«ملاكمة سياسية» بين الحريري ونصرالله حجبت أهوال الفراغ الرئاسي بسنته الأولى
لبنان: ملفات ملغومة «تفخّخ» حكومة سلام
| بيروت - من ليندا عازار |
1 يناير 1970
12:13 م
هو القصر المسكون بـ «العتمة»، أضيئت فيه «الشمعة الاولى» من عمر الفراغ في سدّة الرئاسة اللبنانية، التي صارت منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، رهينة واقع الاقليم المتفجّر والذي يترنّح بين حديْ «خرائط» جديدة للمنطقة، يمكن ان ترتسم «بالدم» او بالحدّ الأدنى خريطة نفوذ جديدة تستولد نظاماً اقليمياً «مثقوباً».
كان لبنان امس حزيناً وهو يتأمّل القصر الفارغ والكرسي المسيحي الاول الشاغر، في مشهدٍ يستنزف جمهورية المناصفة الاسلامية - المسيحية التي يخشى كثيرون ان تؤدي لعبة «عضّ الأصابع» الى نسْفها على وهْج خطوط التماس التي ارتسمت في المنطقة على جبهتيْ الأدوار والديموغرافيا.
نافورة الماء في باحة القصر «النائمِ» على فراغٍ والتي انطفأت منذ ان غادر سليمان المقر الرئاسي، بدت الشاهد الأكثر تعبيراً عن حال «الجمهورية» التي يرى كثيرون ان ثمة مَن يريد إبقاءها «بلا رأس» للتفاوض عليه في حلبة الصراع الكبير في المنطقة، مستفيداً من قصور مسيحي عن إدراك مكمن الخطر في استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية في لحظة الاستقطاب السني - الشيعي غير المسبوق، وعدم اجتراحهم مخارج لـ «أزمة الحضور» التي يعانونها بل دورانهم في «حلقة مفرغة» سهّلت رمي كرة الفراغ في ملعبهم.
ولعلّ اللقاء الذي انعقد امس في دارة الرئيس اللبناني السابق امين الجميل (كان سلّم عهده العام 1988 لفراغ رئاسي ملأته الحكومة العسكرية بقيادة العماد ميشال عون) والذي جمعه الى الرئيس السابق ميشال سليمان (تسلم عهده من فراغ بعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود) و8 وزراء في الحكومة حمل رمزية كبيرة بدت بمثابة «جرس إنذارٍ» استعاد «عِبرة» ان فراغ 1988 لم ينته إلا باتفاق الطائف الذي يعتبر المسيحيون انهم دفعوا ثمنه من حضورهم في النظام، فيما أفضى فراغ 2007 الى اتفاق الدوحة الذي اعتُبر عملية «قضم مضمرة» للنظام من ضمن «الكباش» السني - الشيعي الذي عبّرت عنه أحداث 7 مايو 2008.
ولن يشكّل اللقاء الذي يُعقد اليوم في مقرّ الكنيسة المارونية والذي سيحضره نواب 14 آذار المسيحيون الذين يشاركون في جلسات الانتخاب التي يعطّل نصابها زعيم «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، ولا بطبيعة الحال الرسالة التي سيوجّهها رئيس الحكومة تمام سلام للبنانيين، أكثر من «صرخة في واد» لن تؤثر في مسار الفراغ الذي صار مربوطاً بالكامل بالاشتباك الاقليمي ومآله.
على ان رسالة سلام التي سيؤكد فيها وجوب انتخاب رئيس لإقفال كلّ الملفات الخلافية القائمة راهناً، تعكس المأزق الذي أخذ «يطبق» على الحكومة الرئاسية التي صارت جلساتها بمثابة «حقل ألغام» مفتوح على احتدام التدافُع السياسي الخشن خارجها ولا سيما بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) على خلفية الأزمة السورية بالدرجة الاولى.
وتشكل الجلسة التي يعقدها مجلس الوزراء الخميس اختباراً فعلياً وسط ارتفاع الضغط من «حزب الله» ووزراء عون لمناقشة ملف عرسال وحشْر الحكومة بين إما اتخاذ قرار ليتولى الجيش أمر المسلحين في جرود البلدة او ان عدم صدور مثل هذا القرار يعني انتقال الحزب الى مرحلة «أخذ الامور بيده» على هذا الصعيد، وفق ما لوّح به امينه العام السيد حسن نصر الله. كما يبرز بند إحالة ملف الوزير السابق ميشال سماحة والمخطط الفتنوي الذي كان يعد له لشمال لبنان بعلم الرئيس السوري بشار الاسد على المجلس العدلي، علماً ان هذا الملف يشقّ طريقه الى التمييز امام المحكمة العسكرية بعد الحكم المخفف الذي صدر عنها بحق سماحة وأحدث ضجة سياسية كبيرة في بيروت.
على ان دوائر سياسية في بيروت توقفت عند اشارة نصر الله في خطابه اول من امس الى انه «في معارك الوجود تؤجل المعارك الأخرى، المصالح والامتيازات والإصلاحات والديموقراطية (...) وتسكت المعارضة عن الحكومة بل تتعاون معها»، معتبرة ان هذا الكلام هو بمثابة رسالة مزدوجة، اولاً الى ان الملف الرئاسي ما زال برسم المؤجل الى أمد طويل، وثانياً الى العماد عون بمراعاة البُعد الاستراتيجي للصراع والإبقاء على ضوابط الحد الادنى التي تشكلها الحكومة التي يلوّح عون بشلّها على خلفية ملف التعيينات الأمنية.
وكان الرئيس سعد الحريري سارع الى الردّ على ما وصفه «خطاب المكابرة والتخوين والتهديدات» لنصر الله معلناً «إن معادلة الحشد الشعبي لا مكان لها في لبنان، ولن نغطي أي دعوة لذلك تحت أي ظرف من الظروف»، لافتاً الى «ان الدفاع عن الأرض والسيادة ليست مسؤولية حزب الله لا في عرسال، ولا في جرودها (...) وان خيارنا أن نعيش في الجمهورية اللبنانية، وأي خيار آخر، هو قفزة في المجهول ورهان على أحلام إبليس في الجنة»، ومشدداً على «انهم يريدون لبشار الاسد ان يتنفس من رئة لبنان ويريدون من لبنان ان يشكل خط الدفاع عن المشروع الإيراني على شواطئ المتوسط»، محذراً من ان «ذلك سيؤدي الى وقوع لبنان في أزمة لا نهاية لها، وفك ارتباط لبنان مع حرائق المنطقة يكون بالعودة الى الدولة والتوَحد على مرجعيتها والوقوف جميعاً خلف الجيش والقوى الشرعية في حماية الحدود ومواجهة مخاطر الارهاب من اي جهة أتى».