجموعة کبيرة من السجاد النفيس يصل عمر بعضها إلى 500 عام.
«الراي» كانت حاضرة ضمن وفد كويتي شعبي بدعوة من المستشارية الثقافية لسفارة إيران في الكويت لحضور الذكرى السادسة والعشرين لرحيل مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية الامام الخميني فضلا عن برنامج ثقافي سياحي تخلل أيام الزيارة على مدار أيامها الثمانية للإطلاع على أهم المعالم الموجودة في العاصمة طهران، التي تزخر بالكثير من المواقع، حيث تضمن البرنامج زيارة متحف الدفاع المقدس ونتاج 8 سنوات من الحرب الإيرانية ـ العراقية وثورتهم التي مازالوا يعيشونها حيث يضم نماذج من الأسلحة والأدوات الحربية، إلى النهضة العلمية، وزيارة إلى جامعة شريف الصناعية والاستماع الى محاضرة في مجمع الجهاد الجامعي والاطلاع على النظم التعليمية العملية المتبعة، ليأتي بعد ذلك موعد زيارة قصور الشاه بفخامتها حيث متحف الشعب الذي يتزين سقفه وجدرانه وأثاثه بنقوش من الذهب، فضلاً عما يحتويه من قطع أثرية صنعت من الذهب والفضة والبرونز، بعضها کان هدايا قدمت لشاه إيران من رؤساء وملوك بعض الدول، وإلى معلم آخر من معالم قصور الشاه «متحف العبرة» التى تتألف محتوياته من قاعات وغرف وحمامات مطعمة بالزخارف المذهبة ومجموعة أمتعة مثيرة للاهتمام، إلى متحف التاريخ الطبيعي بما يحتويه من أنواع نادرة من الحيوانات والطيور والحشرات المحنطة.
ومن الفخامة في أوجها التي ذهب أصحابها وبقيت شاهدة على حقبة من التاريخ الإيراني إلى التواضع وبقاء الذكرى الطيبة وإن رحل صاحبها، إلى بيت مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتواضع مكوناته حيث غرفة صغيرة بها أريكة وسجادة بسيط من الصوف على الأرض للجلوس، وبعض المقتنيات البسيطة، وجسر حديدي بسيط، يربط ما بين المسكن والحسينية المجاورة ليدخل منه الإمام عبر باب مباشرة لاعتلاء منبره وكرسيه، الذي لم يجلس عليه أحد من بعده والتي تحولت إلى مزار للسواح والمواطنين بما يضمه من معرض يشتمل على صور من مختلف المراحل العمرية والمحطات الحياتية وبعض الوثائق والمستندات الشخصية مثل وثيقة زواج الأمام وجواز سفره والبطاقة الشخصية والوسائل التي كان يستخدمها في حياته اليومية إلى يوم المناسبة وذكرى الاحتفال بمرقد الإمام الخميني وحضور فعاليات الذكرى السادسة والعشرين لرحيله.
ومن العاصمة طهران إلى مدينة مشهد أو طوس قديماً والتي تقع على ارتفاع 985 فوق سطح البحر، وهي من كبريات مدن إيران ومن أعظم مدن خراسان، تحتوى على كثير من الآثار والمزارات والمقامات وأهمها اطلاقاً مرقد الإمام علي بن موسى الرضا، ومشهده الذي سميت به، ومن أبرز معالمها متنزه کوهسنكي والذي يعني الجبل الصخري، فهو مكان مثالي للاصطياف بأجوائه وطبيعته الرائعة، حيث جبل الصخر بداخله والذي بالإمكان صعوده بأريحية لتواجد التدرجات التي تسهل صعود قمته.
وفي غرب مشهد يقع أحد أکبر متنزهات إيران «بارك ملت» فلا يمکن تفقد كامل مساحته الشاسعة، وإن كان أجمل ما يميزه مسبحه المکشوف ومدينة الألعاب الضخمة التي يوجد بداخلها ثالث أکبر دولاب هواء في العالم، وإلى الشمال الغربي من مشهد منطقة شانديز وهى احدى المناطق الجميلة التي يقصدها الزائرون، حيث شوارع ممتلئة بالأشجار، وغاباتها التي تخلق لك أجواء من الراحة والاستجمام تنعم فيها بالخلود مع الذات، ولا يمكنك وأنت في مشهد أن تغادر دون زيارة شلالات أخلمد الواقعة في وسط وادي ممتلئ بالأشجار والأنهار والغابات والذي يبعد 85 کيلومتراعن المدينة الرضوية،، فمع الشلال الذي يبلغ انحدارها 23 مترا يمكن للزائر الانتقال من عالم الخيال والمحال إلى واقع الجمال.
ومن مشهد إلى نصف العالم أو قرنفلة الحضارة الإسلامية إنها اصفهان التي قال عنها الباحث الفرنسي بيتر لوتي «ليست مرآة تعكس تاريخ الحضارة القديمة فحسب بل مرآة ناصعة بالإبداع الانساني»، وهي من تحدى الرحالة الإيطالى «بيترو دولا واله» مقارنتها بأى مدينة أخرى في بلاد الشرق حين قال «في بلاد الشرق لا يمكن أن تقارن اى مدينة بأصفهان» فكل من يقصدها يجد فيها توليفة مركبة من الثقافات والحضارات التي عاشت على أرضها على مر العصور، ولذا فإن اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» لم يأتِ من فراغ، فهي كنز ثمين يمكن لزائرها أن يقرأ على جدران مبانيها صفحات من تاريخ الحضارة الإسلامية، فهي عالم متكامل من التراث والتاريخ والثقافة والفن، حيث تحتوى أكثر من 50 أثراً تاريخياً، و37 موقعاً سياحياً،حيث جامع الامام الخميني، ومسجد الشيخ لطف الله، وجامع أصفهان العتيق، وقصر هشت بهشت، والكنيسة العظيمة، ومعبد النار الذي يعود تاريخه لحقبة ما قبل الإسلام، وغيرها من الآثار التاريخية.
فالتاريخ إن حكى عن أصفهان فهي أسطورة، تجمع عبق الماضي وسحر طبيعة نهر زاينده الخالد الذي قال عنه الشاعر حافظ الشيرازي في القرن الثامن الهجرى «نهر زاينده وبستان كاران لا يضاهيهما شيء» فمنه استلهم السجاد الأصفهاني تصاميمه وتناسق ألوانه، وفي أصفهان قد ترى ما لا يصدقه العقل، أنه «منار جنبان» أو المئذنتان المهتزتان، حيث تهتز إحداهما عند اهتزاز الأخرى، وهي هزات محسوسة تشعر بها في المبني كله لدرجة تشعر معها أن زلزالا ما يحدث، ومن ذلك المكان إلى جمال مدينة كاشان الموغلة في القدم المعروفة بالسجاد الكاشاني وتصاميمه الخلابة وخاماته الحريرية والتي يعود صناعة هذا الفن الى أربعة آلاف عام.
...الأحاديث حول أصفهان تطول لكنها باختصار عالم متكامل من سحر الجمال ونقاء الهواء وصفاء السماء.