حجر وبشر

الاقتصاد الرأسمالي الحر ... الاشتراكي

1 يناير 1970 10:17 ص
ناقشت اللجنة التشريعية البرلمانية عدداً من الاقتراحات بقانون كان منها «تحديد الإيجار السكني وفقاً للمساحة على ألا يتعدى إيجار الغرفة الواحدة خمسين ديناراً والصالة مئة دينار، وسيُستثنى من سعر الإيجار الخدمات والمنافع التابعة للسكن»، ولا أدري حقيقةً كيف نستطيع القول إن الاقتصاد الكويتي الحر قائم على العرض والطلب ثم نطالب بإجراءات حمائية لا تقوم بها إلا الدول الاشتراكية.

أرجو ألا يُفهم من كلامي أنني أشجع التعاملات الجشعة لأصحاب العقارات ومبالغتهم في مستوى الإيجارات، إلا أن تلك الممارسات تعتبر أمراً منطقياً في الاقتصاد الحر وفقاً لنظرية العرض والطلب، إلا أنه في الوقت نفسه يجب علينا الاعتراف أن ممارسات الدولة وخططها وتعاملاتها هي التي فتحت المجال على مصراعيه لأصحاب العقارات الاستثمارية للإقدام على تلك الممارسات عندما لم توفّر الضوابط اللازمة أو عندما لم توفّر البديل المناسب، فعندما نذكر الضوابط فإن الحكومة لم تستطع فك الاحتكار عن الأراضي ولم تضع حتى الآن أي عقوبات ملموسة على عدم استغلال الأراضي الفضاء المملوكة للأفراد والشركات حتى تجبرهم على التفكير جدياً في تعميرها، ما يؤدي إلى زيادة المعروض وينتج عنه انخفاض الإيجارات.

من ناحية أخرى فإن النمط السائد للتفكير الحكومي يميل دائماً إلى التضييق والمنع والتشدد لحل المشاكل بدلاً من التفكير الإيجابي والتسهيل والتفكير بتعمق لإيجاد حلول جذرية للمشاكل، فبدلاً من تحديد القيمة الإيجارية لشقق مملوكة للأفراد والشركات على طريقة الدول الاشتراكية، كان يمكن التقدم باقتراحات من شأنها تحريك المسألة وعلاجها من جذورها، وقد يكون أحد الاقتراحات هو قيام الحكومة بتبني سياسة شاملة على مستوى الدولة بحيث يتم تخصيص مانسبته 10 في المئة من الأراضي المخصصة للسكن الخاص للسكن الاستثماري على أن يتم بيعها بالمزاد العلني على المستثمرين الراغبين أو يتم تخصيصها بنظام (B.O.T) أو حتى أن تقوم الحكومة بإنشاء شركة عقارية يتم تخصيص أسهمها للمواطنين للاستثمار في إنشاء عمارات استثمارية على هذه الأراضي وحينها يمكن للحكومة تحديد أسعار إيجارات الشقق السكنية في تلك المناطق ضمن شروط الاستثمار، خصوصاً أن الإيجارات حتى بعد تخفيضها يمكن أن تعطي مردوداً جيداً على المستثمر نظراً لأن تكلفة المبنى لن يدخل فيها سعر الأرض حيث سيتم تخصيصها مجاناً من قِبل الحكومة.

إن من شأن هذا الاقتراح أن يضع تحديات حقيقية أمام مسألة ارتفاع إيجارات الوحدات الاستثمارية القائمة حالياً وسيؤدي إلى انخفاض الإيجارات بشكل عام وتوفرها بأسعار معقولة، كما أن إنشاء بُؤر استثمارية مصغرة ضمن المناطق السكنية سيُمكّن المتزوجين حديثاً من السكن بقرب أهاليهم خصوصاً في المناطق والمدن الجديدة، كما أنه سيوفر بديلا جيدا للوافدين العاملين في تلك المناطق من أطباء وممرضين ومدرسين وبائعين وعمال وخياطين وحلاقين وأصحاب مهن كثيرة ومتعددة ممن يزاولون أعمالهم في تلك المناطق ولا يمكن الاستغناء عنهم.

إن الكويت تحتاج إلى ثورة في نمط التفكير ومقاربة الواقع بصورة أفضل لتسهيل أعمال المواطنين بدلاً من الاعتماد على مستشارين أجانب بعيدين كل البعد عن فهم مشاكل المواطنين وتقديم الحلول لها. والله المستعان...