مشهد / من أجل عينيك عشقت الهوى

1 يناير 1970 11:23 ص
سعادةٌ نادرةٌ غمرتني وحالةٌ من العشق تلبستني فرفرَفتُ فيها في السماء وبين الغيوم، وشاركت الطيور فضاءها الرحب وحلّقَت مشاعري في أحلام وردية جميلة، كلُّ ذلك وأكثر عندما تسللت كلمات أغنية الشاعر الراحل الأمير عبدالله الفيصل وبصوت أم كلثوم وهي تصدح بصوتها العذب مصحوبا بنغمات أبدعتها أنامل الفنان رياض السنباطي. لا أدري هل هي كلمات الشاعر التي أصابت بسهامها روحي أم أنها النغمات التي ترنمت بها سيدة الغناء العربي فخرجت الحروف وكأنها نسمات تُشجي السامعين ليشاركوا الكاتب حالة العشق التي دفعته ليخط كلماته تلك على ورقة المتعطش لحبر قلمه.

لم أسمع تلك الأغنية منذ سنوات طوال ونسيتها كما نسيت الكثير من أمور حياتي اليومية وكأني أقول لنفسي وذاكرتي ما مضى قد مضى فلا فائدة من تذكره مطلقا. ولكنها الصدفة فقط التي جعلتني أسترجع كلمات القصيدة حين كنت أتبادل الحوار مع أصدقاء صفحتي على الفيس بوك وعندها قررت أن أجلس في ركنٍ قَصِي في شقتي لأطرب مع أغنية أم كلثوم الشهيرة فأعددت العدة وهيأت نفسي وأطلقت لمسامعي حريةً لم تنلها منذ زمن طويل وزوجتي ترقبني بنظرات الشك والريبة والصمت!

كان وما زال شعراء العالم العربي هم عنوان حالة العشق التي يعيشها المواطن العربي على مر القرون وحتى زمن قريب جدا عندما ترجل آخر فرسان الشعر العربي الحديث عبدالرحمن الأبنودي عن فرسه لتخلو الساحة من العشاق الذين يجيدون العزف على أوتار القلوب وينظمون بكلماتهم قلائد بديعة من الغرام والهيام. وكما قيل سابقا ان الشعر ديوان العرب؛ ففيه تجد تاريخهم وأمجادهم وهزائمهم، وفيه تجد شطحاتهم في العشق والحب العذري وغير العذري. ولكن الأمير عبدالله الفيصل شاعر من زماننا القريب امتلك موهبة فريدة في تطويع حروف اللغة العربية لتكون مسرحه الذي يبدع فيه فألهمت كلماته تلك الكثير من العشاق في الليالي على ضفاف الأنهار وشواطىء البحار على مساحة الوطن العربي الكبير في زمن الهزائم والنكبات والحسرات. كم تمنيت لو أن هنالك أحداً ما قد سأل الأمير عن سر كتابته لتلك الكلمات وما هي الحالة التي تجسّدته فأطلقت أصابعه هذه الأبيات الشعرية.

شعراؤنا المبدعون هم بريق الأمل وفراشات الربيع التي تلهمنا كل يوم فتبعث فينا بعضا من السعادة ولو كانت مؤقتة فتمنحنا دفئا في الشتاء القارس ونسائم عليلة في لهيب الصيف. صحيح أن الكثير من الناس لا يحبون الشعر بشكل عام، لكني موقن أن معظمهم إن سمع شعرا جميلا كهذا فسينال منهم الاستحسان والثناء. لم يكن الأمير عبدالله هو الوحيد في الساحة العربية المعاصرة ولكنه أيضا كان من المحظوظين أن تلقفت أم كلثوم والسنباطي كلماته ليخرج لنا هذا العمل الفني الجميل. أُرهِقت آذاننا من أشباه الشعراء وآذت أسماعنا تلك الأغاني الهابطة التي تُلقيها على مسامعنا قنواتنا الفضائية وقلما تجد ما يرضيك هنا أو هناك. نحن بحاجة ماسة لشعراء هذ الزمان كي ينثروا علينا بعضا من أشعارهم التي تخاطب القلب والوجدان العربي المنهك والمحمّل بالكثير من الأثقال من قتل وذبح وتشريد ودماء تسيل هنا وهناك بسببٍ أحيانا وبلا أي سبب أحيانا كثيرة. ولن أحرم نفسي أو أحرمكم من بعض ذاك الشعر الفريد ولذلك لا بد لي أن أُطرب عيونكم ببعضٍ منه:

من أجل عينيك عشقت الهوى/ بعد زمان كنتُ فيه الخَلي / وأصبحت عيني بعد الكرى/ تقول للتسهيد لا ترحلي/ يا فاتناً لولاه ما هزني وجدٌ/ ولا طعم الهوى طاب لي/ هذا فؤادي فامتلك أمره/ فاظلمه إن أحببت أو فاعدل.