خواطر تقرع الأجراس / عسكرة الآلهة!

1 يناير 1970 04:57 م
في الأديان السماوية اللهُ تعالى خلق البشر. وفي الأساطير والملاحم... البشر خلقوا الآلهة! آلهة تتصارع، وتُصارع شعباً أو بطلاً، مناصِرةً أومعادِية.

ولا فرق، في عسكرة الآلهة، بين أمم الملاحم والأساطير الخرافية القديمة، وأمم الملاحم والأساطير الخرافية الحديثة؛ فعصر الخرافة ما يزال مستمراً!

عصر أرسطو وأفلاطون وسقراط... (القرن 4 ق. م) كان عصر سيادة العلم والفلسفة والمنطق وكذلك سيادة الثقافة الأسطورية؛ فتعددت الآلهة، وتصارعت، وصارعت البشر. كان هناك مؤمنون وملحدون. أرسطو، قال بنظرية المحرَّك الأول الذي لا يتحرك. واعتبرته كنيسة العصور الوسطى من أوائل المؤمنين بالخالق. واتهمت بالهرطقة كلَّ من يهاجم فلسفته.

والسوفسطائيون كانوا بلغة عصرنا(ملحدين). ومن التُّهم الخطيرة المتناقضة التي وُجِّهت لسقراط (عدو السوفسطائيين!) تهمةُ الإلحاد! التي قادته إلى الإعدام بتجرُّع السّم، رغم أنه كان مؤمناً بآلهة الإغريق بل والكيان الإلهي الواحد. يذكر فولتير في معجمه الفلسفي أن رجلين لقيا سقراط في شوارع أثينا فأشار أحدهما إلى سقراط وقال لصاحبه: انظر، هذا هو الملحد الذي يقول إن هناك إلهاً واحداً فقط!

وزجّ الإغريق، في أساطيرهم وملاحمهم، بآلهتهم في صراع سياسي وعسكري. ففي (الإلياذة) لـِ (هوميروس) استولى (أغاممنون) قائد الجيوش اليونانية على بنت كاهن من كهنة الإله أبولون فسلّط إله الشمس على معسكر الإغريق وباء مهلكاً. فتدخّلت آلهة أخرى وتم ردُّها.

و«جوبيتر»، رئيس الآلهة، أمَدّ جيش طروادة بابنه «أبولون» وإله الشمس، ليحقق له النصر على أعدائهم. والإله (هيفيستيوس أو فولكان) إله البراكين والحدادة صنع درعا خارقاً للبطل (آخيل) لمحاربة جيش طروادة.

وفي ملحمة (الأوديسا) لهوميروس أيضا ناصرت إلهةُ الحكمة (أثينا) البطلَ (أُوليس أو أُوديسيوس) وحمت زوجتَه (بينيلوب) وابنه( تيليماك)، وطلبت من أبيها جوبيتر أن يخلص أُوليس من معتقله بجزيرة الإلهة (كاليبسو)... وبعد تحريره وإبحاره نحو وطنه أرسل عليه (نبتون) إله البحار عاصفة حطّمت سفينته. وفي النهاية نصر جوبيتر وأثينا أُوليس على أعدائه!

في كتاب (السياسة الدينية والدول العلمانية) للكاتب الأميركي سكوت هيبارد يبحث بجرأة وموضوعية نهوض الحداثة العلمانية في أميركا، ومصر والهند، في الخمسينات والستينات. ثم سقوطها في الثمانينات والتسعينات في عهد ريغان وبوش الابن لصالح اليمين المسيحي. وفي مصر أيام السادات ومبارك. وفي الهند تحت زعامة القومية الهندوسية المتعصبة ضد المسلمين الهنود.

وأريد هنا التركيز على ما قاله عن أميركا ؛ كونها قمة التكنولوجيا العلمية والعسكرية العالمية.

فقد نفخ بوش في لهيب الطائفية لدى الأميركيين، خصوصا البروتستانت، ضد (الفاشية الإسلامية!)- لم يذكر الكاتب الجماعة الصهيونية المسيحية التي انتسب إليها بوش- ورأى في حربه على الإرهاب، بعد أحداث أيلول- سبتمبر، حرباً صليبية مقدسة!

وكان قادة من زعماء المحافظين المسيحيين- ومنهم بويكن- يلبسون الزي العسكري ويخطبون في الكنائس لتأييد (الحرب الدينية): «إننا بصفتنا أمة مسيحية يسود فيها حكم الله(!) فإن النصر يعتمد على اتحاد الأمة تحت اسم المسيح عيسى»!

يذكر الكاتب أن المحافظين المسيحيين يؤمنون بأن «الله اختار بوش للوصول إلى البيت الأبيض»! ويعلق الكاتب: «كانت الإدارة بصدد استخدام تبرير أخلاقي لاستراتيجية الإمبراطورية».

وفي حروبنا الأهلية والطائفية يدّعي كل فريق أن الله يمدّه بملائكته، أو بأوليائه الصالحين، أو بالأئمّة الميامين لنصرته على أعدائه الكافرين.

هكذا صار جوبيتر وأثينا وفولكان ونبتون... ملائكة، ومسيحاً، ووليّاً، وإماماً... واختلطت الآلهة والأساطير والخرافات القديمة... بالحديثة.

* كاتب سوري