قراءة / «فئران أمي حصة»... دعوة إلى التعايش مع الآخر بسلام
| كتبت حصة العجمي |
1 يناير 1970
02:26 م
«بقولكم سالفة من احلى السوالف امانة سمعوها امانة حفظوها... اعتذر عن مقطع لا أحد يخالف... فلربما سيخالفك الكثير يا كتكوت... اعتمدت على ذاكرة طفل ادرج اسماء اصدقائه، ولم يخبرنا عن اسمه، ذكر لنا ألقابا أطلقت عليه ولم يقل إلى أيها ينتمي فعلاً، كان يعيش على الحياد... يخشى السماء ونمو شاربه...»!
إن ثمة ملاحظة سنكتشفها- من أول وهلة- في رواية «فئران أمي حصة» للروائي الشاب سعود السنعوسي، وهي ترابط عناصر الغلاف، مع الفكرة الرئيسية المطروحة.
والملاحظة الأخرى- الأكثر أهمية- أن السنعوسي في هذه الرواية أشبه بالعرّاف... الذي يكشف المستور المختفي خلف غلالة الزمن... اقتلع عيوننا من رؤوسنا، إلى حد الدهشة، كنا هناك معه في المستقبل، وتحديدا في عام 2020، ذهبنا إلى ما آلت إليه الأحداث... تجرعنا خوفه، ومع ذلك أجزم ان الرواية أخذت منه أكثر مما أصابتنا، فالرواية كتبت بإحساس الحرقة على بلادٍ تطلب العلى... فالمؤلف أجاد في وصف الرعب ودفء السائل الذهبي المروع والتوجس والانتظار، اسقط الراء وأبقى العين مفتوحة... لقد أتقن حبكته الروائية والتمهيد لها بشكل مغاير.
وانا اقرأ الرواية كنت أسابق الزمن لأعود الي ما قبله، احببت الترتيب الزمني والإشارة إلى الوقت في طرف الصفحة، تلك الإشارة التي تعلن العودة إلى المستقبل، و هذا الفعل الزمني يثير في وجدان القارئ التشويق والحماسة في متابعة أحداث الرواية.
وقد دفعني هذا التشويق في الأحداث، إلى قراءة الرواية على مرحلتين الأولى تخص المستقبل- كقصة واحدة- ثم العودة في المرحلة الثانية إلى زمن «أمي حصة»، لأقرأها من دون مقاطعة المستقبل. وهنا تكمن عبقرية السرد في التركيب البنائي للرواية... فلدينا قصتان وبينهما جسور من التواصل، فكلما ثقل علينا المستقبل بوجعه، الذي هو نتاج تنازع وتناحر فكري بين الاخوة، نجد أن الروح الممزوجة بحكايات الأطفال وانسجامهم رغم اختلافهم... تعود إلينا.
وأذكر في هذا السياق أن إعجابي كان مدهشا وأنا أتابع قصة سهيل وكيفية ربطها بقصة فهد، ثم بأغنية الصوت الجريح، ومن ثم إعادتها إلى المستقبل لينتهي بها العمل. حقيقة الفكرة خلاقة، تلك التي انطلق منها السنعوسي، مما اشعرتني بأن «المؤلف» قد تشبع من كل شيء وفي كل شيء... خصوصا في الربط بين قصص الجدة واغنيات الصوت الجريح واسقاطها على المستقبل- وكقارئة لأعمال السنعوسي السابقة- لمست ذات الروح التي حضرت بحضور اصدقاء «هوزيه» هنا ايضاً... كم احببت ضاوي وايمانه بقضيته... احببت ايوب وطريقة معالجته للأمور وفهد واقدامه ومعرفته لما يود أن يعرفه، وشعوره ان مطربه المفضل فقط يغني من اجله، اما صادق فكان اكثر تعايشا مع الوضع وتغيراته... و«كتكوت» تلك الشخصية المركبة، التي لن اتحدث عنها كي يتناولها كل قارئ بإحساسه. و«امي حصه»... اهٍ وألف آه كل جداتنا «امي حصة»... نعم جدتي كانت تستخدم ذات الصابونة، نعم جدتي كانت تستخدم ذات العطر، معها استنشقنا عبير الماضي، نعم جدتي كانت تربي دجاجات في فناء المنزل... «منو اتحبون اكثر انا او...» فلو امتلكنا الاشياء بمجرد محبتنا لها لكان الأمر هينا، لما اضنتنا قرصة قلب عائشة ولا صمت فوزية، التي حُجِبت عن الحياة بمجرد موت والدها، فوزية التي لم يمنحها اسمها شيئا من صفاته... اما حصة التي ظهرت في اخر الاحداث فكانت متمردة، تبادر بإعلان الحب... والحديث... والسؤال، لا تأبه بالصمت... تعد العدة ليوم اللقاء... تبحث عن ضالتها حتى تجدها... في هذا العمل أدخل سعود السنعوسي في مشاعرنا الألم، في هذا العمل دعوة- بطريقة مغايرة- للعودة إلى الأحياء... إلى روح بلد السلام، كي تعود كويتنا واحة وارفة الظلال.
إنه الكاتب الذي يحمل الهم والمسؤولية تجاه وطنه، ومن ثم قدم له الاهداء: «إليك لأن لا مكان لي سواك». لقد نادى سعود السنعوسي في هذا العمل، بفكرة قبول الآخر والتعايش معه بسلام. ومن ثم كان النجاح حليفة خصوصا حينما رفع شعار الثقافة تذيب الفروقات.
اتمنى ان يتناول النقاد والكتاب هذا العمل المتميز بالتحليل والمناقشة في صالوناتنا الادبية، بعد ان تسمح الرقابة بعودته إلى أرفف المكتبات.