محطة / عبد الحليم نور الدين: المصريون القدماء قدروا الأدب حق قدره

1 يناير 1970 10:50 م
| الإسكندرية (مصر) - «الراي» |

أكد أستاذ اللغة المصرية القديمة في كلية الآثار، جامعة القاهرة، ومستشار مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور عبد الحليم نور الدين... أن القدماء المصريين كانوا روادا في مجال الأدب والقصة بين بلدان الشرق الأوسط.

نور الدين قال - في محاضرة له بعنوان «الأدب المصري القديم» بالمكتبة-: إن الأدب المصري القديم يمثل مرآة تعكس وجه وفكر الإنسان المصري، حيث خلّف المصريون الكثير من الروائع في مجال الأدب، خصوصاً أدب الحِكَم والنصائح والأمثال والأناشيد.

وأشار... إلى نشيد أخناتون أحد ملوك الأسرة الـ 18، والذي حكم في القرن الـ 14 قبل الميلاد، وهو أول مفكر مصري يدعو للوحدانية التي تقوم على عبادة الإله الواحد «آتون» (قرص الشمس) ونبذ تعددية الأرباب التي كانت سائدة في مصر قبل أن يخرج اخناتون على العالم القديم بدعوته الجديدة. وأوضح... أن اخناتون ناجى إلهه بنشيد رائع سجل على جدران مقبرة أحد معاونيه وهو «آي» كبير كهنة آتون والذي أصبح ملكاً على مصر فيما بعد.

وأضاف: ان الباحثين في علم الأديان المقارنة رأوا أن هناك تطابقاً يكاد يكون كاملاً بين ما ورد في نشيد اخناتون وما ورد في المزمور 104 من مزامير النبي داود عليه السلام في التوراة.

ولفت... إلى أن هناك أدب الحِكَم التي صدرت عن الحكيم «آمون إم أوبت»، والتي كانت مصدراً لسفر الأمثال في التوراة. ما يؤكد فضل المصريين على العبرانيين في تكوين جانب كبير من ثقافتهم عندما بدأوا في القرن الـ «3» قبل الميلاد في كتابة بعض أجزاء من كتاب العهد القديم.

وفي مجال القصة والرواية قال الدكتور نور الدين: إن مصر كانت رائدة بين بلدان الشرق القديم، ولا تزال قصص «سنوهي» و«القروي الفصيح» و«نجاة الملاح» وغيرها تمثل البدايات الأولى لأدب القصة والرواية في تاريخ الأدب العالمي.

وأكد... أن المصريين القدماء قدروا الأدب حق قدره، وأعجبوا بالكلام الجيد والقول البليغ، وكانوا يرون في إجادة التعبير، والتصرف في فنون الأدب فضلاً يمتاز به المرء، ومثلاً ينبغي أن يتخلق به الكريم، كما كانوا يرون فيه ثروة تعين على المنزلة الرفيعة، والدرجة السامية، وهكذا أدرك المصريون ما يكون للكلمة من القوة والأثر.

ونوه... إلى أن الأدب كان يقرأ ويدرس في المدارس، وكان التلاميذ ينسخونه لتقويم ألسنتهم وتعليمهم الفصاحة والبلاغة. وترجع النصوص الأدبية في أغلبها إلى ما كتب في الدولة الحديثة وعصر الرعامسة، ومن أقدم ما جاء منها تعاليم بتاح حتب وتعاليم حورددف من الدولة القديمة، وتعاليم خيتي بن دواوف. وتعاليم أمنمحات الأول وقصة سنوهي وكتاب الكمال ونشيد النيل وتنبؤات نفررحو في عصر الانتقال الأول والدولة الوسطى.

أما ما كان من آداب الدولة الحديثة فمنها: حوري لزميله «أمنموبي» وتعاليم آني ثم مجموعة أناشيد الآلهة والفراعنة، وأخيراً مجموعة رسائل قصيرة ذات أغراض متعددة وبعض القصص، على سبيل المثال «قصة الأمير الموعود» وقصة «الأخوين» وقصة «الصدق والبهتان» وغيرها.

واختتم الدكتور نور الدين محاضرته... بالتأكيد على أن المصريين عالجوا في آدابهم نواحي مختلفة، فكتبوا في المواعظ وآداب السلوك وما ينبغي على المرء التخلق به في الظروف المختلفة، وضمّنوها الأمثال والحكم النادرة والخالدة على مر الأيام والسنين.

كما أنشأوا المقالات في الإصلاح السياسي لعلاج ما تفشى، في فترة ما، من مساوئ وما حل بالمجتمعات من نكبات، وصنفوا الرسائل في المناسبات والأغراض المختلفة، في التهاني والتواصي والتمنيات والتراجي والتفاضل والمفاخرة وغير ذلك من مطالب الحياة ومقاصدها.

وأشار... إلى أن المصريين القدماء حاكوا القصص القصيرة المختلفة حتى ليعتقد أن مصر هي موطن القصة القصيرة. كما صاغوا الأناشيد، وألفوا الأغاني، لا سيما أشعار الحب، بل ألفوا التمثيليات الدينية يمثلونها في أعيادهم لآلهتهم وملوكهم، الأمر الذي يدل على أن كثيراً من النصوص الأدبية المصرية لم تقتصر على كونها تراثاً أدبياً فحسب بل إنها تقدم لنا بعداً إنسانياً للحضارة المصرية القديمة.

وفي محاضرة له أيضا بعنوان: «المصريون القدماء والحفاظ على البيئة»... بالمكتبة، أشار فيها... إلى أن الإنسان في أي زمان ومكان أدرك أنه جزء من البيئة التي يعيش فيها ويعايشها، يتأثر بما فيها من إيجابيات أو سلبيات.

وتابع: ليس من شك أن الإنسان في كل مكان وزمان استشعر أهمية الأرض والهواء والماء، على اعتبار أن هذه العناصر تمثل الركائز الأساسية للحياة.

وقال: هكذا كانت الحال بالنسبة للمصريين القدماء منذ استقروا على أرض مصر، وقد أخذوا يستوعبون بالتدريج مكونات بيئتهم من أرض سوداء وأخرى صفراء، ونهر ومصادر أخرى للمياه، وهواء نقي.

وأضاف: إن المصريين القدماء... لم يتركوا لنا في لغتهم مصطلحًا يشير إلى «البيئة» كما نعرفها الآن، إلا أن ما مارسوه في حياتهم اليومية، وما خلفوه لنا من وثائق، يؤكد بوضوح أنهم أدركوا معنى البيئة وأهميتها بالنسبة لهم، وعرفوا بأسلوبهم كيف يتعاملون معها، وكيف يحافظون عليها نظيفة صحية، حتى يمكن أن ينعموا بحياتهم أصحاء سعداء.