تقرير / بعد 30 عاماً من «الأشواك»... تشابُك أيدٍ وشكوك
لقاء عون وجعجع... أكثر من فكّ اشتباك وأقلّ من تَفاهُم
| بيروت - من ليندا عازار |
1 يناير 1970
02:11 م
بعد لقاء «شبْك الأيدي» في سبتمبر 1988، ولقاء «غسل القلوب» في مايو 2005، ولقاء «ردّ الزيارة» في نوفمبر 2005، جاء لقاء «إعلان النيات» في يونيو 2015 بين زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع مثقلاً بنحو 30 عاماً من علاقةٍ حكمتها إما الخصومة او الصِدام باستثناء مرحلة «شهر عسل» عابِر (في 1988)، وبـ «جبلٍ» من التكهنات حيال موجبات هذا التلاقي ومن الرهانات على ان لا ينقطع «حبْله» في... «منتصف البئر».
ما ان أطلّ على اللبنانيين مشهد جعجع وهو يضع يده على كتف عون في منزل الأخير في الرابية بعد تلاوة نص «إعلان النيات» بين الجانبين ببنوده الـ 16 والذي راوحت قراءته بين اعتباره «وثيقة مبادىء» و«مانيفستو» سياسياً، حتى استعاد كثيرون مشهد 21 سبتمبر 1988 في مقرّ وزارة الدفاع في اليرزة.
في ذاك اليوم، شبك عون وكان قائداً للجيش، وجعجع الذي كان قائداً لميليشيا «القوات اللبنانية»، يديهما ايذاناً بـ «دفن» تفاهم ريتشارد مورفي - حافظ الأسد على خيار مخايل الضاهر لرئاسة الجمهورية «او الفوضى»، وصولاً الى اعلان جعجع، فيما كان الرئيس اللبناني حينها امين الجميل مجتمعاً في دمشق مع حافظ الأسد، ان الحكومة العسكرية الانتقالية التي التي كلّف الجميل عون برئاستها لإدارة مرحلة الفراغ الرئاسي هي «حكومة استقلال وأكثر».
وكما قبل 27 عاماً، فان الاستحقاق الرئاسي والشغور في المنصب المسيحي شكّل المحرّك الرئيسي لالتقاء عون وجعجع في 2 يونيو الجاري، مع فارق ان اتفاق الرجلين في 1988 لم يكن سبقه اي صِدام بل مجرّد «احتكاكات» بفعل الأدوار العسكرية لكلّ منهما و«تَعايُش» الجيش الشرعي و«الجيش المسيحي» على رقعة جغرافية واحدة.
ومردّ استحضار اجتماع اليرزة 1988 بين قائدين عسكرييْن دار الزمن دورته ليتواجها في 2015 من خلف المتاريس السياسية كمرشحيْن رئاسييْن يشكل كل منهما القاطرة المسيحية لمعسكريْ 8 و 14 آذار، خلفيته مزدوجة: الاولى ان المؤشرات التي سبقت عقد لقاء 2 يونيو الجاري أوحت على مدى الأشهر الخمسة السابقة بان لا امكان لانعقاده الا اذا حمل شعار «عون رئيساً وأكثر» اي بتنازل جعجع، لمصلحة زعيم «التيار الحر»، وهو ما لم يصحّ، اذ تم فصل التئام اجتماع «بداية الحوار الحقيقي» عن «لغم» الرئاسة الذي أحيل على المرحلة الثانية من الحوار بين الطرفين.
اما الخلفية الثانية، فتتمثل في مخاوف البعض من ان اي فشل لهذا الحوار سيدفع المسيحيون ثمنه على غرار ما حصل بعد تفاهم 1988 الذي لم يعمّر الا أشهراً قليلة، وسرعان ما تحوّل صراعاً انفجر بعد «حرب التحرير» التي شنّها عون ضد سورية وجيشها في لبنان في مارس 1989 والتي أفرزت موازينها اتفاق الطائف الذي شكّل «الصاعق» لاندلاع «حرب الإلغاء» ضد «القوات اللبنانية» في يناير 1990، بعد تأمين جعجع الغطاء المسيحي لهذا الاتفاق الذي أخرج لبنان من حرب الـ 15 عاماً.
ومن خلف خطوط الالتقاء بين «الخصمين اللدودين» استعيدت محطات من لقاءات سابقة لهما، فيما أثير غبار كثيف حول ميزان «الربح والخسارة» لكل منهما جراء «نيّات 2015» التي جمعتهما والتي راوحت بين اعتبارها نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من العلاقة المسيحية - المسيحية في ملاقاة الحوار الذي يجريه «تيار المستقبل» و«حزب الله»، وبما يحفظ للمسحيين مكاناً على قطار الخريطة الاستراتيجية للمنطقة، وبين التعاطي معها على انها تمهيد لجسر وصلْ بين اللبنانيين على نقاط مشتركة، وبين التشكيك في انها عملية احتواء تكتيكية متبادَلة يحصّل كل من الرجلين عبرها نقاطاً «مسيحية» يضعها في «جيْبه» نتيجة التسليم بأن «اللعبة خرجت من أيدي اللاعبين المحليين».
وفي سجلّ لقاءات الـ «وجهاً لوجه» بين الرجلين رسخت في الذاكرة السياسية الزيارة التي قام بها عون لجعجع في سجنه (في اليرزة) الذي كان أُدخل اليه العام 1994. يومها كان اللقاء وجدانيا - سياسيا بعد اقلّ من اسبوعين على عودة عون من منفاه الباريسي على «اجنحة ثورة الأرز» التي أخرجت سورية من لبنان، وقبل نحو شهرين من خروج جعجع من الاعتقال (في 26 يوليو 2005).
وبعد نحو ستة أشهر على هذا اللقاء الذي انتهى الى تكريس افتراقهما في الانتخابات النيابية في 2005، قام رئيس «القوات» بردّ الزيارة لعون في 27 نوفمبر من العام نفسه حيث كان مصير الرئيس آنذاك اميل لحود محور البحث في ضوء مطالبات بتنحيه باعتباره من «مخلفات حقبة الوصاية السورية». وقد خلص اللقاء الى معادلة «متفقون على الأهداف ومختلفون على الوسائل».
اما في «حسابات» لقاء الرابية فبرزت مقاربتان، الأولى تناولت ما «ربحه» عون من زيارة جعجع و«إعلان النيات» وركّزت على النقاط الآتية:
* ان عون انتزع من خلال التقارب مع خصمه الأبرز على الساحة المسيحية نقاطاً لمصلحة صورة «المرشح التوفيقي» التي يسعى الى ان يقدّم نفسه فيها على المقلبين المسيحي والاسلامي.
* ان زعيم «التيار الحر» حصل على ما يشبه «براءة الذمة» عن دوره التعطيلي في انتخابات رئاسة الجمهورية التي لا يؤمن نصابها الا اذا ضمنت وصوله، وانه يستفيد من الحوار مع «القوات» لمزيد من المماطلة بحجة «انتظار الجواب النهائي» على السير به او لا.
* ان عون خفّف اندفاعة جعجع في المعركة الكبرى الاستراتيجية التي اتخذت منحى آخر بعد «عاصفة الحزم» التي يقف رئيس «القوات» عند تقاطُع قوة فيها، لينكفئ الى ملعب مراعاة الخصوصية المسيحية - المسيحية في ظل اندفاعة عون السلْطوية.
* انه رغم الانطباع بان جعجع سرّع في توقيت زيارته للرابية استباقاً لأيّ خطوات تصعيدية قد يقوم بها عون في ملف الحكومة على خلفية التعيينات الأمنية وكي لا يظهر انه يغطيها، فان ثمة مَن رأى ان زعيم «التيار الحر» استفاد من التقارب مع «القوات» ليحصل على غطاء لـ «قيادته» معركة حقوق المسيحيين.
وبهذا المعنى، هناك مَن اعتبر ان عون استلم «راية» حقوق المسيحيين وان جعجع بدا وكأنّه سلّم بأحقية ما طرحه خصمه على هذا الصعيد في الاعوام الماضية وانه يوفّر، وإن بطريقة غير مباشرة، مظلة لمسار عون الذي شلّ الحكومة تحت عنوان تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش.
وفي المقلب الآخر ترى اوساط مطلعة ان جعجع «الاستراتيجي» يدرك اهمية ما حققته السياسة التي انتهجها منذ خروجه من «معتقل الـ 11 عاماً» لدى قواعد «القوات» التي نقلها من الأفق الضيّق الى الرحاب العربي، متجاوِزاً ترسيمات الحرب اللبنانية ومزيلاً «متاريسها» الطائفية وكاسراً الحاجز الذي كان يفصل بين مسيحيي لبنان ومحيطٍ عربي بدا جعجع طليعياً في مقاربة هواجسه، ليتحوّل حجر الزاوية المسيحي في قوى 14 آذار «العابرة للطوائف».
وبهذا المعنى اعتبرت هذه الأوساط، ان رئيس «القوات» بالتقائه مع عون على قواسم مشتركة حقّق مجموعة نقاط لا تخرج من «رصيد» 14 آذار وهي:
* إعادة «التيار الحر» من خلال «إعلان النيات» الى أدبيات التزام الطائف والدستور والمواثيق الدولية ورفض اللجوء الى السلاح لحلّ اي خلاف.
* دفْع عون خطوة الى الوراء في مشروع قانون «اللقاء الارثوذكسي» بتأكيد «اعلان النيات» ضرورة «اقرار قانون جديد للانتخابات يراعي المناصفة الفعلية وصحة التمثيل بما يحفظ قواعد العيش المشترك ويشكل المدخل الأساسي لاعادة التوازن».
* نجاح جعجع بتكريس مشاطرته عون الزعامة المسيحية، بما يجعل قاعدة «الرئيس القوي» التي جرى تأكيدها في «إعلان النيات» تنطبق على الاثنين معاً في الانتخابات الرئاسية.
وفي رأي الأوساط نفسها ان رئيس «القوات»، الذي يعتبر طي صفحة الماضي الأليم مع «التيار الحر» وإسقاط «حال العداء» لمصلحة «تنافُس طبيعي» بين الطرفين مسألة بالغة الأهمية لمصلحة المسحيين، لم يتراجع قيد أنملة عن تموْضعه السياسي وان «تنظيم الخلاف» مع التيار وتأكيد استمرار الاختلاف حيال قضايا استراتيجية لا يعني التراجع عن ثوابت رؤيته للبنان، بدليل مواصلة مواقفه العالية السقف من سلوك «حزب الله» (في لبنان وخارجه) الذي يعتبره جعجع المعطّل الرئيسي للاستحقاق الرئاسي خدمةً لأجندته الاقليمية مع رفْضه تصوير الأزمة الرئاسية على انها مشكلة «مسيحية - مسيحية».