حدثت مشادة كلامية بين النائبين عبد الله الرومي والدكتور ضيف الله بورمية، وهي ليست بالواقعة الأولى، فقد شهدت جلسات مجلس الأمة وقائع مشابهة، ولكن الغريب في تلك المشادة أنها صورت على أنها «هوشة» في رسائل بثها ضعاف النفوس لغايات في أنفسهم، وكنا نتمنى من الجهات المعنية متابعة مصدر تلك الإشاعة ومحاسبته على فعلته النكراء كي يكون عبرة لمن يصطاد في الماء العكر.
وقعت المشادة وانتشرت «الإشاعة» وهي في غالب الأحيان من نسج الخيال يتم حبكها بشكل متقن من قبل فكر عقل عقيم تعرض صاحبه إلى صدمة معينة جعلته يتصور أشياء لا وجود لها وضررها يظل منعكساً على الفرد ذاته ما لم يتم تناقلها وتصبح حديث الساعة. فالإشاعة إما تكون حميدة ومستأنسة من قبل متلقيها كزيادة الرواتب، إسقاط القروض، أو المنحة الأميرية، وقد تتحقق نتائجها حسب وقع تأثيرها على المتلقي سواء كان من جانب الجهة التشريعية أو التنفيذية ويتعاطف معها رغم أنها من نسج فكر فرد واحد دفعته الحاجة إلى أن يبثها وهي في الأحوال كلها خطأ لانتشارها إلى العموم وانتفاء صفة الشخصية منها! وإما تكون خبيثة، وهي كل فكرة تصدر من عقل مريض تتم إضافة «البهارات الحارة» عليها ليصبح لها وقع سلبي على متلقيها ويقع الضرر الذي نهانا عن ارتكابه القرآن الكريم وسنة نبيه العطرة.
من المعلوم أن الاختلاف قضية واردة في النفس البشرية حتى قيام الساعة، فالأب يختلف مع أبنائه والموظف يختلف مع مسؤوله، وحتى الزوج يدب الخلاف بينه وبين زوجته، والاختلاف نابع من طبيعة الإنسان التي تتأثر بمجريات الأمور، وردة الفعل تختلف من إنسان لآخر، وفي البيئة ذات الأساس الطيب عادة يتم تلافي أوجه الاختلاف عند تفهم طرف وجهة نظر الآخر و«يطيح الحطب»، كما يقول المثل الشعبي بين طرفي الخلاف، كما حصل بين النائبين الفاضلين.
إن استراتيجية «بث الإشاعة» لاحظناها بازدياد في الأعوام الأخيرة وتمثلت بأشكال عدة، بعضها سياسي أثناء الاستجوابات والتشكيل الوزاري، وتجدها حاضرة عندما تتضارب المصالح وعندما يشتد النقاش على مسألة لتظهر بغرض مخالف لما حصل على أرض الواقع.
إن من يحاول بث الإشاعة على الصعيد السياسي بات معلوماً للبعض وله أجندة ترمي إلى هدم الأهداف المنادية للإصلاح قبل وضع حجر الأساس لها، ونحن في مجتمعنا ننعم بحرية رأي، وما إن تصدر الإشاعة إلا وأنت تجدها حديثاً متداولاً في الديوانيات والاجتماعات أو في أي لقاءات جانبية أخرى.
إن مصدري الإشاعة، وتحديداً الإشاعة ذات الأهداف السلبية، هم في واقع الحال أصحاب أنفس مريضة تعاني من فساد في الضمائر، وهم بحاجة إلى معالجة فورية.
إنها علل كامنة في أنفس مريضة تحاول تصوير الأحداث وتحليلها بشكل مبالغ فيه ومغلوط، وحان الوقت لوقف أثرها على المجتمع كي يتنفس الصعداء ويتاح لأفراده بمختلف صفاتهم المجال للعمل والمضي قدماً نحو أهداف رسمتها قوانين مازالت حبيسة الأدراج... فهل نحن فاعلون؟
نختم الحديث بوصية من الشافعي (رحمه الله): «إن الفقيه هو الفقيه بفعله... ليس الفقيه بنطقه ومقاله، وكذا الرئيس هو الرئيس بخلقه... وليس الرئيس بقومه ورجاله، وكذا الغني بحاله... ليس الغني بملكه وبماله»... والله المستعان !
تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
[email protected]