ذكياً كان عادل المسلم، مخرج ومؤلف مسرحية «من حبنا لها» في تمكّنه من الاحاطة بالآفات الاجتماعية المتفشية في الكويت كافة، دون أن يُشعِر المشاهد أنه أقحم هذه المواضيع في نص مسرحيته من دون مبرر كما أنه استطاع أن ينقر على الأوتار الأكثر حساسية وهي ثورة العمال البنغاليين التي شغلت الأوساط السياسية والاجتماعية في الآونة الأخيرة ومسألة هوس الفتيات في الكويت وكافة أقطار العالم العربي بوسامة مهند بطل المسلسل التركي «نور».
بسلاسة متناهية كانت توزع اللسعات يميناً وشمالاً لتطول المواطن بداية، الذي يتمادى في اهماله ولا مبالاته ازاء موضوع الترشيد في استهلاك الطاقة إلى حد ترك الأنوار مضاءة ليلاً نهاراً، دون أن يردعه أي وازع، مروراً بمسألة تعيين الوافدين في المؤسسات، في حين أن أبناء الديرة لا يتوافر لهم العمل، واستخدام الواسطة عنصراً لتحقيق المآرب، والتشديد على مسألة عدم اختلاط الشبان بالفتيات حتى في أحلك الظروف التي فرضت على مجموعة من العائلات امضاء الليلة معاً نظراً لانقطاع التيار الكهربائي واثارة مسألة تقييد حرية الشبان في حين الفتيات يتنعمن بصلاحيات واسعة.
هذه المواضيع جميعاً طرحت في العرض الأول لمسرحية «من حبنا لها» على خشبة مسرح كيفان والتي يستمر عرضها حتى الثامن والعشرين من أغسطس المقبل. وقد حرص الشيخ أحمد الخليفة الصباح على مشاركة الجمهور المسرحي فرصة التمتع بهذا العرض الا أنه اضطر للمغادرة قبل اسدال الستارة على النصف الأول من المسرحية، ما جعل عادل المسلم يقطع الحوار المسرحي الذي كان يدور بينه وبين ولد الديرة ويتقدم بالشكر من الشيخ أحمد الخليفة على حضوره ودعمه للعمل المسرحي.
بالعودة إلى تفاصيل العرض فقد رفعت الستارة بداية لتظهر ساعة حرارية كبيرة معلقة على الحائط ومؤشر درجة الحرارة داخلها يشير إلى بلوغ المنطقة الحمراء. كما تم تضييق الفضاء المسرحي ببعض الجدران الخشبية للدلالة على أن ما سيدور من أحداث سيكون داخل أحد المنازل ووضعت أريكتين صغيرتين للتأكيد على ذلك. أحمد السلمان أطل بداية فاستحق تصفيقاً حاراً من جمهور الصالة وكذلك انتصار الشراح وولد الديرة اذ اجتمع الثلاثة معاً في مشهد أسري مشابه لما يدور داخل العديد من البيوت حيث أن الوالد يقسو على ابنه المهمل في حين أن الأم تدافع عنه بشتى الطرق وسبب الخلاف الأساسي التبذير في استهلاك الطاقة الكهربائية. ووسط هذا الخلاف يطل ابراهيم الشيخلي من داخل التلفاز متقمساً شخصية الوافد من احدى الدول العربية ليصرخ بأفراد العائلة طالباً منهم حل الخلافات في ما بينهم وقد استغل المؤلف هذا الموقف لايصال رسالة حول الطفرة في توظيف الوافدين قائلاً بلسان أحد أبطال مسرحه «ليش ما يشغلون عيال الديرة».
في المشهد التالي استبدلت الأريكتان بأريكتين مشابهتين لديكورات الديوانيات وقد أطلّ ابراهيم القطان وبو زريقه فاستحقا تصفيقاً حاراً من الجمهور. وكانت عودة إلى منزل عائلة السلمان في المشهد الثالث حيث يدفع انقطاع التيار الكهربائي الجيران ابراهيم القطان وزوجته المصرية (سعيد الملا) للقدوم إلى منزل السلمان طلباً للمساعدة وقد وظف المسلم هذا المشهد ليعبر عن العديد من وجهات النظر منها الاتكال المبالغ به على الخدم من بنغاليين وجنسيات مشابهة ما دفعهم للنقمة على أصحاب العمل والنقر على وتر الوضع المزري لمستشفيات الديرة والتلميح لانشغال الناس بجمال مهند بجملة جاءت على لسان المسلم متوجهاً لولد الديرة بالقول «صاير حلو ماشاالله عليك تشبه مهند». كما كانت لسعة على لسان المسلم حول مسألة الواسطات بالقول «ما حد خرّب هالديرة الا الواسطات». وانتقل المسلم لطرح موضوع الأقساط بالقول على لسان أحد ابطاله «الأقساط طاحت ما يصير... 50 دينارا نشفوا ريقنا عليهن». وفي حديث على لسان انتصار الشراح جاءت على ذكر موضوع الاختلاط والتمييز بين الاناث والذكور فقالت «البنات لابسين من غير لبس... البنات ما تستحي... الشباب يشوفون البنية كأنهم شايفين ذبيحة»
الفصل الثاني من المسرحية كان أقل قوة من الفصل الأول فقد وظف المشهد الأول لاظهار مدى ارتفاع الأسعار والانعكاسات السلبية في توظيف مدرسين وافدين ليسوا على درجة عالية من الكفاءة كما رمى المسلم بسهامه الساخرة نحو وزارة التربية كونها تفتح أبواب المدارس في شهر رمضان فقالت الشراح مستنكرة «خافوا الله يهال برمضان تخلوهن يداومون» والهبت أكف التلامذة بين الحضور بالتصفيق.
في المشهد ما قبل الأخير نقلنا المسلم إلى كواليس ما أسماه المجلس الأعلى للطوارئ وقد أسند دور رئيس المجلس إلى الممثل ابراهيم القطان في حين ان الأعضاء المتحاربين في ما بينهم هم الشراح وبوزريقه من جهة وولد الديرة والسلمان من جهة أخرى وذلك في اشارة إلى ما سمي بأعضاء التأزيم ونقيضهم.
في المشهد الأخير عودة إلى منزل السلمان الذي يصحو من النوم ليكشف أن أحداث المسرحية كناية عن كابوس مزعج عكر صفو نموه الا أنه اتعظ من الرسائل التي تضمنها هذا الحلم وأطلق صرخة من أعماقه الدفينة تقول «وفروا بييكم يوم تضيعون..الكهرباء شيء مهم... والله العظيم لازم نوفر.. لازم نعيش بالنور طول عمرنا»
«من حبنا لها نوفر لها» أغنية اعلنت عن نهاية المسرحية وسط التصفيق المتواصل من الحضور.
لقطات:
- عندما أطل ولد الديرة بدأ أحد الأطفال بالصراخ له «تستاهل» فأجابه مبتسماً «انت أول مرة تدش مسرحية... عادي».
- منى البلوشي احتوى أداؤها على نسبة عالية من المبالغة ولم تكن مقنعة بتاتاً في الدور الذي أسند لها.
- ابراهيم القطان أجاد تقمص دور رئيس المجلس الذي لا يسعه اتخاذ قرار حاسم.
- سعيد الملا لم يتمالك نفسه من الضحك حين عمد المسلم في أحد المشاهد إلى قذفه بالوسادة على رأسه فكان تأثيرها أقوى من المتوقع على ما يبدو.
وصلة راقصة تجمع بين ولد الديرة وانتصار الشراح (تصوير نور هنداوي)
ابراهيم الشيخلي يقدم النصائح لعائلة السلمان
عادل المسلم في حوار كوميدي ساخن مع ولد الديرة وبو زريقة
مشادة بين ابراهيم القطان وزوجته سعيد الملا وأحمد السلمان كبش الفداء