غداة «رسالة» السفير الأميركي ودعْم بري

زيارة سلام «غير العادية» لوزارة الدفاع احتضان لقهوجي و«تطويق» لعون

1 يناير 1970 12:19 م
استوقفت الأوساط السياسية المراقبة في لبنان أمس الزيارة «غير العادية» التي قام بها رئيس الحكومة تمام سلام لوزارة الدفاع الوطني في منطقة اليرزة حيث جال على غرفة العمليات للجيش اللبناني وبعض أقسام الوزارة واجتمع بوزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي وكبار ضباط الأركان في الجيش إظهاراً لأولوية الدعم الحكومي للمؤسسة العسكرية وقيادتها في هذه الظروف.

وعاد موضوع دعم الجيش اللبناني ليحتلّ الواجهة في الفترة الأخيرة، ليس من منطلق خطورة الوضع السائد على الحدود الشرقية للبنان مع سورية فحسب، بل ايضاً من خلال المشهد السياسيّ الداخلي في ظل اقتحام ملف التعيينات الأمنية والعسكرية في المراكز القيادية على يد فريق زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون الواقع الحكومي وتَسبُّبه بشلّ عمل مجلس الوزراء الذي ينتظر لمعاودة جلساته ايجاد مخرج للشروط العونية.

ولذا اكتسبت زيارة سلام لوزارة الدفاع، في بُعدها الضمني غير المعلن، دلالة لجهة دعم قائد الجيش في مواجهة حملة استهدافه من الفريق العوني الذي يصرّ على إزاحته وتعيين قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، وهو صهر زعيم «التيار الحر»، مكانه قبل بلوغ مهلة تسريح قهوجي نهايتها في سبتمبر المقبل. وأشارت مصادر وزارية لـ «الراي» الى ان مجموعة تطورات تَعاقبت اخيراً وباتت تشكل في مجملها رسالة الى العماد عون يفترض به قراءتها بتمعّن لأنها تُظهِره منفرداً في حملته على قهوجي، وتبعاً لذلك في تَسبُّبه بشلّ موقت للحكومة.

وهذه المؤشرات التي توّجتها زيارة سلام لوزارة الدفاع تكشف ان غالبية القوى السياسية في الحكومة لن تتوافق على تعيين بديلٍ من قهوجي حالياً وقبل موعد تسريحه، وكذلك تبقي احتمال التمديد سنتين اضافيتين له قائماً ووارداً بقوة في سبتمبر او قبل ذلك ربما.

ومع ان احداً لا يتحدث الآن عن التمديد لقهوجي تجنباً لإثارة مزيد من التصعيد العوني، لاحظت المصادر الوزارية ان رئيس مجلس النواب نبيه بري دافع بقوة عن قهوجي في ردّه على اقتراحاتٍ طرحها عليه بعض النواب الأربعاء ومنها تعيين قائد جديد للجيش ووضع القائد الحالي في تصرف وزارة الدفاع، وهو رفَض هذا الإجراء لكونه يمسّ بمعنويات قائد الجيش الحالي ويضرب معنويات المؤسسة العسكرية .

وتضيف المصادر الوزارية ايضاً الى هذين المؤشرين، مؤشراً ضمنياً ثالثاً ليس بعيداً عن احتضان قهوجي بشكلٍ غير مباشر، وهو قيام السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل بزيارة مثيرة للاهتمام لمنطقة بعلبك اول من امس حيث حرص على حضور مناورة تجريبية أجراها الجيش في حقل الطيبة على صواريخ أميركية من طراز «تاو - 2». ومع ان هيل خصص هذه الزيارة للتحدث عن دعم بلاده للجيش اللبناني، فان الأوساط الوزارية نفسها لفتت الى ان هذه الزيارة وإشادة هيل بالجيش شكلتا رسالة حول رغبة واشنطن في عدم إثارة كل ما من شأنه التأثير سلباً على الجيش، علماً ان الولايات المتحدة دأبت منذ مدة بعيدة على حصْر أدبيات تعامُلها مع الملف اللبناني بهذا الدعم والحضّ المتواصل على انتخاب رئيس جمهورية للبنان.

ورغم كل هذه المؤشرات، بدت المصادر الوزارية حذرة للغاية حيال توقُّع انفراج في المأزق الحكومي الحالي في وقتٍ سريع، ورأت انه لا بد من ترْك الوساطات ومحاولات المعالجة تأخذ مجراها خلال الأيام القليلة المقبلة، علماً ان مجمل المعطيات تضغط في اتجاه التمديد للعماد قهوجي خلافاً لكل ما يثيره العماد عون من عواصف تقول المصادر الوزارية انه يثيرها خلافاً لاتجاهات الريح وانه لن يكفيه دعم «حزب الله» له فيها كي يربحها لان اولويات الحزب نفسه تتمايز ضمناً عن معركة عون الاستباقية لإسقاط قهوجي قائداً للجيش، لإزاحته كمرشح مزاحم لرئاسة الجمهورية ولو كان الحزب داعماً لعون كمرشح وحيد.

وكان سلام اعلن من مقر وزارة الدفاع في أعقاب جولته في غرفة العمليات حيث استمع الى شرح عن الوضع في بلدة عرسال وجرودها ان «تحدياتنا بدأت قبل فترة عبر خطط امنية في كافة ارجاء الوطن، وبجهد جبار وكبير تمكنّا من الوصول الى مكان من الأمن والاستقرار في البلد، وقد توصلنا الى هذا الأمن بقرارات كبيرة وأداء ميداني متقدم جداً لم يتوقف عند شيء»، لافتاً الى ان «العدو الذي نواجهه اتخذ شكلاً عسكرياً وميدانياً وإرهابياً وبُعده الأخطر كان عبر زرع الفتنة في البلد، وقد قضينا على الفتنة وبؤر الفتنة وهذا إنجاز كبير وعلينا ان نتابع ولا سيما ان امامنا اخطاراً خارجية تتمثل بعدونا الشرس والتاريخي اسرائيل».

ولفت إلى أن «أبرز المواجهات التي نراها اليوم هي في عرسال وجرودها وحدودنا الشرقية وهناك مسرح للعمليات يقوم فيه الجيش اللبناني بكل ما لديه من قوة وامكانات بدعم وقرار واضح وصريح من الحكومة بما يؤكد اهلية ومكانة الجيش في هذه المواجهة». واذ شدد على أن «الجيش ميدانياً يعرف كيف يتحرك ويحمي الوطن»، اشار الى «اننا نسعى الى توفير كل التسليح المطلوب له وخصوصاً التسليح الحديث كي يحمي الحدود. ونأمل أن نحسن وتيرة المواجهة والتصدي وتحصين كل حدودنا الوطنية من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب».