«الراي» تواكب الذكرى الأربعين لـ 13 أبريل 1975

على الشاشات اللبنانية... الحرب أوّلها كلام

1 يناير 1970 08:50 ص
• مرمل: انزلاق الحوار إلى منحى دراماتيكي نقطة تُسجّل على مقدم البرنامج وليست لمصلحته

• علّوش: منذ الحادثة مع شكر أرفض الظهور مع أي شخص «غير مطابق للمواصفات السياسية والأخلاقية»

• يعقوبيان: الزحف وراء نسبة المشاهدة هو أسوأ ما أصاب الإعلام اللبناني

• جبّور: مع الإثارة ولكن في الوقت نفسه مع إعطاء المشاهد مادة سياسيّة جميلة ودسمة

• زهران: نحن في قلب الحرب وكلامنا على الشاشات هو جزء من هذه الحرب
يحيي لبنان اليوم «اربعين» حربه الأهلية التي اندلعت «رسمياً» في 13 أبريل 1975 واستمرّت 15 عاماً وتداخلت فيها «المكوّنات» الداخلية، الطائفية والسياسية التي كانت تعتمل في جسم «الوطن الصغير»، مع العوامل الخارجية التي شكّل العنصر الفلسطيني «الفتيل» الأبرز فيها.

اليوم تكون مرّت أربعة عقود على حرب الـ 15 عاماً التي لم تنتهِ إلا باتفاق الطائف الذي أدخل تعديلات دستورية على قواعد رئيسية أبرزها المناصفة المسيحية - الإسلامية (إلى حين إلغاء الطائفية السياسية) في السلطتين التنفيذية والتشريعية ونقْل صلاحيات من رئاسة الجمهورية (يتولاها ماروني) إلى مجلس الوزراء مجتمعاً وتثبيت «الهوية العربية» للبنان «الوطن النهائي لجميع أبنائه».

وفي 13 أبريل 2015 يعيش لبنان ما يشبه «الحرب الباردة» في غمرة «الحرائق» في المنطقة «اللاهبة» والتي يجهد لسحب «فتائلها» الماثلة في الداخل سواء على شكل انقسامات سياسية - مذهبية أو مخاطر أمنية ناتجة من تغلغل مجموعات إرهابية فيه على خلفية الأزمة السورية الحاضرة تداعياتها بقوة في البلاد «المنشطرة» حول الموقف منها.

وتشكّل المنابر الإعلامية أبرز مرآة عن واقع لبنان «المقسوم»، هي التي تحوّلت حلبات لـ «احتراب كلامي» أبطاله سياسيون وإعلاميوّن يتنقلون بشكل شبه يومي بين الشاشات، ينشرون «غسيلهم» في فضاء المحطّات وأرضها، الأمر الذي يبدو وكأنه تأجيج لحرب جديدة تبدأ في الإعلام لكن لا يُعرف أين يُمكن ان تنتهي.

إنها برامج حواريّة صارت «منصات» للتراشق بكل ما هو متاح وحتى بغير المباح، نجومها سياسيون يسعون إلى كسب مزيد من الشهرة وإعلاميّون هدفهم استقطاب نسبة أكبر من المشاهدين ليتحوّلوا بدورهم إلى «متاريس» تغذي الاستقطاب في الشارع.

«أول الحرب كلام». هي جملة من بيت شعر كان أرسله نصر بن سيّار (آخر ولاة الأمويين على خراسان) إلى يزيد بن عمر بن هبيرة والي العراق يستشعر فيه الخطر الآتي جرّاء الاضطرابات حيث يقول:

أرى تحت الرماد وميض جمر

ويوشك أن يكون له ضرام

فإن النار بالعودين تُذكّى

وإن الحرب مبدؤها كلام

فهل ينسحب هذا القول على ما يجري على الشاشات في لبنان؟

النائب السابق مصطفى علّوش (من تيار الرئيس سعد الحريري) هو أحد ضحايا الشدّ العصبي والسياسي لتلك البرامج التلفزيونيّة. ومَن لا يذكر المشادة الكلاميّة الشهيرة بينه وبين الوزير السابق فايز شكر (القيادي في «البعث» السوري) والتي تطوّرت إلى عراك بالأيدي وتضارب بالكراسي خلال مشاركتهما في حلقة من برنامج «بموضوعية» مع الإعلامي وليد عبود على شاشة MTV اللبنانية.

بداية يوضح علّوش أنه شخص عادي يُمكن أن يَستفز ويُستفز في الوقت نفسه وأن ردّات فعله يُمكن أن تصل إلى حدود قد «أعود وأندم عليها في وقت لاحق». ويقول لـ «الراي»: «عادة أُستفّز عندما أشعر بنوع من الاعتداء موجّه ضدي مثل قلّة الاحترام. في تلك الحلقة برزت عصبيّتي بشكل واضح وذلك بعدما تلفّظ خصمي السياسي ( فايز شكر) بكلام نابي بحقّي وبحق الفريق السياسي الذي أمثّله، إضافة إلى أنّه رشقني بكوب الماء الموضوع على الطاولة ومن ثم سحب الكرسي الذي كان يجلس عليه وحاول رميه باتجاهي، وبطبيعة الحال فأنا كنت في حالة دفاع عن النفس وليس في موقع التهجّم».

أمّا عن لعبة رفع مستوى الحلقات ونسبة المشاهدين في آن معاً التي تتم على يد السياسي ومُقدّم البرنامج يشرح علّوش «أولاً نحن السياسيين لا دخل لنا في العادة بلعبة رفع مستوى الحلقات أو جلب مشاهدات أكثر، فهذه مهمّة المحطّة. لكن لا يوجد أدنى شك في أن العاملين في القطاع الإعلامي يهمهم رفع مستوى التشنّج بين الضيوف لزيادة ردود الفعل ورفع نسبة المشاهدة. وأنا شخصيّاً إذا عُدت إلى الوراء لكنت تمنيّتُ لو لم تحصل معي تلك الحادثة. كما أنّ دوري كسياسي يوجب عليّ أن أتنبّه إلى لعبة المحطّات ومقدمي البرامج الحوارية، ولذلك منذ الحادثة الشهيرة معي أرفض الظهور عبر الشاشة مع أي شخص غير مطابق للمواصفات السياسية والاخلاقية«.

في رأي علّوش أن الإثارة موجودة على جميع البرامج الإذاعية والتلفزيونيّة،»نحن في لبنان نُعتبر ضمن ساحة مشتعلة، وأنا أذكّر هنا بأن العديد من البلدان الحضارية تصل فيها الحوارات السياسية على شاشات التلفزة الى أبعد بكثير مما يحصل في لبنان في بعض الاحيان«.

ولكن هل يُعاود مشاهدة حلقاته السابقة من موقع تقييمه لنفسه؟ يُجيب:»بالتأكيد، وعندما أعاود مشاهدة حلقات سابقة أقيّم نفسي بشكل موضوعي إلى أبعد الحدود ولا أذكر أنني تخطيّت حدود اللياقة السياسية والإنسانيّة. أمّا في ما خصّ الحلقة مع شكر، فأقول إنني لو عدت إلى الوراء لما ظهرتُ بمقابلة كهذه. أمّا بالنسبة الى ما حصل بحد ذاته فلم يكن لديّ أي خيار آخر«.

بدوره مُقدّم برنامج»الحدث«على شاشة تلفزيون»المنار«الإعلامي عماد مرمل يوضح لـ»الراي«أن»الإثارة وقبل أن تكون موجودة في الاعلام هي موجودة في الأصل بالواقع السياسي، أي أنه نتيجة الانقسام الحاد والخطاب المحموم، من الطبيعي أن يعكس الإعلام هذه الصورة، وبما أنّ الانقسام السياسي عميق وهناك تبادل اتهامات وسجالات، فمن الطبيعي أيضاً أن يكون هناك ضيوف يعكسون هذا المناخ ويُعبّرون عنه وإن بالشكل الذي نراه في بعض الأحيان إذ لا يُمكن أن يكون الواقع مُلتهباً والشاشة باردة«.

ويتحدّث مرمل عن تجربته الشخصيّة عندما يقول:»يمكن أن يلجأ الإعلامي إلى أسلوب «تحمية» الحلقة في سياق الحديث مع ضيوفه وليس قبل، لأن التحضير يُفقد عنصر المفاجئة والصدق«.

وفي رأيه ان على المقدّم أن»يعرف متى وأين يجب أن (تحمى) الحلقة والمدة أيضاً. فالحماوة قد يبدو ظاهرها للإثارة فقط ورفع نسبة المشاهدة، ولكن لو نظرنا إليها بشكل موضوعي يتبيّن أن السجال والحدّة في النقاش تجعل الضيوف يفقدون السيطرة في مكان ما على أنفسهم، وفي تلك اللحظة يُمكن للإعلامي أن يُخرج من داخلهم الجمل والمواقف الصادقة من دون تنميط أو تجميل، ففقدانهم السيطرة على أنفسهم يجعلهم يُخرِجون كل ما في جعبتهم من أسرار ومعلومات هم في الأصل لا ينوون التحدّث بها. وهذه واحدة من أهم الإيجابيات التي تتعلّق بالسجالات التي تحصل بين الضيوف«.

لكن هل انزلاق الحوارات على الشاشة يُعتبر امراً صحياً؟ يجيب:»بالطبع لا، فهنا نكون وصلنا إلى الخط الأحمر. أنا لطالما أردّد أن الحيويّة مع بعض السجال الموضوعي يخدم الحوار والحلقة كونه يُضفي نوعاً من النضارة ويُشجّع الناس على المشاهدة، ولكن هناك امراً في غاية الاهميّة وهو أن على الإعلامي أن يعرف متى يتوقّف عن تسخين الحلقة لأن المسائل قد تتطوّر بشكل دراماتيكي، تماماً كما حصل في إحدى حلقات برنامجي على شاشة (المنار) بين الصحافييّن جوزيف أبو فاضل وأسعد بشارة، وهذه نقطة تُسجّل على مقدم البرنامج وليست لمصلحته، ومع هذا لا يمنع حصولها مرّة أو مرتين على أكثر حد، على ألا تتحوّل نمطاً أو سلوكاً وإلا ستكون مقتلاً للبرنامج وإساءة للمقدم«.

وهل فعلاً أول الحرب كلام؟ يقول:»هناك أمر اسمه (الوسط) أي أنه لا ينبغي الذهاب إلى أقصى السجالات والشتائم ولا أن نبقى في حال من الجمود وإلا نكون وكأننا نُغطّي على الحقائق التي نعيشها، وهذا الأمر لا يخدم لا البلد ولا الناس ولا المهنة في ذاتها. أمّا فكرة أن الحرب أولها كلام، فأريد هنا أن أوضح أن الحرب اللبنانية عندما بدأت كانت هناك شاشة وحيدة هي «تلفزيون لبنان» الرسمي، وأيضاً عندما اندلعت الحرب العام 1868 لم يكن هناك إعلام على الإطلاق، وهذا دليل على أن ليس الإعلام مَن يصنع الحروب لكن ممكن أن يُغذّيها«.

أمّا الصحافي والإعلامي شارل جبّور الذي يُعد من أبرز»صقور«الإعلام في قوى»14 مارس«فيرى»أن هناك استعراضات تتم على شاشات التلفزة على خلفيّة الإثارة، ولكن على المستوى الشخصي أنا لا أقوم بهذه المُهمّة إطلاقاً بل أعتمد بشكل واضح على الموقف السياسي بعيداً عن أي إثارة أو تهجّمات شخصيّة بحق أي كان«.

ولكن بحسب جبّور أنه ومنعاً للرتابة»المطلوب في بعض الحلقات التلفزيونيّة التشدّد في المواقف السياسية وإطلاق مواقف صلبة وأن يكون السقف مرتفعاً ولكن من دون الانزلاق الى استخدام تعابير وألفاظ خارج إطار أدبيّات النقاش السياسي. ولذلك يجب التمييز بين سقفين وحدّين: الرتابة الإعلامية والرتابة السياسية، من دون أن يقدّم الإعلامي أي مادة سياسية واضحة وأن يكون السياسي ملتزماً بخط سياسي واضح المعالم من أجل إيصال رسالة قويّة للجمهور والرأي العام«.

ويضيف جبّور:»أنا لا أُستفز بسرعة، لكن عندما يخرج الطرف الذي يواجهني عن أدبيّات النقاش حينها أكون مضطراً لمواجهته ليس بالأسلوب الذي يعتمده بل برفع لهجتي التخاطبيّة لأنه لا يُمكن السكوت عن شخص حاول من خلال أدائه وسلوكه أن يذهب باتجاه الشتم أو التعرّض لأفكاري السياسيّة أو للفريق السياسي الذي أنتمي اليه. أنا مع الإثارة ولكن في الوقت نفسه أنا مع إعطاء المشاهد مادة سياسيّة جميلة ودسمة«.

لكن ألا يمكن أن تؤدي هذه الإثارة إلى ما لا تُحمد عقباه وخصوصاً لجهة انعكاسها السلبي على الشارع؟ يجيب:»اليوم هناك انقسام عمودي في لبنان حول خيارات سياسية ونحن كإعلاميين جزء من هذه الخيارات إما ضد وإمّا مع، وبالتالي على القوى السياسية أن تعمل على تبريد المناخات السياسيّة«.

ويوضح جبّور أنه لا يُعاود مشاهدة حلقاته السابقة»أتعاطى مع كل حلقة وكل ضيف بحسب اللحظة التي أكون فيها، فأنا أذهب باستمرار على خلفيّة عدم الانجرار ولا أسمح لأحد بأن يأخذني إلى مكان أو سجال أو نقاش سياسي لا أريده. ولكن في حال خرج الشخص عن آداب السياسة والإعلام، عليه أن يتحمّل مسؤوليته وطبيعة الرد الذي يمكن أن ألجأ إليه«.

سالم زهران من أكثر الإعلاميين إثارة للجدل وأكثرهم جذباً للمشاهدين بحسب استطلاعات الرأي لدرجة جعلته الشخصيّة الإعلاميّة الأكثر طلباً على البرامج الحواريّة. ويتحدّث زهران لـ»الراي«عن طبيعة دور الإعلام فيقول:»دور الإعلام يُفترض أن يكون بث الوعي في عقول الجماهير وأن يلعب دور الإطفائي الذي يُطفئ الحريق المذهبي. لكن عمليّاً الإعلام في لبنان والعالم العربي تحوّل للأسف إلى دور الحطَب الذي يُوضع داخل الموقدة المذهبيّة فتشتعل النيران أكثر«.

يدخل زهران في لعبة الأسماء وتحديداً خصومه السياسيين والإعلاميين، لكن هذه المرّة بشكل إيجابي وهؤلاء في رأيه يشكلون»بعض العلامات«الإيجابية من حيث الشكل، ويشرح:»عندما ينتمي شخص مثل الاعلامي نديم قطيش او الوزير السابق باسم السبع أو غيرهما من الأصوات الشيعيّة إلى تيّار (المستقبل) أو يؤيّد سياسة السعودية و(عاصفة الحزم) التي تقودها، في مقابل أشخاص من أهل السُنّة مؤيدين لإيران ولمحور (الممانعة)، فإن هذا الامر يُبرّد الاجواء ويُخفّف من الاحتقان لأنه يجعل المشاهد يشعر بأن الاشتباك ليس مذهبياً والدليل وجود هذه الشخصيات الملوّنة مذهبيّاً ضمن هذا الفريق وذاك«.

وبحسب زهران فان برامج»التوك شو«في لبنان يمكن مقاربتها من زاويتن مختلفتين:»الأولى تقوم على أنه كيف يكون المجتمع وحال المشاهدين يكون حال البرامج، لأن البرامج هي بنت المجتمع وليس العكس، وبالتالي إذا كان هناك اشتباك سياسي حاد في الشارع فمن الطبيعي أن ينعكس على الشاشة. أمّا أن نقول ان برامج اليوم مطابقة للمواصفات اللا مذهبيّة فحتماً لا، بل أكثر فهي تزيد من حدّة الاشتباك، من دون أن يعني ذلك أنها هي التي تُسبّب الاشتباكات التي هي أصلاً موجودة«.

وألا يُمكن أن تُشكّل هذه البرامج في مكان ما بداية حرب؟ يجيب:»نحن في قلب الحرب، وكلامنا على الشاشات هو جزء من هذه الحرب. وكما تُطلق النيران والصواريخ والقذائف، أيضاً تُطلق العبارات والأوصاف والكلمات، ونحن جزء من المعركة القائمة كلٌّ خلف متراسه وخلف محوره وعند رايته وحزبه«.

اللعبة الجماهيرية في رأي زهران»مطلوبة«ولكن هناك أمراً آخر يعتبره أحد أهم أسباب الجماهيرية التي يمكن أن يتمتّع بها أي سياسي أو إعلامي وتجعله نجماً حواريّاً، ويقول في هذا السياق:»لم يعد سرّاً ان الناس يبحثون اليوم عن المعلومة أكثر من الموقف، وفي كل المقابلات التي أجريها أو في غالبيّتها، توجد مادة دسمة أو معلومة أقدّمها للناس. أنا أيضاً على علاقة جيدة بقيادة الجيش اللبناني الحالية وبـ «حزب الله» وبالتالي من الطبيعي ان أكون مطلوباً على الشاشات، ليس لموقفي فحسب بل أيضاً لما أملكه من معلومات أقدمها للمشاهد«.

وعن التراشق الكلامي والقذف بالكراسي والأثر الذي يُمكن أن تتركه هذه الممارسات في نفوس المشاهدين، يعود زهران إلى اختصاصه الأساسي وهو في علم النفس التربوي فيقول:»التخلّي«او «لحظة التخلّي» هي لحظة انفعالية لا إراديّة تأتي بثوان معدودة وتنتهي معها. حتّى هذه اللحظة كل المشاكل التي حصلت على الهواء وقد أكون جزءاً من بعضها، كانت للحظات ثم انتهت باعتذار من كلا الطرفين. أمّا إذا لم ينتهِ الإشكال مع انتهاء البرنامج فنكون أمام حالة مرَضيّة حتماً، وغالبية مشاكلنا كانت حالات عرَضيّة وليست مرَضية».

زهران يُعيد مشاهدة أي حلقة يقوم بتسجيلها، وهذا في رأيه أمر طبيعي «يصبّ في مصلحة السياسي أو الاعلامي. ولذلك من يراقب أدائي منذ العام 2011 يُلاحظ أن عامل التوتّر عندي قد انخفض بنسبة كبيرة وأصبحتُ أتحكّم بدرجة كبيرة بانفعالاتي وغضبي».

لدى الإعلاميّة ومقدمة البرنامج الحواري «انترفيوز» على شاشة «المستقبل» بولا يعقوبيان اعتراض صريح وواضح على مُجمل ما يجري في الإعلام عموماً والبرامج الحواريّة على وجه الخصوص. وهي تأسف لدور الإعلام الذي تحوّل في رأيها «جزءاً من منظومة الحكم وامتداداً للسلطات الموجودة التي تتقاسم البلد وتحكمه، فدور الإعلام من المُفترض أن يكون محفّزاً للناس وتحديداً السياسيين كي يفكروا في كيفيّة تحصين البلد وجعله وطناً لكل مَن ينتمي اليه، وان يكون دور الجامع بين اللبنانيين. لكن الزحف وراء نسبة المشاهدة هو أسوأ ما أصاب الاعلام اللبناني».

وتعتبر يعقوبيان أن الصراع بين الشاشات وما يشهده من إسفاف وانحدار يقابله ارتفاع في نسبة المشاهدة «وهذا أمر طبيعي كون الناس يحبون أن يشاهدوا «غرائب» و«عجائب»، ولكن ليس من المسموح أن تصبح المنافسة محصورة بهذه «الغرائب» التي هي علامة فارقة لبعض المحطّات، وهذا الامر يشكل خطراً على الوطن ولا يبني مجتمعاً». وتضيف: «من جهتي أتمسك بمستوى معيّن من البرامج ومصرّة على أن أكمل بها رغم علمي المُسبق أن هذا النوع من الإعلام لا يستقطب نسبة مرتفعة من المشاهدين، ومع ذلك سأكمل مع مَن يريد حواراً فكرياً حقيقياً وأسئلة توصل الى استنتاجات تجعل منا أشخاصا اوعى وأنضج، وسأكمل حتى لو لم يتبقّ لي من المشاهدين غير عائلتي، وأفضّل التوقّف عن الاعلام على ان أدخل في هذه الموجة».

وبحسب يعقوبيان فإن «بعض مقدمي البرامج يفتعلون خضّات واستعراضات وأحداث مُتفَق عليها مسبقاً، وهذا قد يؤدي الى حفلة دماء وكراهية لا نعرف متى يُمكننا الخروج منها. ويبقى ان وعي المشاهد هو مَن يضع حداً لكل هذه الامور. لكن هذا الامر لم نعد نستطيع التعويل عليه حالياً من دون أن ننسى مسؤولية الدولة هنا، لأننا إذا أردنا ممارسة القمع للحد من هذا السلوك سنُصبح وكأننا نتعدى على الحريّات العامة التي هي براء من كل ما يُرتكب باسمها، إلا أنه أيضاً من الصعب ترْك الأمور على ما هي عليه».

وتعتبر أن فرضيّة إشعال نيران الحرب الأهلية من خلال هذه البرامج وما يجري فيها «تبقى ضعيفة، فقرار الحرب والسلم هو قرار خارجي وليس داخلياً، وفي هذه المرحلة يبدو أنهم قررّوا بالنيابة عنا أن يبقى الوضع هادئاً. أمّا إذا قرّرتْ تلك الدول في مرحلة لاحقة أن نتقاتل، فقد يعود اللبنانيون إلى قتال بعضهم البعض وبشكل ربما أشرس من السابق».

وتُنهي يعقوبيان حديثها: «قصّة مجاراة الوضع ليست بالأمر الصعب، فعلى سبيل المثال عندما نضع البارود إلى جانب النار من المؤكد أن (فرقعة) ستحصل، لكن إذا (فرْقعت) اليوم وغداً ماذا سنفعل بعد فترة محددة وماذا سنقدّم للمشاهد؟ أنا مشاهد تعب وملّ من (الفرقعة) والسخافات والاستخفاف بعقول الناس، ولذلك لا أستطيع ان أكون جزءاً من هذه الصورة. هناك قصص مهمة يمكننا نسخها عن الخارج، لكن للأسف نحن اخترنا أتفه الأمور وتركنا الجزء المهمّ».