ترجمة / رواية الألماني تيمور فيرميس تطرح سؤالاً خيالياً: ماذا لو عاد هتلر إلى الحياة فجأة؟!
| إعداد عبدالعليم الحجار |
1 يناير 1970
06:22 ص
صدرت حديثا الطبعة المترجمة من الألمانية إلى الانكليزية من رواية جديدة بعنوان «انظروا من الذي عاد» للمؤلف الألماني تيمور فيرميس، وهو كتاب ينتمي إلى فئة الخيال الساخر، إذ إنه يتخيل في قالب كوميدي ما يمكن أن يكون عليه الحال لو أن الزعيم النازي أدولف هتلر سافر فجأة عبر الزمن من الماضي وصولا إلى عصرنا الحالي.
وفي التالي ترجمة لمقتطفات من عرض نقدي حول الرواية نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية:
يستيقظ المسافر عبر الزمن مرتديا زيا عسكريا بعد ظهر يوم برليني مشمس في العام 2011، ينظر إلى سماء زرقاء خالية من اي طائرات معادية. لا يسمع أصوات أي قصف أو انفجارات أو صافرات إنذار. يحيره أن المدينة لا تزال قائمة رغم أوامره بأن يتم تدميرها تماما بما في ذلك مسامير ومقابض الأبواب. يفكر بينه وبين نفسه قائلا: «ومن ناحية أخرى، أنا هنا، وأنا لا أستطيع أن أفهم ذلك أيضا».
إنكم تعرفون اسمه، وتعرفون ملامح وجهه، وتعرفون شكل شعره وشاربه، فجميعها مرسومة بشكل كاريكاتوري بخطوط حادة وبارعة البساطة على غلاف الرواية الجديدة التي يحمل عنوان: «انظروا من الذي عاد»، وهي الرواية التي يعيد مؤلفها من خلالها أدولف هتلر إلى الحياة في ثوب من الحيرة إلى الشعب الألماني الأكثر حيرة.
مؤلف الرواية هو الكاتب الألماني تيمور فيرميس الذي أثارت روايته الأولى جدلا واسعا في ألمانيا، وترجمت إلى العديد من اللغات وكتب حولها الكثير من المقالات التي تتساءل حول ما اذا كان مقبولا أن نضحك على النكات التي يطلقها المؤلف على هتلر. ومن المؤكد أنه سيكون هناك المزيد من هذا النقاش حول الرواية عندما يتم طرح طبعتها المترجمة إلى الانكليزية قريبا في الولايات المتحدة.
والواقع أنه لو لم تكن رواية «انظروا من الذي عاد» ساخرة، لما كانت هناك حاجة إلى مناقشة مبدأ قبول الضحك من الأساس. لكن المؤلف فيرميس خلق من خلال هذه الرواية كوميديا عبقرية ترتكز على مفارقات الأخطاء، وهي الكوميديا التي تدور النكات فيها إما حول سوء الفهم من جانب هتلر إزاء العالم الحديث أو حول رفض العالم الحديث أن يتقبله كما هو.
فعندما يستيقظ هتلر خلال سفره عبر الزمن، فإن أول أشخاص يقابلهم هم مجموعة من الصبيان يلعبون. ويتساءل هتلر بينه وبين نفسه: «هل هم أعضاء في شبيبة هتلر لكنهم لم يرتدوا الزي النازي الموحد؟ وعندما يسأله أحد أولئك الصبيان قائلا: هل أنت بخير يا معلم؟»، فإنه يعتقد أن ذلك الصبي قد ارتكب زلة لسان طفيفة لأنه لم يناده بـ «الفوهرر». وعندما يرى عددا كبيرا من الصحف التركية في أحد أكشاك بيع الجرائد، فإنه لا يستطيع أن يتقبل فكرة وجود عدد كبير من المهاجرين الأتراك في ألمانيا. وبدلا من ذلك، فإنه يفترض أن تركيا قد أصبحت الحليف الكبير الذي ساعد ألمانيا على كسب الحرب.
وفي سياق الرواية، فإن رجلا يدير كشكا لبيع الجرائد يصبح أول المتعاملين مع ظهور هتلر الجديد الفقير والمشوش. والأسلوب الفكاهي في الحوار الذي يدور بينهما يمكن أن ينبع مباشرة من استعراض مسرحي. فبائع الجرائد يعتقد أن أدولف هتلر ذلك، الذي لا يستخدم أي شيء سوى اسمه الحقيقي، ليس سوى ممثل يتقمص شخصية هتلر. ولذلك، يدور بينهما الحوار التالي في شكل مختصر قليلا:
البائع: هل لديك برنامج خاص بك؟
هتلر: بطبيعة الحال. لديّ برنامج منذ العام 1920.
البائع: وهل لديك أي منشورات (فلايرز)؟
هتلر: لا تحدثني عن سلاح الطيران. لقد كان فشلا ذريعا في النهاية.
ثم إن هناك التساؤل الذي يتبادر إلى أذهان قراء الرواية، ألا وهو: لماذا يعيش هتلر بلا مأوى فجأة. هل بسبب ورطة مع عشيقته؟
لذا فإن البائع يسأله: «يبدو أن الأمر لم يكن يسير على ما يرام نحو النهاية، صحيح؟».
فيجيبه هتلر قائلا: هذا يعتبر تقييما دقيقا للوضع.
البائع: من الذي كانت عليه اللائمة؟
هتلر: في نهاية المطاف تشرشل، حسب ما أتوقع.
وتمضي الرواية مستعرضة المزيد في هذا السياق، إذ إن المؤلف فيرميس يقود شخصيته الرئيسية (أدولف هتلر) - والذي يعتقد الناس أنه ليس سوى شخص جديد غريب الأطوار ينتحل شخصية هتلر – إلى مصيره الحتمي المعاصر: ألا وهو الانخراط في مجال البرامج الاستعراضية. فهو يظهر كمقدم لبرنامج تلفزيوني وينجح في ترك انطباع فوري، فقط من خلال التصرف على طبيعته والتنفيس عن روح التعصب التي تحركه. ويشير المؤلف إلى أن هتلر المسافر عبر الزمن تلقى تحذيرا صارما من جانب رؤسائه الجدد في المحطة التلفزيونية الذين قالوا له: «اليهود ليسوا مادة للسخرية»، لذا فإنه يكبح جماح هذا الجانب من نفسه لفترة من الوقت. والى جانب ذلك، فإنه يوافق- لكن لأسباب مختلفة.
لكن البرنامج التلفزيوني الذي يظهر فيه هتلر المسافر إلى الحاضر قائم على أساس الفكاهة العرقية المحضة، وإن بطريقة أو بأخرى، لذا فإن المشاهدين لا يعرفون ما إذا كان الكلام الذي يلقيه هتلر بحسن نية هو جزء من السخرية التي تميز العرض أم أنه مجرد خطبة سامة وسطحية ومملة.
وصحيح أن هذه الرواية ليست حادة الأنياب، إلا أنها قادرة على أن تبقى محتفظة بروح الدعابة وبالقدرة على إثارة الإزعاج بعد مرور النبرة الساخرة. ففي نهاية المطاف، يتعين على هذا الـ «هتلر» (أي الشخصية الواردة في الرواية) أن يصبح هتلر بشحمه ولحمه. فمعاداته للسامية وجموحه نحو توسيع حدود ألمانيا يصبحان موضوعين رئيسيين يحب أن يصر عليهما طوال الوقت.
وفجأة، فإن الرجل الذي بدا في البداية مسليا جدا يسأل كيف حصل أن انفصلت منطقة سيليسيا، كما أنه يستعرض أسماء أماكن أخرى يرغب في إعادة احتلالها. ويتحول سلوكه أكثر صلابة وتشددا، إذ إنه عندما تطلب إحدى معجباته الحصول على توقيعه الشخصي خلال مهرجان أكتوبر، فإنها تحصل على توقيع على شكل صليب معقوف على صدرها.
حتى بينما يصبح أكثر تطرفا، فإن هتلر الخاص بهذه الرواية لا يعتذر مطلقا، بل إنه يصبح أكثر صرامة، حتى على الرغم من أن لهجة المؤلف فيرميس تبقى كوميدية الطابع طوال الرواية. فهو (هتلر) يضحك ساخرا من وسائل الإعلام. فعندما يسأله صحافي: «هل صحيح أنك معجب بأدولف هتلر؟» يجيب ساخرا: «فقط عندما أراه في المرآة في الصباح». كما أنه يعيد إحياء لغته القديمة عن «الطفيليات» وعن معسكرات الاعتقال. كما أنه يلقي خطبة غارقة جدا في الماضي إلى درجة أن أحد مستمعيه يقاطعه ليتساءل: «أنا آسف، ولكن... ما الذي تتحدث عنه؟»
والواقع أنه يمكن إرجاع الفضل في الشعبية الكبيرة التي حققتها رواية «انظروا من الذي عاد» إلى الفعل السردي «الاستفزازي» الأساسي الذي يمارسه المؤلف، وإلى روح كوميديا الموقف الفائقة الحساسية التي تعمل بشكل جيد جدا في سياق هذه الرواية.
ويعتمد أحد مشاهد كوميديا الموقف في الرواية على إساءة فهم هتلر لكل شيء يتعلق بالتقدم العلمي والتكنولوجي، مع حرصه على إرجاع الجزء الأكبر من الفضل في ذلك التقدم إلى ذكاء وألمعية الجنس الآري. وعلى سبيل المثال نجده يسأل عن موقع ويكيبيديا قائلا: «ماذا يسمى هذا الشيء؟ فيكيبيديا؟ ومن الواضح أنها ينطقها بلهجة جرمانية الأصل، إذ إن الجزء الأول من الكلمة هو تكريم لتراث الفايكنغ.
وماذا عن الهواتف النقالة؟ يقول هتلر المسافر عبر الزمن عنها: «لقد أدركت على الفور أنني أمسك في يدي تحفة إبداعات العبقرية الآرية الخلاقة، وكل ما تطلبه الأمر كان عددا قليلا من اللمسات بأصبعي كي اكتشف أن شركة سيمنز الألمانية الفائقة - بالطبع- كانت هي التي ابتكرت التكنولوجيا التي جلبت هذه المعجزة». أما شكواه الوحيدة من الهاتف النقال هو أنه «يفتقر إلى نغمة رنين معينة، ألا وهي نغمة رنين معتمدة رسميا من جانب الرايخ الثالث».
وعموما، فإنه سواء أكان المرء يستطيع تخمين طبيعة هذه الرواية الساخرة أو لا يستطيع، فإنه يتعين عليه أن يقرأها ليتمكن من رؤية الصورة كاملة.
* عنوان الرواية: «انظروا من الذي عاد» (LOOK WHO’S BACK)
- المؤلف: تيمور فيرميس
- عدد الصفحات: 313 صفحة
- الناشر: دار MacLehose للطباعة والنشر