ألا تعد هذه الوقائع التي توصل اليها الدكتور خيري دومة، خلال بحثه الميداني المهم... «جرائم يعاقب عليها القانون»؟ ألا يتساوى تشويه كتاب «الأيام» مع سرقة أثر من آثارنا وتهريبها خارج مصر؟ ان كنا في حالة سرقة الأثر نهتم ونتحرك. ونبلغ مباحث الآثار. فمن الذي نبلغه عند تشويه نص أدبي لطه حسين؟ للأسف الشديد لا توجد جهة محددة يمكن التوجه اليها بالشكوى. لكن فقط الكتابة.
ملاحظات خيري دومة لم تنته بعد.
قولوا لي عن قضية واحدة وصلت لنهايتها في حياة جيلنا كله. القضايا التي جئنا للدنيا ولدنا وهي تناقش. قد نموت وهي مازالت تناقش.
نكمل السير في مربع الهوان معاً.
نقرأ وقائع اغتيال أيام طه حسين.
والنتائج المترتبة على ما توصل اليه خيري دومة، ليست فقط الاعتداء على نص طه حسين الجميل، وتقديمه مشوَّهًا لطلاب يقرأونه للمرة الأولى، وانما النتائج المؤسفة أيضًا، هي التشويه الناتج عن عدم الالتفات الى درجة الترابط العالية بين فصول الأيام.
وكيف يمكن للطلاب أن يفهموا قول طه حسين في مطلع أحد الفصول مثلاً: «وكان هذا الطور أحب أطوار حياته تلك اليه...» كيف يمكنهم أن يفهموا اذا كانت الفصول التي يتحدث فيها عن «هذا» الطور قد تم حذفها قبل هذا الفصل مباشرة؟! ثم كيف يمكنهم أن يفهموا قوله في مطلع فصل آخر: «وكانت الوحدة المتصلة مصدر ذلك العذاب»؟! - كيف يمكنهم اذا كانوا لم يروا «ذلك العذاب» ولم يقرأوا عنه، لأن الاخوة القائمين على الاعداد قد قاموا بحذف الفصول السابقة دون تدقيق ودون نظر؟! وحين يبدأ طه حسين فصلاً آخر بالقول: «على هذا الربع أقبل الصبي، وفي هذه البيئة عاش»، كيف يمكن للطلاب أن يفهموا، اذا كان القائمون على الاعداد قد قاموا بحذف الفصول الثلاثة السابقة مباشرة على هذا الفصل؟! عن أي ربع، وعن أي بيئة اذن، يتحدث طه حسين؟
هناك مشكلات تتعلق بالأسئلة التي تعقب كل فصل، والأسئلة العامة التي تأتي في نهاية الكتاب، فبعض الأسئلة يفصح عن عدم قراءة الكتاب، أو عدم الفهم. خذ مثلاً السؤال الثاني من الأسئلة التي جاءت بعد الفصل الثامن من الجزء الأول. يقول السؤال: «صنف الشيخ العلم الى علم الأزهريين وعلم القراء والعلم اللدنّي. ما أوجه الشبه والاختلاف بين هذه العلوم الثلاثة؟»، وحين نقرأ هذا الفصل الذي تعرض لحذف طويل، نجد أن الشيخ لم يقم بتصنيف كهذا، وأن طه حسين كان يسخر منه ومن تصنيفاته.
فكيف بالله نسأل الطالب عن أوجه الشبه والاختلاف بين علوم لم يذكرها الشيخ، ولم يُرِد بها الكاتب الا السخرية؟!، ثم خذ السؤال الرابع من أسئلة هذا الفصل نفسه، حين يُسأل الطلاب عما رواه الكاتب عن سيدنا وتفسيره لقوله تعالي «وقد خلقكم أطوارا»، مع أن هذا الجزء تم حذفه ولم يرد في الكتاب، فلماذا نحذفه تحرُّجا، ثم نسألهم عنه غيابيّا؟!
أما عن الأسئلة العامة على الكتاب، فخذ مثلاً هذين السؤالين: السؤال رقم 9 الذي يقول: «تعارض بعض الآراء بدء تعلم اللغات الأجنبية في الصغر بدعوى حماية اللغة القومية من التحريف. ناقش تلك الآراء في ضوء تجربة طه حسين في تعلم الفرنسية» من الواضح أن واضع السؤال لم يقرأ الكتاب، لأن طه حسين لم يتعلم الفرنسية في الصغر، ولم يتعلمها الا بعد حفظ القرآن الكريم وبعد تجربة طويلة مع الأزهر ودروسه وعلومه، فكيف يكون هذا هو المثال الذي نناقش عليه قضية كهذه، ثم ما الهدف من هذا السؤال أصلاً بالنسبة للطلاب؟
أما السؤال رقم 12 فيقول: «ما الجهود التي بذلتها الحكومة المصرية في سبيل النهوض بالتعليم الجامعي في مصر؟ وما دليلك؟».
لست أدري ما علاقة هذا السؤال بتقييم فهم الطالب لكتاب الأيام؟! وما علاقته بطالب الثانوية العامة الذي لم يعرف التعليم الجامعي بعد؟! ثم خذ السؤال الختامي في هذه الأسئلة العامة على كتاب الأيام: «اتسم طه حسين في كثير من مواقف حياته بالحدة والاندفاع. ما رأيك في هذه المقولة؟ وما دليلك؟» هل هذه هي خلاصة كتاب الأيام التي نريد للطالب أن يتعلمها؟ صياغة تقريرية تؤكد «اندفاع طه حسين وحدّته»، وتطلب من التلميذ التدليل على ذلك!
ثم ان هذه الأسئلة الخاصة بكل فصل، والعامة على الكتاب كله، تحتوي على أخطاء نحوية لا تليق بأستاذ يسأل تلميذه في أحد فروع مادة اللغة العربية. وهل يليق أن يسأل أستاذ اللغة العربية تلميذه: «لماذا كان للفتي «مكانا خاصًّا» بين اخوته؟»؟!. وهل يليق أن يسأله: «لم يكن «ذوي» الحاجات الخاصة يجدون ما يتوافر لهم اليوم من رعاية. ناقش في ضوء ما درست من سيرة طه حسين»؟! ناهيك عن التنطع الذي ينطوي عليه سؤال من هذا النوع، هل يريد أحد أن يمنّ على ذوي الحاجات الخاصة بما يلقونه الآن من رعاية؟! وهل هذه هي رسالة كتاب الأيام مرة أخرى؟!
انه لأمر محزن حقّا، أن يُنفَق من أموال الدولة، لاخراج كتاب مدرسي على هذا المستوى الضعيف علميًّا وطباعيًّا واخراجيًّا، يتداوله مئات الآلاف من الطلاب في ربوع مصر. هو كتاب لا يليق بالوزارة التي قامت عليه، ولا يرقى بذوق الطلاب الذين سيقرأونه ولا بعقولهم، ولا يليق بطه حسين وتراثه، وما له على أمته من حقوق.
أولاً: لم تكن هناك حاجة أن نقرر على الطلاب أجزاء الأيام الثلاثة، فيتضخم الكتاب ونضطر الى تشويهه بالحذف العشوائي. أظننا نحتاج الى جزء واحد فقط من الكتاب، وليكن الجزء الأول، لأنه فعلاً كتاب ذو موضوع واحد، وسيكون حجمه مناسبا تمامًا، بعد أن تتم معالجته تربويا ونقديا بما يليق بمكانته في تاريخنا الأدبي والثقافي.
وثانيًا: لم تكن هناك حاجة الى جمع الكتاب من جديد، والتعرُّض للوقوع في أخطاء الطباعة، ولماذا نطبعه ولدينا طبعة دار المعارف بما تتمتع به من تدقيق في الشكل، واخراج فني يرقى بذوق الطلاب؟ ينسى خيري دومة هنا... أنهم اعتمدوا على طبعة مؤسسة الأهرام، التي كانت نواة لطبعة برايل للمكفوفين. وهي الطبعة الوحيدة التي كتب لها طه حسين مقدمة. مخاطباً المكفوفين. ويبدو أنه كان سعيداً جداً لأن كتابه أصبح متاحاً وللمرة الأولى للمكفوفين. وبطله لا يرى.
وثالثًا لسنا في حاجة الى مقدمات اضافية، ولماذا المقدمات اذا كانت لدينا مقدمة طه حسين البديعة تلك؟ ربما يحتاج المدرسون الى بعض التوجيهات التربوية فقط، وفي هذه الحالة يجب أن تكون هذه التوجيهات خارج السياق الفني للكتاب!
1 - أن يتم الاقتصار على «الجزء الأول» من كتاب الأيام، كما هو ودون حذف.
2 - أن يتم اعتماد احدى طبعات دار المعارف الشهيرة، لدقة شكلها وجماله.
3 - أن تُعتمَد مقدمة طه حسين وحدها، وأن تُحذَف المقدمات الأخرى التي لا تليق بقيمة كتاب «الأيام» في تاريخنا الأدبي.
4 - أن تتولى لجنةُ مراجعةٍ مدقِّقةٌ، النظرَ فيما سيُوضع على حواشي هذا «الجزء الأول» من أسئلة أو تعليقات أو توجيهات، وأن تتأكد من ذلك تمامًا، قبل طرح الكتاب على الطلاب في السنة المقبلة، وتصبح هذه اللجنة مسؤولة أمام الطلاب والمدرسين والرأي العام.