نحو ألق ثقافي / مع «كتاب لا يقرأون!»

1 يناير 1970 02:22 م
كتب الزميل محمد الوشيحي في الزميلة جريدة «الجريدة» مقالا وسماه بعنوان (شعوب مجهولة الجدين)، يستغرب فيه من تفاعل الصفحات الثقافية مع موت أحد أشهر الروائيين في العالم، وهو الألماني غونتر غراس!

وفي زاويتها الثقافية المعروفة بين أبناء الوسط الثقافي بعنوان لغة الأشياء، علقت الزميلة الأديبة باسمة العنزي على مقالة الوشيحي، بمقالة وسمتها بعنوان «كتاب لا يقرأون!»، انتقدت فيه قول الوشيحي: «لماذا ليس لدينا من الأدباء والشعراء والفنانين، من يحفظ تاريخنا وينقله إلى الأجيال المقبلة بصدق؟ ولماذا تركنا تاريخنا في أيدي الحكومات، لتخلطه بالكزبرة والبقدونس، وترش عليه (الصوص) وزيت الزيتون؟».

والحق أنني وددت أن أعلق على ما خطه الوشيحي، وعلى شعور باسمة وأغلب الأدباء الكويتيين بالمرارة مما كتبه، باعتباري كنت قد كتبت بحثا قبل عام ونيف حول الرواية الخليجية ألزمني جهداً منهكاً في تتبع الإبداعات الروائية الخليجية، التي سجلت حضورها في المشهد الروائي الخليجي، وباعتبار أن الزميل الوشيحي، الذي نكن له كل تقدير، يبدو كما أكدت باسمة: «لم يقرأ شيئا في الأدب العربي وتحديدا الخليجي على الأقل في العشر سنوات الماضية».

ومن هنا، أقول وأنا المختص، أنني قد ألفيت الرواية الخليجية، مظهراً من أرقى المظاهر الأدبية الخليجية وأقواها، بما يحتاج لتقييمها إلى وقفات طويلة، تتناول بعمق ما مسته بجرأة نادرة من ظواهر سياسية/اجتماعية/اقتصادية خليجية محيطة بها، أكبر من فقرة في مقالة عابره لا تستوفيها حقها!

والحق أنه على الرغم من أن الظاهرة الروائية الخليجية، لا تزال وليدة تجربة قصيرة، فإنه يمكن بكل سهوله لقارئها، ملاحظة أن الروائيين الخليجيين، قد استطاعوا أن يقدموا لنا خلال الأعوام الماضية، صورة المجتمعات الخليجية، بشفافية نادرة، تفوق أكثر المؤرخين الخليجيين صدقاً!

بل إنه ولفرط صدق الصورة الروائية الخليجية، ما جعل الرواية الخليجية تمثل تاريخاً اجتماعياً وسيرة مكتوبة لحياة أبناء المجتمعات الخليجية، حيث اجتذبت حياة «المنسيين» الروائيين الخليجيين، مصورين سمات العالم الذي يحيونه، ودنياهم الخاصة، فاتحين أعيننا على واقع يوائم بين الحقيقة والأسطورة ليصور حياة أبناء الخليج !

لقد استطاع الأديب الخليجي أن يقدم نماذج متنوعة للمعزولين سياسياً واقتصادياً وجغرافياً، وبرهن أن الروائي المتشبث بالحقيقة القابض على الإدراك المستشرف لطاقات النور قائم ما قامت المجتمعات.

وإذ يكتب الروائي الخليجي تاريخ الفئات المهمشة وظروفها القاسية، عبر رواية ترثي لحالهم، فإنه يرصد عوالمهم ويعبر عن الموروث الثقافي والاجتماعي الذي يلفهم ويدورون في فلكه، ويمتاح منه شخوصه وأدواته، مصوراً بقلمه أبطالا حقيقيين كتبوا التاريخ بمعاناتهم، ليس كما يراهم العالم الخارجي، وإنما كما يراهم الكاتب من الداخل، وهذه الشخصيات بطلة، رغم أنها تحيا على هامش المجتمع، وتفضل الإقامة على الحواف.

وحيث إن الزميل لم يقرأ من الأدب الخليجي إلا النزر القليل، فإنني لا أنسى أن أبين له أنه شاع لدى الروائي الخليجي التطرق إلى ثيمات حساسة، لم يسبق لكتاب الأعمدة أن تناولوها، حيث مثلت الرواية متنفساً، وسعى الروائيون لنبش المسكوت عنه، وما يحدثه من شروخ!

وحيث إنه من المعروف أن كتاب الأعمدة قد لا يسلمون من مزلق السهو الذي قد يسقط حقوق الآخرين، غير أنه ليس من شك في أن فئة الكتّاب/الأدباء تعدّ من أهم الفئات الاجتماعية الفاعلة القادرة على قيادة التحول في أي مجتمع، بل لا نكون مبالغين إذا قلنا أن هذه الفئة ضرورية وأساسية في بناء المجتمعات، ولا يجوز لكاتب مرموق التعامل مع إبداعهم بأي استخفاف!

* أستاذ النقد والأدب

[email protected]