مقابلة / كأنه «يقبض على السرّ» من حوش الأمراء إلى... سان كلو
الوزير اللبناني دو فريج لـ «الراي»: عون و«حزب الله» يتشاركان في لعبة انتحار
|?بيروت - من ليندا عازار?|
1 يناير 1970
01:53 م
• عون يستخدم لغة «السبَقجيّة» الذين خسروا ولم ينسَ حلمه بتحالف الأقليات
• إذا كان هدف عون من الحوار مع الحريري الوصول للرئاسة فقط فهذه خيانة للبلد
...«العماد ميشال عون يستخدم هذه الأيام لغة (السبَقجيّة) الذين خسروا، ولم ينسَ حلمه بتحالف الأقليات الذي قد يفتح الباب امام كوابيس»، و(حزب الله) يقول انه «يخوض معركة وجود فيما هو يلعب بالنار، ويمارس من بوابة هدفه المضمر - المعلن ببلوغ مؤتمر تأسيسي في لبنان سياسةً، هي في الواقع انتحار»...هذه الخلاصة يخرج بها مَن يحاور وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية في حكومة الرئيس تمام سلام النائب نبيل دو فريج، تلك الحكومة التي دخلت من باب الفراغ في رئاسة الجمهورية الى غرفة انتظار ثقيل لمخرج يجنّبها كأس التعطيل المفتوح على أزمة نظام تضع البلاد برمّتها في فم المجهول المعلوم.
كثيرون يتعاطون معه على انه وزير تقني يمثّل تيار «المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) في الحكومة، إلا ان دو فريج له رؤية سياسية متكاملة لخلفية المأزق الذي يتم دفْع لبنان اليه، وهو يتحدّث عن هذا المأزق وكأنه يقبض على كلمة سرّ. فالمصادفة جعلته يكتشف باكراً وبالجرم المشهود ملابسات سوْرنة اتفاق الطائف بمباركة أميركية، وبمصادفةٍ مماثلة أدرك قبل سواه أن ثمة مَن يريد تغيير طبيعة النظام في لبنان من مناصفة بين المسيحيين والمسلمين الى مثالثة بين السنّة والشيعة والمسيحيين.
فبَيْن حوش الأمراء في زحلة في البقاع قبل نحو 25 عاماً، ولا سيل سان كلو الفرنسية صيف 2007، أدرك هذا الوزير المؤتمن على نسْل الجواد العربي ان لبنان، الذي كان يفترض ان يشكّل الطائف انطلاقة جديدة له بعد الحرب الاهلية، انتقل في مرحلة اولى الى زمن النسخة السورية من هذا الاتفاق قبل ان يرتسم بعد العام 2005 مسارٌ، تُمسِك بخيوطه ايران ويرمي الى ضرب الصيغة اللبنانية.
ويستذكر دو فريج (مواليد 31 أغسطس 1955)، هاتيْن المحطتيْن قائلاً: «كان ذلك بعد استقبال الرئيس الياس الهراوي، رحمه الله، وزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر العائد من دمشق حيث التقى الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي أبدى أمامه الاستعداد لتأمين الغطاء العربي والمشاركة بالتحالف الدولي لإخراج صدّام حسين من الكويت (العملية التي انطلقت في يناير 1991). وقال لي الرئيس الراحل حينها على مائدة العشاء - ولم يكن مرتاحاً - إن الأسد طلب مقابل ذلك تطبيق الطائف بالمعنى السياسي كما يراه هو مناسباً، اي ان ننسى البند المتعلق بإعادة تمركز القوات السورية كمرحلة اولى في منطقة البقاع ومدخل البقاع الغربي في ضهر البيدر حتى خط حمانا المديرج عين دارة، على ان يضمن (اي الأسد) ضبط الأمن وحفظ الوضع الاقتصادي. ومن هنا بدأ ما عُرف بتلزيم لبنان الى سورية التي لم تكن متحمسّة في الاساس للطائف ولم ترُق لها خصوصاً النقطة المتعلقة بأن الرئيس رينيه معوض سيكون الرئيس الاول في جمهورية الطائف».
ويذكّر في هذا السياق، بأن «أول استهداف لـ (الطائف) كان باغتيال معوّض (22 نوفمبر 1989) الذي كان بمثابة اغتيال لهذا الاتفاق بنسخته الأصلية، ثم جاء استبعاد الرئيس حسين الحسيني عرّاب (الطائف) عن رئاسة البرلمان، الى جانب تأخير وصول الرئيس رفيق الحريري الى رئاسة الحكومة، وكل ذلك في إطار استكمال المسار الالتفافي على (الطائف) الذي كان يفترض بهذا الثلاثي أن يشرف على تطبيقه بروحيته الأساسية».
وفي المحطة الثانية، يعود دو فريج الى يوليو 2007 حين كان ممثلون لفريقيْ «8» و «14» آذار يعقدون اجتماعاً في سان كلو (الضواحي الباريسية) لمناقشة الأزمة اللبنانية التي ازدادت حدة بعد حرب يوليو 2006 على لبنان واستقالة وزراء الثنائي الشيعي «حزب الله» - «حركة أمل» من الحكومة ومطالبة «8» آذار بالثلث المعطّل فيها. ويقول: «في 13 يوليو 2007 كنتُ في سان كلو، وأُبلغت عبر احدى الصحافيات المرموقات ان لدى الموفد الفرنسي جان كلود كوسران شيئاً مهماً يبلغنا اياه. وبعدما تَعذّر الاتصال بالنائب مروان حمادة، التقيتُ كوسران العائد للتو من طهران وأبلغني شخصياً ان الايرانيين يطرحون المثالثة ودعانا الى ضرورة التنبّه لذلك والتشديد في مؤتمر سان كلو الذي انعقد في اليوم التالي على المناصفة».
دو فريج، الحاضر في البرلمان منذ 3 سبتمبر 2000 نائباً عن مقعد الأقليات، يحذّر من خطورة مقاربة الشأن السياسي بمنطق أقلّوي او من منطلق طائفي. فهو يؤمن بأن لبنان الواحد هو قارب النجاة لكلّ مكوّناته وان الانزلاق الى الأفق الضيق الطائفي والمذهبي يفتح الباب واسعاً امام ضرب فكرة لبنان - العيش المشترك.
ويحرص على التذكير في هذا السياق، بأن العماد ميشال عون و «حزب الله» هما الفريقان اللبنانيان اللذان عبّرا صراحة عن رفضهما اتفاق الطائف بعد إقراره وهما «يريدان منذ ذلك الوقت إظهار ان هذا الاتفاق غير صالح كنظام حكم للبنان وانه وصْفة لأزمات متوالدة، وهما يشعران اليوم بأن الوقت حان للانقضاض على الطائف من خلال تعطيل الانتخابات الرئاسية وشلّ البرلمان والسعي الى تعطيل عمل الحكومة».
دو فريج الذي يوصف بانه حصان المستقبل في الحكومة، يهوى الخيل ولكنه لا يتعاطى السياسة من باب الرهانات، بل انطلاقاً من وقائع يقاربها على مقياس «ثوابت مدرسة الاعتدال والإنماء والايمان في لبنان، الصيغة القائمة على التعايش ونبذ التطرف، وهي المدرسة التي كرّسْنا ركائزها مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبعده الرئيس سعد الحريري».
وحين يُسأل عن انه اذا كان «حزب الله» يسعى عبر اي مؤتمر تأسيسي او ضرْب للطائف الى اعادة توزيع كعكة السلطة، فأي مصلحة لعون في ذلك؟ يجيب: «لكل منهما مصلحته. العماد عون مقتنع منذ زمن بعيد بتحالف الاقليات، وهو يعتبر ان 33 في المئة من المسيحيين مع 33 في المئة من الشيعة يشكّلون 66 في المئة يمكنها ان تحكم البلد، وهذا اعتقاد هو عملياً لعب بالنار ولا يوصل إلا الى حرب اهلية كالتي عشناها بين 1975 و 1990». ويضيف: «هذا المنطق، يعني ان هناك تحالفاً بوجه طرف ثالث، هو السنّي. والى ماذا يؤدي ذلك؟ والى اين يتم دفْع هذا الطرف الذي ثبت انه ليس بيئة حاضنة للإرهاب على أشكاله وآخرها (داعش)؟ فاذا شعر السنّة بأنهم مستهدَفون فإن ذلك بمثابة دعوة لهم الى نبذ الاعتدال وخوض معركة دفاع عما سيعتبرونه وجودهم في البلد».
واذْ نقول له ان الفراغ الرئاسي يشكّل المدخل الذي قد يمهّد الى نسْف الطائف فلماذا لا تسدّون هذه الثغرة ولو اقتضى الأمر السير بالعماد عون المنخرط في حوار مع حليفكم «القوات اللبنانية»أثمر «إعلان نيات» ؟ يردّ: «العماد عون صاحب سيرة ذاتية مليئة بالممارسات الخاطئة، فلماذا ننتخبه رئيساً؟ ومن الواضح ايضاً انه منخرط في اجندة (حزب الله) بالكامل وينفّذها حتى في امور كان يعلم انها ضد مصلحة المسيحيين. واذا حصل لقاء بين عون وسمير جعجع فهذا لا يعني في اي شكل ان الخلافات تلاشت، بل هي ما زالت قائمة ولا سيما حول الطائف الذي يُعتبر رئيس حزب (القوات اللبنانية) من أكبر المدافعين عنه. وهو دفع غالياً ثمن دعمه هذا الاتفاق ورفْضه تطبيقه من السوريين بغير نسخته الاصلية اذ اعتُقل لمدة 11 عاماً. وأرى ان لقاء عون - جعجع يمكن ان يجعل الاول يعقل قليلاً هو والعائلة - اذ اصبحنا اليوم امام عائلة وليس تياراً او حزباً - ويفكرون بمصلحة لبنان».
وفي حين يلفت الى ان الحوار بين الرئيس سعد الحريري والعماد عون كما بين «المستقبل» و «حزب الله» مرتكزه «حفظ استقرار لبنان وإبقاؤه قدر الإمكان بمنأى عن النيران السورية والاقليمية»، يعتبر انه «اذا كان هدف عون من الحوار مع الرئيس الحريري هو فقط الوصول الى رئاسة الجمهورية فإن هذا يعتبر بمثابة خيانة للبلد ويعبّر عن حرص على مصالح شخصية ضيّقة».
وحول ما إذا كان يرى تناقُضاً بين كلامه عن ان هدف «حزب الله» هو الوصول الى مؤتمر تأسيسي من خلال تعطيل كل المؤسسات وبين تشكيل الرئيس نبيه بري مظلة حماية للحكومة الحالية التي تشكّل خط الدفاع الأخير عن النظام؟ يقول: «هذا له تفسيران، إما ان الرئيس بري على خلاف مع (حزب الله) او ان ثمة تفاهماً ضمنياً مع الحزب الذي يريد في رأيي الحفاظ على الاستقرار الأمني، وهذا يعني الإبقاء على الحكومة التي يتعين عليها اتخاذ قرارات ذات طابع مالي واجتماعي تمنع حصول اي انفلات امني من البوابة المعيشية». مضيفاً: «في تقديري، (حزب الله) يرغب في الوصول الى مؤتمر تأسيسي ولكن من دون انفجار أمني، لأنه يعلم تماماً ان اي عمل عسكري في الداخل لن يكون نزهة، وهو يدرك ان ملف النازحين السوريين وأعدادهم هو قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجهه. وأكرر ان ايّ محاولة للمساس بالتوازنات في لبنان وبصيغة الحكم كما يفكّر (حزب الله) وعون هي لعب بالنار ولن تؤدي الا لإخراج الجمر من تحت الرماد وستكون بمثابة انتحار».
وفي خصوص أفق الأزمة الحكومية المستمرة على خلفية إصرار عون مدعوماً من «حزب الله» على رفْض مناقشة اي بند في جدول اعمال مجلس الوزراء قبل تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش، يوضح دو فريج: «اننا ما زلنا كفريق سياسي ملتزمين بالاتفاق الضمني الذي حصل عقب الشغور الرئاسي حول كيفية ممارسة الحكومة لصلاحيات الرئاسة الاولى وبما لا يظهر معه وكأن الامور تسير على طريقة business as usual في غياب رئيس الجمهورية. وهذا ما أسميناه آلية عمل، علماً انه في الواقع لا يوجد شيء اسمه آلية عمل خارج ما ينص عليه الدستور». ويضيف: «في اليوم الذي سنشعر فيه أن الاتصالات لوقف التعطيل لا تتقدّم، عندها سنكون ملزمين تطبيق الدستور كما هو. وفي رأيي انه عندها، على الرئيس تمام سلام ان يدعو الى جلسة لمجلس الوزراء. وموقف (التيار الحر) برفْض مناقشة اي بند قبل تعيين قائد للجيش سيتسبب بمشكلة داخل مجلس الوزراء، ولكن عندها يمكن ان نقول لرئيس الحكومة ان هناك بنوداً ملحّة يجب بتّها ونطلب منه التصويت عليها وعندها فليعترض المعترضون أينما أرادوا، فوفق الدستور الحق معنا. ولا يمكن بأي شكل جعل المواطن رهينة طموحات شخصية وعائلية قد يدفع ثمنها من لقمته وعجَلة حياته».
وحين نقول له ان العماد عون يهدد بالأقدام تحت شعار «تحرير حقوق المسيحيين» يردّ: «فليفعلها ولنرَ...علماً ان العماد عون الذي يحب سباقات الخيل وكان يتابعها في منفاه الباريسي، يستخدم احياناً لغة (السبقجية) الذين خسروا. واذا كان يراهن على ان يحارب بعضلات وسلاح غيره فأشك في ان يكون (حزب الله) في وارد الذهاب الى هذا الحد، فهذه ستكون نهايته في لبنان».
وعن تعيين العميد روكز قائداً للجيش، يؤكد دو فريج ان «الكلام المتمادي عن الجيش وتغيير قائده يمسّ معنويات المؤسسة العسكرية في لحظة امنية حساسة، ولا أرى ان الرئيس سلام سيَطرح، من خارج إجماع وطني، قضية تعيين قائد جديد للجيش على مجلس الوزراء قبل استحقاق انتهاء خدمة العماد جان قهوجي (سبتمبر المقبل)».
واذ يعتبر ان تعيين قائد جديد للجيش مع وضْع العماد قهوجي في التصرف «لا يمكن ان يحصل، وهذا بمثابة استهداف للمؤسسة العسكرية ومعنوياتها»، يؤكد ان موقف «المستقبل» واضح انه «ليس منطقياً بحث مسألة تعيين قائد للجيش قبل استحقاقها، كما ان حصول ذلك قبل انتخاب رئيس للجمهورية يشكل مساساً بصلاحية يمارسها الرئيس عرفاً بان قائد الجيش يوافق عليه هو اولاً باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس الأعلى للدفاع، ومن المستغرب ان مَن يرفع شعار حقوق المسيحيين يريد ان ينتزع هذه الصلاحية ويبتّ هذا التعيين بمعزل عن رئيس الجمهورية كرمى لعيون صهره».
وعما اذا كان رفْض تعيين قائد جديد للجيش قبل انتخاب الرئيس مردّه الى عدم الرغبة في حرق ورقة قهوجي كمرشح تسوية، يجيب: «اذا ترك العماد قهوجي قيادة الجيش فهذا لا يعني ان اسمه لا يعود مطروحاً. علماً ان السؤال في ذاته ينطوي على خطورة كبيرة، اذ ليس قائد الجيش هو الذي يمكن ان يُنتخب رئيساً بل الشخص الذي يتولى قيادة المؤسسة العسكرية. وفي لبنان رأينا نتيجة وصول قائد الجيش للرئاسة مع العماد اميل لحود وكانت فترة حكمه تاريخاً أسود، في حين ان الرئيس ميشال سليمان نسي عسكريته وتولى الحكم كمدني. علماً انني في المبدأ ضد مجيء عسكري للرئاسة ولا سيما في هذا الظرف، اذ ستتكرّس فكرة ان كل مَن سيتولى قيادة الجيش سيكون مشروع رئيس جمهورية وهذا سيؤثر على أدائه في المؤسسة العسكرية وعلى القرارات التي سيتخذها».