«الراي» على تخوم السلسلة الشرقية مع بدء العد العكسي لـ «موْقعة الحسم»
القلمون ... معركة «ما بعد ذوبان الثلج» رفعت «حرارة» المخاوف والاستنفار
| بيروت - من أسامة القادري |
1 يناير 1970
10:28 ص
• «حزب الله» قام بكل التحضيرات لخوض معركته «الحاسمة» لـ «طرد الإرهابيين» من الجرود وستكون فيها «المفاجآت» التي وعد بها نصرالله في خطابه
• الحزب رفض مشاركة منتسبي «سرايا المقاومة» في المعركة المتوقعة مبلّغاً إياهم أن مهمتهم هي «حماية ظهرنا من الدواعش»
• رفيق الدبس لـ «الراي»: حال الخوف من اشتعال المعركة في هذه المنطقة أوقف أعمال البناء بشكل واضح
• إيلي صليبا: الأمن الذاتي مرفوض لأنه يضرب مفهوم الدولة وهيبتها
• سامي الساحلي: أبناء المنطقة حذرون ومتيقّظون مما قد يقدم عليه المسلحون لجهة فتح ثغر إمداد لهم وسيطرتهم على هذه المنطقة
هي «طبول» معركة القلمون تُقرع على تخوم سلسلة الجبال الشرقية الفاصلة بين لبنان وسورية، والتي تعيش منذ أيام أجواء مواجهة آتية على طريقة «الآن الآن وليس غداً».
وبات كل حدَث وردّ الفعل عليه يتم «تحليله» على «مقياس» معركة القلمون «الموعودة» ومقتضياتها، وهو ما حصل في قراءة عدم اعتراف «حزب الله» بالغارات الإسرائيلية التي استهدفت قبل أيام قافلة تنقل صواريخ من مستودعات جيش النظام السوري في لوائي 155 و65 في القلمون، وهو ما اعتُبر مؤشراً إلى أن الحزب لن يردّ على هذا الهجوم كما كان وعد سابقاً وذلك على قاعدة أن «لا صوت يعلو فوق معركة القلمون الجديدة».
وتستحضر أوساط متابعة مجموعة مؤشرات إلى أن العد التنازلي لمعركة القلمون بدأ، وبينها أن النظام السوري تلقى خلال شهر أبريل ضربات عدة شبه «قاتلة» له، مثل سيطرة المعارضة على محافظة ادلب بالكامل وآخرها جسر الشغور، ما يفتح الباب أمام المعارضة للوصول إلى الساحل السوري.
وعلى وقع «الانطلاق الإعلامي» لهذا «الموْقعة»، تفاقم القلق على تخوم سلسلة جبال لبنان الشرقية المتاخمة للحدود مع سورية وقرى شرق مدينة زحلة المسيحية تحديداً التي تعيش في «جو المعركة» منذ أن تردّد فيها صدى الموقف الذي كان أطلقه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله عن نية «المجموعات التكفيرية المسلحة» المنتشرة خلف هذه السلسلة، من منطقة القصير المواجهة لرأس بعلبك المحصّنة بمواقع «حزب الله»، وصولاً حتى الشريط الشرقي حيث مرابض جيش النظام السوري ومواقع «القيادة العامة» التابعة لأحمد جبريل والتي أصبحت بيد «حزب الله» بالكامل في منطقة الزبداني ومحيطها، بفتح معركة فور ذوبان الثلوج.
وما يعزز المخاوف ولا سيما في قرى شرق زحلة، الملاصقة للسلسلة الشرقية والتي تبعد عن الزبداني نحو 15 كيلومتراً، المعلومات التي تصل إلى الأهالي من قريبين من «حزب الله» عن أن معركة «ما بعد الثلج» مرجح اشتعالها في منتصف أبريل المقبل.
وبدأ الاقتراب من «الساعة الصفر» الافتراضية يرسم ملامح شد أعصاب وحذر أكثر من المعتاد في المقلب اللبناني. ولم يساهم الطقس البارد في قرى شرق عاصمة البقاع زحلة خلال الشهر الفائت في الحدّ من «حماوة» المخاوف من اقتراب النار إلى السلسلة الشرقية، وذلك بعدما تلمس الأهالي استعدادات الجيش اللبناني، وتعزيزات «حزب الله» العسكرية في العديد من مواقعه.
وأبلغت مصادر في بيئة «حزب الله» إلى «الراي» أن الحزب «قام بكل التحضيرات لخوض معركته الحاسمة لطرد الإرهابيين من الجرود، وستكون فيها المفاجآت التي وعد بها السيد نصرالله في خطابه، موضحة أن المعركة «ستبدأ من السلسلة الشرقية في البقاع الشمالي، بدءاً من مشاريع القاع شمالاً مروراً بجرود بريتال ونحلة وجنتا جنوباً»، مضيفة: «سيحصل انقضاض عليهم قبل أن يجدوا منفذاً لإمداداتهم».
ولم تستبعد المصادر تمدُّد نيران المعارك إلى جرود كفرزبد ورعيت ودير الغزال شرق مدينة زحلة باعتبار أن «حزب الله» والجيش النظامي السوري أحكموا محاصرة المعارضة في الزبداني وجرودها كما أطبقوا على منافذ المسلحين في جرود عرسال ويبرود والقصير.
ولفتت مصادر متابعة إلى أن «حزب الله» رفض مشاركة منتسبين إلى ما يسمى «سرايا المقاومة» من القرى ذات الغالبية السنية، في معركة القلمون الجديدة المتوقعة خلال أيام، مبلغاً إياهم أن مهمتهم (هي حماية ظهرنا من الدواعش) المتغلغلين في بعض القرى على طول خط دمشق بيروت.
ورغم ما يبدو في العلن ويعطي انطباعاً بأن الحياة طبيعية، فإن مسارعة بعض الشبان إلى الانطلاق خلف أي سيارة غريبة تدخل قرى شرق زحلة للاستفسار عن سبب الزيارة، يعكس حالة ترقب وحذر شديدين بحسب ما أشار إليه رئيس بلدية دير الغزال رفيق الدبس الذي أكد لـ «الراي» أن «عدداً من شباب البلدة وفعالياتها أبلغوا إلى قيادة الجيش أن عدداً من أبنائهم يقومون بالحراسة والمراقبة، وعند الشك بأي تحرك مريب يبلغون الأجهزة الأمنية المعنية بالمنطقة»، موضحاً «أن حال الخوف من اشتعال المعركة في هذه المنطقة أوقف أعمال البناء بشكل واضح»، غامزاً من قناة تخوفه من أن تسبب هذه الاحتمالات موجة نزوح لأبناء المنطقة إلى بلدات أخرى.
يبدو لزائر المنطقة أن الحياة طبيعية في بلدات كفرزبد وعين كفرزبد، ودير الغزال ورعيت، ذات الغالبية المسيحية. فهذه القرى المعروفة تاريخياً بانتماء شبابها لـ «جبهة المقاومة اللبنانية» والتي سقط منها عدد من الشهداء خلال مواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا، يعطيها تاريخها«الحصانة» في ابتعادها عن الصراع المذهبي. إلا أن ذلك يحتّم عليها المسؤولية بالمواجهة في حال تم الاعتداء عليها، ما جعل أبناءها يطالبون قيادة الجيش بزيادة عديد الجنود والعتاد والتعزيزات والآليات في المراكز والحواجز المنتشرة على طول خط هذه القرى كونهم يرفضون مبدأ «الأمن الذاتي» الذي بدأ محسوبون على «حزب الله» التيار الوطني الحر(يقوده العماد ميشال عون) يروّجون لاعتماده أسوة بمناطق لبنانية حدودية أخرى.
الا أن قيادة «الحزب الشيوعي» الأكثر تأثيراً في غالبية هذه القرى، رفضت مثل هذه الصيغة واعتبرتها «نسفاً لمفهوم الدولة»، على حد تعبير مسؤول «الشيوعي» في بلدة رعيت ايلي صليبا الذي أشار عبر «الراي» إلى أن «الأمن الذاتي مرفوض لأنه يضرب مفهوم الدولة وهيبتها»، وقال:«بعد سلسلة من المداولات بين أبناء
البلدات من مختلف الاطياف السياسية، توصلنا الى صيغة الامن الوقائي، أي عند الاشتباه بأي تحرك نقوم بإبلاغ القوى الأمنية من دون حمل اي سلاح، كما حضّينا الفعاليات واتحاد بلديات المنطقة والبلديات على مطالبة قيادة الجيش والقوى الأمنية بتعزيز مراكزها على طول خط هذه القرى المتصلة ببعضها البعض، لارساء حالة من الطمأنينة بين الاهالي، تجنباً لأن تُحدِث هذه المخاوف حالة من الهلع والنزوح»، معتبراً في الوقت نفسه «أن المخاوف مبالَغ فيها لأن المنطقة برمّتها لا تشكل بيئة حاضنة للفكر الداعشي».
لا يخفي الأهالي أن هواجسهم بدأت مع أول رصاصة في معركة عرسال في أغسطس الماضي، تحسباً من توجّه المسلحين إلى منطقتهم لفتح منافذ لهم، بعدما تم إحكام قبضة الكماشة في جرود القلمون وعرسال.
ويحاول «وليم»، وهو من مؤيدي «التيار الوطني الحر»، أن يتصوّر خطة اقتحام المنطقة من تنظيم «داعش» والمجموعات المسلحة، لافتاً الى أن إحدى أدوات التنظيمات المسلحة هم النازحون المقيمون على الخط الممتدّ من بر الياس إلى رياق، بهدف السيطرة على الطريق الرئيسية التي تربط طريق الشام بالبقاع الغربي والجنوب، وترتبط بمطار رياق العسكري، مضيفاً: «ما أن تجري السيطرة على هذه القرى تسقط جميع قرى المنطقة حكماً».
ويرى أنه «بحال أي تهاون وعدم جدية نقع جميعاً ضحايا كما أصاب ازيديي ومسيحيي العراق، وأقباط مصر«، باعتبار أن غالبية سكان هذه القرى من الطائفة المسيحية».
وما يرفع من نسبة الخوف لدى أبناء زحلة وقرى شرقها، وجود مواقع لـ«القيادة العامة» وللجيش السوري في جرودها، والخشية من أن يعتمد «المسلحون ذات الأسلوب في مناطق أخرى، بشراء قياديين من الجيش السوري والقيادة العامة، وإحداث انشقاقات داخلها، وتَحوُّل المخيمات الفاصلة بين هذه القرى ومدينة زحلة بؤراً أمنية حاضنة ومساعدة للمسلحين».
وبحسب متابعين فإن المخاوف الأبرز هي من أن السيطرة على هذه القرى تعني السيطرة على طريق دمشق الدولية، وربْط جبهتي القلمون بجبهة الجنوب.
ووفق مصادر مطلعة فإن المسلحين حاولوا خلال الأسابيع الفائتة السيطرة على طريق دمشق لبنان الدولية من جهة بلدة كفير يابوس وعطيب ومذر السورية ولكن «سرعان ما تدخلت قوات النظام السوري والسلاح الجوي ومجموعات حزب الله والقيادة العامة وابو الفضل العباس»، وخاضوا معارك طاحنة مع «الجيش الحر» حتى استعادوا سيطرتهم على تلك المواقع الاستراتيجية.
ويؤكد رئيس بلدية عين كفرزبد سامي الساحلي «أن أبناء المنطقة حذرون ومتيقظون مما قد يقدم عليه المسلحون لجهة فتح ثغر إمداد لهم وسيطرتهم على هذه المنطقة»، لافتاً ألى «أن شباب البلدة يقومون بحراسات ليلية ودوريات داخل القرى انطلاقاً من الخطة الوقائية، وبحال الاشتباه بأي أمر يتم إبلاغ الجيش والقوى الأمنية الموجودة في المنطقة»، ومشيراً إلى «أن هواجس جمهور المقاومة والاهالي في تلك المنطقة من أن تحدث انشقاقات داخل مواقع القيادة العامة، ومواقع الجيش السوري، وبدل أن يكونوا درعاً للدفاع يتحولون ذراعاً هجومية للمسلحين».
من جهتها، تشير مصادر المعارضة السورية في منطقة الزبداني الى «أن حزب الله يحاول أن يضع الجيش اللبناني بمواجهة مع الثوار السوريين، ليخفف عنه العبء في جبهات اخرى»، لافتة إلى «أن الجيش الحر والألوية التي تقاتل تحت رايته وبإمرته ليس لها اي مطامع في لبنان لا من قريب ولا من بعيد»، ومضيفة: «في الزبداني لا وجود لداعش، وكل ما يروّج له نظام الأسد وأعوانه غير صحيح وهو بهدف تأجيل معركة دمشق».
واذ اكدت المصادر الاستعداد لأي معركة داخل الاراضي السورية، اعتبرت رداً على التقارير عن نية «حزب الله» فتح معركة القلمون «أن جبهتنا دائماً مفتوحة ولم تهدأ يوماً، إلا أنه كلما شعر النظام وحزب الله بالهزيمة في مناطق أخرى، في ادلب وحلب والجبهة الجنوبية، رفعوا من نسبة تهديداتهم في هذه المنطقة التي تضم ترسانة ضخمة من صواريخ السكود ومنصات صواريخ»، مضيفة: «نعرف نية حزب الله لجرّنا إلى معارك مع الجيش اللبناني الذي نتمنى أن يقف على الحياد ويبعد مرابض مدفعية وصواريخ الحزب عن مراكزه لأنها ستكون تحت نيراننا، ونحن نعلم أن الحزب رابض مدفعيته ومنصاته قرب مراكز الجيش اللبناني بهدف وضع الجيش تحت مرمانا».
ولفتت إلى أن «حزب الله استقدم مقاتلين إيرانيين وعراقيين إلى مواقعه، بعدما رفض مشاركة جيش النظام السوري في أي عملية عسكرية لعدم ثقته بضباطه وعناصره، كما أحكم سيطرته الكاملة على مواقع القيادة العامة لعدم ثقته بعناصر القيادة الفلسطينيين»، كاشفة «أن حزب الله طرد من مركز أمانة جوسيه الحدودية الرسمية في القاع عناصر الأمن العام والجمارك السوريين الذين شُكلوا إلى المركز بغية تسهيل عبور أبناء منطقة القصير وحمص من والى لبنان، وقد «كسّروا» أجهزة الكمبيوتر التي استقدموها، وقالوا لهم بالفم الملأن «مش ناقصنا مين يتجسس على حركتنا»، وهذا يدل على مدى انعدام الثقة بين الطرفين، من منطلق مذهبي في الباب الاول، والثاني تخوفاً من عامل الرشى لضباط كبار باعوا مناطق بأكملها.
وبحسب مصادر المعارضة السورية في منطقة الزبداني فإن «داعش» لم يعد له وجود مؤثر في جرود عرسال والقلمون، لافتة إلى «انشقاق أمير» الدولةفي القلمون المعروف بـ «البنياسي» الذي تم اغتياله قبل فترة إثر تحوله إلى «جبهة النصرة» ما استدعى من أمير الجبهة في القلمون وجرود عرسال أبو مالك التلة أن يقفل جميع هواتفه ولا يقبل بأي تواصل معه سوى شفوياً خشية رصده وتصفيته.